إنهاء ولاية الخبير.. ما زال ملف حقوق الإنسان مصدر قلق
بقلم: لمياء الجيلي
لم يكن قرار مجلس حقوق الإنسان الخاص بإنهاء ولاية الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان، مُفاجئاً للحكومة ولا للمراقبين والحقوقيين المحليين والدوليين، بل جاء تنفيذاً لقرار المجلس في سبتمبر من العام الماضي رقم 42/35 والذي تم فيه تجديد لولاية الخبير المستقل لعام واحد، وأكد في ذات الوقت إنهاء ولايته بهذا العام وفقاً لقرار المجلس رقم 39/22.
ولا شك أن هذه القرارات كانت نتاجاً للتعامل الجاد للحكومة المدنية للفترة الانتقالية مع هذا الملف. فقد أبدت تعاوناً كبيراً مع آليات حقوق الإنسان المختلفة، وأكدت على لسان الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء والدكتور نصر الدين عبد الباري وزير العدل، في عدد من المحافل والمناسبات الدولية، التي تمت مخاطبتها في السابق من قبلهم؛ أكدت على احترام حقوق الإنسان، وحرصهم على تعزيز آليات الحماية والتي أوضحتها الحكومة في خطاباتها المختلفة مع المنظومة الأممية وفي استراتيجيتها الوطنية المُستمدَّة من الوثيقة الدستورية والخطة الوطنية لإصلاح المنظومة القانونية والمؤسسية، والتي اعتبرها الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان في تقريره الأخير مؤشرات للتقدم المحرز في هذا الجانب. إضافة إلى ذلك السماح بإنشاء مكتب للمُفوَّض السامي لحقوق الإنسان في الخرطوم والتعاون مع هذا المكتب، والذي تم بناءً على قرار مجلس حقوق الإنسان بالرقم 42/35. كذلك رحَّبَتْ الحكومة المدنية، وأيَّدَتْ قرار مجلس الأمن 2524(2020) والقاضي بإنشاء البعثة المتكاملة للأمم المتحدة لتقديم المساعدة للفترة الانتقالية. هذا إضافة إلى ما تم من إصلاح قانوني ومؤسسي، على الرغم من تعثره وضعفه وعدم اكتماله؛ لكنه يُعتبر من النقاط الإيجابية لصالح الحكومة خلال الفترة الماضية.
النظام السابق كان يخوض معاك شرسة في المحافل الدولية لإنهاء ولاية الخبير المستقل ويرفض بشدة ربط إنهاء هذه الولاية بقيام مكتب قطري للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في السوادن، والذي كان يعتبره خطراً حقيقياً. ففي سبتمبر 2018 وقبل سقوط نظام البشير صدر قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 39/ 22 الخاص بتمديد ولاية الخبير المستقل لسنة واحدة أو تجديدها في حال تعثر تشغيل مكتب قطري لمفوضية حقوق الإنسان في الخرطوم. وفي تلك الجلسة التاريخية بذل سفير السودان الدائم بجنيف آنذاك مصطفى عثمان إسماعيل، وطاقم السفارة السودانية وممثلو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ووزارة العدل قصارى جهدهم في عدم ربط إنهاء ولاية الخبير المستقل بقيام المكتب القطري للمفوضية، حينها لا يدرون أنها آخر الجلسات والأشهر لنظامهم الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن ثورة شعبية عارمة تلوح في الأفق؛ فهم يرهبون ويبغضون أيَّ وجود أممي حقوقي يُراقب الكم الهائل من الانتهاكات التي يتم ارتكابها في كل أنحاء البلاد، وفي بالهم أوامر القبض الصادرة في حق الرئيس المخلوع عمر البشير, وعدد من قيادات حزبه البائد من المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم الواسعة التي تمت في دارفور عامي 2003 و2004.
التعامل المختلف مع ملف حقوق الإنسان كان له أثرٌ كبيرٌ في تغيير صورة السودان في المحافل الدولية والإقليمية؛ ففي السابق كانت تقارير الخبراء والمقررين الخاصين وتقارير البعثة المُختَلَطة بدارفور (يوناميد) لا تخلو من الشكاوى والمُضايقات والمُعاكَسات التي تتمُّ لهم من قِبَلِ منسوبي الحكومة والأجهزة الأمنية، والمُحاولات المُتكرِّرة لتقييد حركتهم ووضع العراقيل أمامهم حتى لا يتمكنوا من القيام بمهامهم بالشكل المطلوب. بل كانت التهديدات والخطاب المعادي سمة بارزة في التعامل مع هذا الملف، ووصل الأمر بالنظام البائد بطرد ممثلي منظمات أممية، وفي البال قيام حكومة البشير بطرد المبعوث الخاص للأمم المتحدة في السودان يان برونك في العام 2006، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على الزعتري والمدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إيفون هيل والذين تم طردهما من السودان في العام 2014.
قرار إنهاء ولاية الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان لا يعني إنهاء هذا الملف، كما لا يعني خلوَّ سجل الفترة الانتقالية من انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة والحكومة ما زالت تتردَّد في المصادقة على اتفاقيات دولية كاتفاقية مُناهضة التعذيب وغيره من صنوف المعاملة القاسية وغير الإنسانية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وقانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. ومن المؤكد أن المنظومة الأممية تعي تماماً التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية والورثة المُثقَلة من النظام السابق. كما المنظومة الأممية، وفقاً لتقارير عدة منها تقرير الخبير المستقل لحقوق الإنسان الصادر في سبتمبر الماضي، ترى أن أوضاع حقوق الإنسان في السودان ما زالت هشَّة. من هنا جاء حرصها على إيجاد آليات أممية بديلة أكثر قوة ولديها من الإمكانات والصلاحيات التي تمكنها من مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في السودان ومن تقديم الدعم الفني واللوجستي للحكومة الانتقالية والتي تتمثل في المكتب القطري للمفوض السامي لحقوق الإنسان، والذي من مهامه الأساسية تعزيز سيادة حكم القانون والمساءلة، وتعزيز المشاركة وحماية الفضاء المدني؛ وتعزيز المساواة ومكافحة التمييز؛ وتعزيز تنفيذ الآليات الدولية .
أما على المستوى الوطني تحتاج الحكومة لاتخاذ خطوات جادة وحاسمة لمنع تكرار العديد من الانتهاكات التي تمت خلال الفترة السابقة وملاحقة وتقديم الجناة للعدالة وتعويض الضحايا التعويض العادل. ومن الملفات العالقة والعاجلة ملف مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، والذي يترقب الجميع نتائج لجنة التحقيق المستقلة التي تم تكوينها في 21 سبتمبر من العام الماضي والتي تمَّ التمديد لفترة عملها عدَّة مرات ولم تنشر تقريرها حتى الآن. وفي اعتقادي هذا الملف من أهمِّ الملفات التي تثبت مدى جدية الحكومة وحرصها على تحقيق العدالة باعتباره واحداً من شعارات ثورة سبتمبر المجيدة وباعتباره حقَّاً أصيلاً للضحايا وأسرهم وللثوار الذي يتعطَّشون لمعرفة الحقيقة وللقصاص لرفاق دربهم ولضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.