الانقلاب.. تواصل المقاومة وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان
الخرطوم: مدنية نيوز
بعد مرور ما يزيد عن (4) أشهر على انقلاب ٢٥ أكتوبر الماضي شهدت البلاد تردياً كبيراً في حقوق الإنسان وحرية الصحافة وحرية التعبير، جراء القمع المفرط من قبل السلطات التي استخدمت الرصاص الحي والعصي والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.
وتسبب الانقلاب في انتهاكات في حريات التعبير والاحتجاج السلمي وحرية التنقل التي تأثرت بسبب إغلاق الكباري بالحاويات من قبل الانقلابيين، وكذلك تسبب الانقلاب في آثار اقتصادية تمثلت في ارتفاع أسعار الكهرباء والخبز والوقود وغيرها.
كما تسبب الانقلاب في إبعاد السودان من المشاركة في جلسات أعمال القمة الأفريقية السابعة والثلاثين التي انطلقت يوم الخميس (3) فبراير الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وسط أجواء مشحونة بالأزمات في معظم أنحاء القارة التي عانت كثيراً من حالة عدم الاستقرار.
وهيمنت على أجندة القمة ظاهرة الانقلابات المتكررة والتي بلغت أكثر من 200 محاولة خلال العقود الستة الماضية معظمها نجح في السيطرة على الحكم، وعقدت القمة في غياب 4 دول علق الاتحاد الإفريقي عضويتها مؤخراً بسبب الانقلابات التي جرت فيها وهي: (مالي والسودان وغينيا كوناكري وبوركينا فاسو).
لكن بعض المراقبين يرون أن الاتحاد الأفريقي لا يمتلك الآليات المناسبة لوقف هذه الظاهرة التي تشكل واحدة من أسباب زعزعة الاستقرار في إفريقيا، ووفقاً لتقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية فإن الأشهر الإثني عشر الماضية كانت مليئة بالاضطرابات في معظم أنحاء القارة، فإضافة إلى وقوع 5 محاولات انقلابية خلال الأشهر القليلة الماضية استمرت النزاعات الداخلية في إثيوبيا والصومال وتشاد وإفريقيا الوسطى وفي عدد من بلدان شمال إفريقيا.
الاعتقالات
بلغ عدد المعتقلين ما يزيد عن (2100) معتقل بالعاصمة والولايات، حيث كانت هيئة محامي دارفور قد طالبت في خواتيم يناير الماضي بالإفراج عن 45 محتجزاً بسجن سوبا تم القبض عليهم في مناطق متفرقة من ولاية الخرطوم واحتجازهم بصورة غير مشروعة، وقالت الهيئة في مذكرة إلى النائب العام، إن المحتجزين احتجزوا دون اتخاذ أية إجراءات قانونية ضدهم، وطالبت النائب العام بممارسة سلطاته والانتقال لسجن سوبا وذلك للتحقق من وجود المحتجزين بصورة غير مشروعة والإفراج الفوري عنهم واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة كل من له صلة بالاحتجاز غير المشروع.
أمر الطوارئ
في الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي وبعد مرور شهرين من الانقلاب- وفي محاولاته لتحجيم تمدد الرفض الشعبي للانقلاب على السلطة المدنية، أصدر الفريق أول عبدالفتاح البرهان أمر الطوارئ رقم (3) والذي فوض بموجبه (القوات النظامية) بقمع المظاهرات السلمية من خلال منحهم الحصانة من المساءلة القانونية، بجانب سلطة الاعتقال والتفتيش ودخول الأماكن، وتشمل (القوات النظامية) المشار إليها في أمر الطوارئ قوات الشرطة، والقوات المسلحة، والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة.
وبحسب تقرير لبيم ريبورت فقد أطلق أمر الطوارئ رقم (3) يد القوات الحكومية في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق التجمعات والمواكب السلمية المُناهِضة للانقلاب العسكري.
وتنص المادة 6 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- والسودان طرف فيه- على أن “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً” ووقعت جميع حالات القتل البالغة أكثر من (80) حالة خلال قمع القوات العسكرية للمظاهرات السلمية عقب الانقلاب، ما يعني أن القتل استهدف أشخاصاً كانوا يمارسون حقهم في التعبير والتجمع السلمي.
ومن المعروف أن هنالك قواعد تحكم استخدام القوة لتفريق التجمعات السلمية أو غيرها، كما أن هناك قيود قانونية تحكم حدود استخدام القوة من قِبل (موظفي إنفاذ القانون)، وعلى سبيل المثال، فإن وثائق دولية مثل (مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين))و(المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين) قد حددت شروط استخدام القوة لتفريق التجمعات السلمية.
استهداف لجان المقاومة
وفي (7) نوفبر 2021م اعتقلت السلطات في مدينة القضارف (14) شخصاً من أعضاء لجان المقاومة أثناء مشاركتهم في الموكب المركزي بالمدينة، وأودعتهم القسم الأوسط قبل أن تفرج عنهم بالضمانة وتقييد بلاغات ضدهم تحت المواد (69) و(77) الإزعاج والإخلال بالسلامة.
وفي (21) مايو الماضي أعلنت تنسيقية لجان مقاومة كرري تعرض عضو لجنة مقاومة الواحة عبد الرحمن محمد وعضو لجنة مقاومة الحارة (20) صالح دياب للاعتقال والضرب المبرح بحسب بيانها، وفي مدينة الحلفايا أعلنت لجان المقاومة في وقت سابق اعتقال العضو علي صالح بعد مليونية (30) أكتوبر الماضي في منطقة بحري المؤسسة، وطبقاً للوسائط الأخبارية فقد شنت السلطات مؤخراً حملة اعتقالات واسعة على أعضاء لجان المقاومة في الخرطوم قبيل انطلاق مواكب 24 يناير.
