الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسة

الترتيبات الأمنية.. هل تعصف بعملية السلام؟

الخرطوم: هانم آدم

خطوات سارعت الحكومة السودانية في تنفيذها خلال اليومين الماضيين، في محاولة منها لعكس جديتها والبدء في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وحسم التفلتات بالعاصمة والولايات، وذلك من خلال تشكيلها للقوات المشتركة لحفظ السلام.

فيما أعلنت اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا عن إصدار قرار بتشكيل الآليات الخاصة بالقيادة المتعلقة بالترتيبات الأمنية.

جاءت تلك الخطوات عقب حالة التململ والتذمر التي عبرت عنها عدد من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق السلام في الفترة الماضية، كنتيجة حتمية بعد مرور (7) أشهر على توقيع الاتفاق.

وكان من المقرر تجميع قوات الحركات المسلحة في مكان محدد عقب مضي (90) يوماً من توقيع السلام في (3) أكتوبر الماضي.

التمويل وبطء التنفيذ

وأرجع مراقبون للعملية السلمية البطء في تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية لعدم وجود التمويل الكافي من قبل الحكومة بعد انسحاب عدد من الدول التي كانت قد التزمت من قبل بتمويل هذه العملية.

وحذر أولئك المراقبون من أن التأخير في تنفيذ ذلك البند يعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد، مستشهدين بالاتفاقيات السابقة التي شكل فيها ذلك البند ما وصفوه بـ (خميرة العكننة) مابين الحركات وحكومة النظام المخلوع التي كانت تتعمد البطء في تنفيذ هذا البند.

سلسلة إجراءات

وأشار الخبير في مجال السلام وفض النزاعات د.عباس التجاني، إلى سلسلة من الإجراءات تمت عقب التوقيع على اتفاقية جوبا، منها تكوين لجنة عليا لجمع السلاح في السودان، وكان يفترض تكوين مجلس مشترك بين حركات الكفاح المسلح والقوى المدنية والأجهزة الأمنية حسب نص الاتفاق، وأن يتم دمج القوات في (4) فصائل، هي الجيش والدعم السريع، والأمن والمخابرات والشرطة.

وقال عباس: “غير أن ما حدث أنه لم يتم تكوين هذا المجلس حتى يقرر في آلية الدمج، وقبل الدمج يفترض تجميع القوات وإعدادها. ولفت إلى أن تلك الإجراءات استخبارية وفنية، تسبق عملية الدمج، ونوه إلى وجود معسكرات وتجميع لبعض قوات الحركات المختلفة للبدء في عملية الترتيبات الأمنية”.

تحديات أساسية

ورأى عباس، أن عدم وجود رؤية واضحة للإدماج بشكل تدريجي، يعتبر من التحديات الأساسية لأي اتفاق سلام.

وأضاف: “أما عملية نزع السلاح ومنع العنف مستقبلاً فهذه واحدة من الإجراءات الضرورية التي يفترض أن تنفذ، ويسبق هذا وجود ورقة إطارية لإصلاح الموسسات الأمنية والعسكرية، وأبان أن هذا لم يحدث على الرغم من أن هناك بداية في الإجراءات قيد التنفيذ”، وتابع: “لكن يوجد جزء من الخطوات التي يفترض أن تتضمنها الإجراءات الأمنية لم تنفذ”.

وزاد: “من التحديات أيضاً التمويل لاسيما أن عملية الترتيبات الأمنية لتلك القوات تحتاج إلى أموال طائلة”.

توفير موارد

وقال عباس: “في اعتقادي أن حكومة الفترة الانتقالية ليست لديها مبالغ لتمويل عملية الترتيبات الأمنية، لذلك فهي محتاجة للاستعانة بالصناديق والبيوتات العالمية والبعثة السياسية الموجودة للمساعدة في إيجاد موارد لعملية الدمج”.

ولم يستبعد عباس، حدوث عنف مستقبلاً إذا لم يتم ذلك، وحسب رؤيته فإن إيقاف العنف يحتاج لقرار سياسي وعسكري واضح، ورؤية يشترك فيها المواطنون أنفسهم (لأننا نتحدث عن تحول ديمقراطي وحكم مدني وسياسات أمنية وعسكرية حتى نؤسس لدستور في المستقبل)، وذكر أن هذا الأمر يواجهه تحدٍ يتمثل في إمكانية وجود أجسام أخرى غير مدربة، فليس من السهولة إدماجها.

