نساء بمناطق النزاعات.. جمر المعاناة وتطلعات القضاء على العنف الجنسي
تحقيق: هانم آدم
لم يكن البحث عن نساء أو طفلات تم اغتصابهن أو تعرضن لعنف جنسي بمناطق النزاع ليحكين عن ما تعرضن له بالأمر اليسير، فالخوف من نظرة المجتمع ما زال يسيطر على الأسر، بجانب عوامل كثيرة تجعل كثيرات يلتزمن الصمت وهن يعتصرن الألم في دواخلهن.
الطفلتان (أ) و(ن) بولاية وسط دارفور تعرضتا للاغتصاب من قبل أفراد دون رحمة وهما في طريقهما للاحتطاب.
خوف وعدم اطمئنان للآخر
نظرة خوف وعدم اطمئنان للآخر لمحتها في عيونهما، وهما تتحدثان إليّ، أيام اعتصام نيرتتي منذ عام، وكانتا تحكيان ثم تصمتان لتواصلا الحديث بعد كلمات التشجيع والاطمئنان التي كانت ترددها مرافقتهما لتحكيا ما تعرضتا له.
الطفلتان لم تكن قصة اغتصابهما في مناطق النزاع هي الأولى، ولن تكون الأخيرة حسب المراقبين للأوضاع، في ظل انعدام الأمن الذي ما زالت تعاني منه ولايات دارفور وأطراف مدنها، على الرغم من توقيع اتفاق السلام الذي تم بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح في جوبا (3) أكتوبر الماضي.
شكاوى الضحايا
شكاوى عديدة ظلت ترددها النساء في مناطق النزاعات من الإشكاليات التي يتعرضن لها. وحسب شكوى سابقة للمعلمة مريم آدم عيسى، فهناك إشكاليات عدة تعاني منها المرأة، أولها انعدام الأمن، حيث تتعرض النساء في كثير من الأحيان للاغتصاب، وأشارت إلى أن انعدام الأمن تسبب في (عطالة الرجال)، وبالتالي أسهم في نسيانهم لمسؤولياتهم، وقالت: (إذا توفر الأمن كل هذه الإشكاليات سوف تزول).
توقف نظام الحماية وزيادة العنف
وفي حديثها لـ (مدنية نيوز) أمس، قالت مسؤولة القضايا الاجتماعية بمراكز النازحين بولاية وسط دارفور فاطمة حسين، إنهم لجأوا لمنع خروج الفتيات أقل من (20) عاماً من أجل حمايتهن، أما الأمهات فيخرجن لقضاء حاجتهن في مجموعات.
ولفتت مسؤولة القضايا الاجتماعية إلى أن البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور (يوناميد) كانت في السابق قد كوّنت لجاناً للحماية، وأضافت أنه إذا حدثت أية شكوى يتم رفعها للجهات المعنية، ومن ثم متابعة الحالة وتأهيلها اجتماعياً، وتابعت: (لكن بعد خروج البعثة لم يعد هذا النظام موجوداً، وحتى الورش التي كانت تقام توقفت)، ونبهت إلى تزايد حالات العنف موخراً، وزادت: (خلال الأسبوع المنصرم استلمنا “3” حالات، تم الاعتداء عليهن في مناطق الزراعة، وقمنا بتوجيههن بمتابعة العلاج بالمستشفى).
ووصفت مسؤولة القضايا الاجتماعية بمراكز النازحين بولاية وسط دارفور الوضع الأمني حالياً بالأسوأ من العام 2003م، وطالبت بضرورة تخصيص مركز بالمعسكر لعلاج الحالات، وتدريب القابلات.
رسائل حكومية للمتأثرين
وأكد وزير التنمية الاجتماعية أحمد آدم بخيت، السبت الماضي، التزام الدولة بوضع حد للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع في السودان، وذكر: (بذلنا جهوداً حثيثة في الحكومة الانتقالية تجاه توفير بيئة آمنة وحماية النساء، بجانب التدخلات النوعية للتخفيف من التداعيات الكارثية لجائحة “كورونا” على النساء في العاصمة و الولايات)، وأشار إلى مساعيهم لتسريع الخطى من أجل إجازة قانون مكافحة العنف ضد المرأة كأول قانون من نوعه في البلاد.
وأكد الوزير الذي كان يتحدث بمنبر وكالة السودان للأنباء (سونا) بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع الذي يوافق (19) يونيو من كل عام، أهمية رسم مسار واضح للعدالة الانتقالية في السودان يؤسَّس على إنصاف الضحايا، ويحفظ حقوق الناجيات والناجين، ويعزز فرص التعافي وإعادة الإعمار وفق نهج شامل.
ونبه بخيت، لوجود تحديات عديدة منها التشوهات البنيوية في الاقتصاد، والصراعات القبلية التي تلقي بظلال كثيفة على فرص العبور والانتقال، إضافة إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية لـ “جائحة كورونا” التي قال إنها تشكل عبئاً ثقيلاً على الحكومة الانتقالية، وأضاف أن هذه التحديات لن تثنيهم عن العمل لاستكمال جهود السلام والاستقرار ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات وإسكات البندقية وسماع الناجيات وتعزيز مشاركة النساء في صناعة القرار.
تبعات الكوارث
وفي ذات المنحي قالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحق الخليفة، إن النساء في أنحاء العالم لا زلن يتحملن تبعات الكوارث والحروب والأزمات؛ حيث يتم استغلال أجسادهن كسلاح حرب لإطالة أمد الصراعات، وفي ظل انتشار (فيروس كورونا) تتحمل النساء تداعيات الجائحة وتبعات الاستجابات المصممة للتصدي لها ومنع انتشارها.
وتابعت مديرة الوحدة أن اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في مناطق النزاعات يمثل مناسبة للتذكير بأن الإرادة السياسية لحماية النساء والفتيات ومنع تكرار حالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع تظهر في الآليات والسياسات المُلزِمة للدولة، وبأن الاستجابات شاملة ومتعددة القطاعات ومناسبة لمختلف الفئات العمرية، ومرتكزة على الناجين والناجيات، وتشمل الخدمات الصحية المنقذة للحياة وخدمات الصحة الإنجابية والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة في كسب الرزق ودعم إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، والحصول على العدالة والمحاسبية العالية وسيادة القانون.
وأضافت سليمى، أن القانون يلزم الدولة بحماية النساء ويضمن للناجيات الحماية داخل المنزل وخارجه، ولفتت إلى تكوين آلية من وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والتنمية الاجتماعية، لوضع خطة وطنية تضع كل هذه الالتزامات حتى لا تتكرر حوادث العنف الجنسي والاغتصاب، وأشارت إلى أن ثقافة الاغتصاب في كل العالم تجرم الضحية دائماً.
الاعتراف بالمشكلة
وفي السياق قال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان نسيم ديانا، إن أولى خطوات الحل فيما يلي العنف الجنسي المتصل بالنساء والفتيات هي الاعتراف بالمشكلة، وأشار إلى عدم وجود معلومات إحصائية حقيقية مرقمة فيما يتعلق بالعنف الجنسي، وعزا ذلك لتعلقها بالوصمة المجتمعية، وأضاف أن المشكلة تكون عندما يكون العنف الممارس طبيعياً في المجتمع.
وأضاف: “من الأشياء الأساسية وجود الخدمات ومعالجة الصدمات النفسية”، وأوضح أن الحكومة بدأت خطوات في هذا الأمر، وأعلن عن دراسة نوعية للعنف الممارس ضد النساء والفتيات في كل السودان سيتم الكشف عنها قريباً.