واعتقلت قوات عسكرية مساء الأحد ٢٤ يناير (4) من أعضاء لجان مقاومة العشرة بالخرطوم وهم الحسن يحيى (بالون) وعزالدين المبارك (عزو) ومحمد دفع الله ومجاهد بابكر.
وأوضح شهود أن المعتقلين تعرضوا للضرب المبرح والإساءات اللفظية المهينة قبل اقتيادهم إلى مكان مجهول، وفي الخرطوم أيضاً اعتقلت قوات عسكرية المحامي بدرالدين آدم من مكتبه بسوق ستة القديم في منطقة مايو، وأوضحت لجان مقاومة جنوب الحزام أن القوات داهمت أيضاً مقر
لجان مقاومة جنوب الحزام بمايو محطة المجمع عبر (4) مركبات تاتشر بيضاء بدون لوحات.
كما تم اعتقال عدد من مصابي موكب 13 يناير من أمام مستشفى (رويال كير).
وفي الولاية الشمالية أدانت لجان المقاومة اعتقال (5) من أعضاء لجان مقاومة الخرطوم أثناء عودتهم من دنقلا، قبل إطلاق سراحهم لاحقاً، وهم مصعب الشريف وآدم دفع الله آدم، ومعتز، وفخر الدين، ومحمد السيد، وكانوا قد تم ترحيلهم إلى سجن دنقلا. وكان المعتقلون حضروا من الخرطوم لتفقد رفاقهم فى أماكن (التروس) على امتداد طريق شريان الشمال، وعندما أكملوا طوافهم عند آخر نقطة (ترس) بمحلية البرقيق تم اعتقالهم في نقطة تفتيش كمنار.
وفي المقابل أدان التحالف الديمقراطي للمحامين ـ بمدينة الدويم استمرار نيابة الدويم بولاية النيل الأبيض اعتقال 8 من طلاب المرحلة الثانوية وتوقيفهم لمدة (3) أيام دون ضمان.
وأوضح التحالف أن الطلاب احتجزوا في بلاغ جنائي بوحدة الأسرة والطفل تحت المادة ١٨٢ من القانون الجنائي المبلغ فيه ملازم في القوات المسلحة، وأشار إلى أن أعمار الطلاب تتراوح بين 15 – 16 سنة.
وفي الخرطوم كانت أسرة رئيسة مبادرة لا لقهر النساء أميرة عثمان، قد أعلنت عن مداهمة قوة مسلحة لمنزلها في (22) يناير الماضي، قبل أن يطلق سراحها لاحقاً وفتح بلاغ في مواجهتها.
موكب (28) فبراير
وكشف مدافعون عن حقوق الإنسان عن عدد (77) من الثوار وآخرين تم القبض عليهم يوم أمس الموافق (28) فبراير، وأنه تم إكمال التحري معهم وفتحت في مواجهتهم بلاغات تحت (77) و(69)، وتم إطلاق دعوة اليوم الثلاثاء لحضور ضامنين لقسم الخرطوم شمال.
مجلس حقوق الإنسان بجنيف
وفي الأول من فبراير المنصرم كان من المقرر أن يفحص مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف سجل السودان في مجال حقوق الإنسان عبر الاستعراض الدوري الشامل من قبل فريق عمل الاستعراض الدوري الشامل التابع للمجلس، لكن هذه الجلسة تم إرجاؤها بسبب ادعاء السفير الذي عينه قائد الانقلاب البرهان، عثمان أبو فاطمة، بعدم وصول الرابط الخاص لمشاركة وفد الحكومة في الاجتماع.
وأشارت المتابعات إلى ممارسة (السلطة الانقلابية) ضغوطات كثيفة لإبعاد الممثل الشرعي للسودان في جنيف علي بن أبي طالب، ومحاولة تغييره بممثلها من أجل كسب الشرعية للانقلاب. وأوضحت المتابعات أن الضغوطات وصلت إلى الأمين العام ومدير مكتب الأمم المتحدة في جنيف مصحوبة بالتهديد بطرد بعثة الأمم المتحدة من السودان.
الجدير بالذكر أن السودان يعتبر من إحدى الدول التي سيراجعها الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل إيذاناً بنهاية الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل.
وقد كانت المراجعات الأولى والثانية للاستعراض الدوري الشامل للسودان في مايو 2011 و مايو 2016، ويعتمد الاستعراض الدوري الشامل على عدد من الوثائق منها التقرير الوطني الذي يتضمن المعلومات المقدمة من الدولة قيد الاستعراض والمعلومات المضمنة في تقارير خبراء حقوق الإنسان وفرق الخبراء المستقلين والتي تعرف باسم الإجراءات الخاصة، وهيئات معاهدات حقوق الإنسان وهيئات أممية أخرى فضلاً عن المعلومات المقدمة من جهات أخرى معنية بما فيها المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات الإقليمية ومنظمات المجتمع المدني.
ويعد الاستعراض الدوري الشامل عملية فريدة من نوعها تتضمن مراجعة دورية لسجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الـ 193 الأعضاء بالأمم المتحدة. ومنذ انعقاد أولى اجتماعاتها في أبريل 2008، تم استعراض ملفات جميع الدول الأعضاء الـ 193 بالأمم المتحدة مرتين خلال الدورتين الأولى والثانية للاستعراض الدوري الشامل. وخلال الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، من المتوقع أن تتحدث الدول مجدداًعن الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ التوصيات المطروحة في استعراضات سابقة كانت قد تعهدت خلالها بمتابعتها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على آخر تطورات حقوق الإنسان في البلد المعني.