أضاف: “التحدي الأكبر هو أن الاتفاق نص على أن تكون هذه القوات هي قوات لحفظ السلام في مناطق النزاعات، وأبدى عباس تحفظه على ذلك باعتبار أن تلك القوات ليس لديها التدريب والتأهيل الكافي حتى تحفظ الأمن في تلك المناطق، خاصة بعد خروج البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)”.

تسريع هيكلة المؤسسات

وتابع عباس: “هذا يجعل من الضرورة الاستعجال في عملية إعادة هيكلة المؤسسات بما فيها جهاز الشرطة، وإعادة بنائها بشكل يتسق مع التغيير الذي تم، لتؤدي المؤسسات دورها المنوط بها، وتفتح المحاكم والنيابات والأجهزة القضائية ومراكز الشرطة في المناطق التي حدث بها نزاع لضبط العلاقة بين المجموعات المختلفة، والتدريب على كيفية حفظ الأمن واسترداد الدولة لدورها في تلك المناطق، وأشار إلى أن النزاعات تتسبب في تقليص دور الدولة وبشكل كبير في مناطق النزاعات”.

وشدد الخبير في مجال السلام وفض النزاعات د.عباس التجاني، على أهمية أن تسترد الدولة قدرتها ووظيفتها (السياسية، العسكرية، والاستخبارية) التي تساعد في حفظ أمن وسلامة الموطنين.

معالجة الانتهاكات

ونبه عباس لوجود تحدٍ أخر يواجه ملف الترتيبات الأمنية يرتبط بالنازحين واللاجئين، وقال: “ما لم تحل قضيتهم ويتوفر أمان في المناطق التي نزحوا منها فلا أعتقد أن المسألة ستحل بسهولة، خاصة أن النازحين تأثروا بالنزاع لمدة (18) عاماً، وهناك صدمات نفسية وانتهاكات جسيمة مرتبطة بحقوق الإنسان”، وتابع: (إذن من يحمي المواطنين؟ ولا بد أن يكون هناك طرف ثالث)، وأشار إلى أنه بعد خروج (يوناميد) لا يتوفر الطرف الثالث، وأردف: (الطرف الوطني الذي سوف يوفر الأمن لابد أن يكون على قدر عالٍ من المسؤولية والتدريب).

واختتم عباس حديثه بأن الترتيبات الأمنية تحتاج لنقاش حقيقي لتجنب العودة لدائرة الحرب.

تعدد الجهات

ومن جانبه أشار المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، إلى ارتباط ملف الترتيبات الأمنية بأكثر من جهة، ولفت إلى وجود مجموعات ما تزال تحت التفاوض ومؤثرة في عملية السلام، بحانب حوجة البعثة الأممية لإعادة تأهيل نفسها لخدمة المجال بشكل أكبر، فضلاً عن الجانب المالي بالنسبة للحكومة، وحوجة الحركات لوقت لإعادة ترتيب نفسها.

ولفت خاطر إلى أن المجهود والمال والأطراف ذات الصلة واستكمال السلام مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وكل هذه العناصر تحتاج لوقت ليتم استيعابهم، خاصة أن الشروط التي وضعوها تتمثل في أن يكون الجيش تحت قيادة واحدة.

(دروخة) الحركات

وقال عبد الله آدم خاطر، أن السلام أصبح واقعاً لذلك فإن أمر الترتيبات الأمنية لن يأخذ وقتاً، ورأى أن حكومة النظام المخلوع كانت تلجأ لـ(دروخة الحركات) وتتعمد تأخير ملف الترتيبات الأمنية لإبعاد الحركات حتى تكون مشغولة بتفاصيل تبعدها عن الجدية العسكرية، أما الآن فإن الجميع يتواجدون في رقعة جغرافية واحدة، كما أن السلام أصبح تحت الرعاية الدولية، ولا توجد إمكانية للرجوع إلى الخلف، ومن المهم أن يكون الجيش تحت قيادة واحدة موحدة ويحتفظ بتنوعه باعتبار أن السودان بلد متنوع.

تعهدات دول

ومن جهته قال الخبير الأمني طارق محمد، إن اتفاقية السلام جاءت بناءً على تعهدات عدة دول التزمت بالدفع لكنها انسحبت بعد ذالك، وحدثت إشكالية الترتيبات الأمنية لعدم توفر المبالغ المطلوبة، وأرجع رفع الدعم عن المحروقات من أجل حل ملف الترتيبات الأمنية.

وتوقع طارق، حدوث حالات سلب ونهب وتفلتات فى حال تأخر التنفيذ.

تحديد موعد

وكان بند الترتيبات الأمنية المضمن في اتفاق السلام قد حدد (39) شهراً لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولايات دارفور والمنطقتين تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى (30%).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *