نساء وأطفال السودان.. ضحايا الحروب التي لا تنتهي
نيروبي: مدنية نيوز
طوال تاريخ الحروب والنزاعات والصراعات المسلحة في السودان، ظلت النساء والأطفال الضحية الأولى التي تدفع الثمن الأكبر لصراعات لازمت الدولة السودانية منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وفشلت الحكومات الوطنية التي شغلتها الصراعات السياسية في توفير الأمن والأمان والحماية والوضع المعيشي الكريم للنساء والاطفال، فكان الموت والمرض والجوع والتشرد هو حالهم الذي ما زال مستمرا الى اليوم، إذ يعاني الملايين حاليا من وضع مأساوي سببته الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي انقلبت عليه بعد أن كان يستخدمها لسنوات في تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في الولايات الغربية على وجه الخصوص.
احتياجات النساء لا تذكر
“إن النظر إلى الحرب من خلال عيون النساء له بعد آخر لا تراه في وسائل الإعلام النادرة على كل الأحوال. احتياجات النساء لا تذكر.. ومعاناة النساء قليلا ما يشار إليها، فضلا عن مخاوفهن المرتبطة بصحتهن الإنجابية من كل جانب سواء كن حوامل أو في حالة مخاض أو حيض، أو كن فتيات يخشين على أنفسهن الاغتصاب الذي أصبح مؤسسة قائمة بذاتها ضمن مؤسسة الدعم السريع وامتدت كذلك في عدد من الشهادات إلى القوات المسلحة”. (من مقال بعنوان “أين السودان وأين كنداكاته؟” بقلم الأكاديمية السعودية هتون أجواد الفاسي).
وتقول منظمة يونيسف: “إنه “بعد 365 يومًا من النزاع، لا يزال أطفال السودان على حافة الهاوية من حرب مروعة. بدون عمل منسق عاجل وموارد إضافية، فإن البلاد تخاطر بكارثة أجيال سيكون لها آثار خطيرة على البلاد والمنطقة وما بعدها، وأضافت أنه “إذا لم يتم اتخاذ خطوات فورية لوقف العنف وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوفير المساعدات المنقذة للحياة للمحتاجين، فمن المرجح أن تؤثر كارثة أسوأ على الأطفال لسنوات عديدة قادمة”.
وقد كانت النساء الاكثر تضررا من هذه الحرب، إذ حملن أطفالهن وهربن الى حيث الأمان، لكنهن واجهن الجوع والمرض والتشرد في ظل عدم وجود حكومة حقيقية تعمل على رعايتهن، وفشلت سلطة الأمر الواقع التي تدير البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021 في توفير مأوى يليق بكرامة الانسان.
ضعف التدخلات الحساسة
وتقول وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، إن الوضع في الولايات التي لجأ اليها اكثر من ثلاثة ملايين شخص في النزوح الداخلي الاعلى معدلا، بحسب اطار مصفوفة التدخلات الانسانية متعددة التخصصات؛ يوضح أن النازحين واللاجئين لازالوا موجودين في الطبقة الاولى من الهرم، أي انهم لازالوا في الحوجة الماسة للاحتياجات الاساسية والأمن والسلامة، وقد صممت هذه المصفوفة لتقدم المساعدات الانسانية بمنهج حقوقي لا يضر بالانسان قائم على عدم التمييز، والمساواة واشراك المجتمع يراعي الاختلافات النوعية يعزز الصحة العقلية ويدعم الصحة النفسية.
واشارت الوحدة في تصريح سابق، الى ان دور الايواء المؤقتة او ما يعرف بـ(gathering point) هي بالاصل مدارس او داخليات سكن طلبة الجامعات كبنية تحتية هي غير مهيأة وغير مطابقة لمعايير السلامة المعروفة لحماية الاطفال اليافعين او النساء والفتيات، ويزداد وضعها سوءا مع التغييرات البيئية.
ونوهت الى ان المساعدات الاساسية فيما يخص الغذاء مياه الشرب، كانت ولا زالت قائمة على المجهودات الشعبية ولجان الطوارئ، وتظل المساعدات الانسانية غير ثابتة الامداد ولا تشرك المجتمع المتأثر ليكون جزءا من اتخاذ القرار بشأنها. وضعف التدخلات الحساسة لاوضاع النساء والفتيات في معظم المناطق.
وكانت وحدة مكافحة العنف، قالت في بيان بشأن حملة الـ 16 يومًا لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في نوفمبر الماضي، إن النساء والفتيات في السودان في هذه الفترة العصيبة يدفعن الفواتير الباهظة للحرب، ويتحملن مسؤوليات صناعة السلام وبناء المجتمعات، مع أعباء اجتماعية واقتصادية كبيرة في ظل حاجتهن الشديدة إلى مساحات آمنة غير متوافرة حتى اللحظة، وعدم إيفاء الدولة والمجتمع الدولي بأبسط التزاماتهما تجاه احتياجاتهن المتزايدة مع الحرب.
ومع ما تعرض له النساء والفتيات في السودان خلال الحرب من انتهاكات جسيمة –لا سيما الجنسية– زادت الحاجة إلى تعزيز آليات الحماية وآليات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في أنحاء البلاد، فضلًا عن توفير احتياجات النساء والفتيات الأساسية وصون كرامتهن.
وتضيف الوحدة أن أولويتها هي إبراز الاحتياجات الأساسية للنساء والفتيات في السودان ولا سيما النازحات، والنساء والفتيات في معسكرات اللجوء في شتى البقاع ولا سيما منطقة “أدري” الحدودية مع تشاد. وأضافت: “وفي حين تتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر في الحرب الدائرة في البلاد، تؤكد الوحدة قدرتهن على صنع السلام والاستقرار”.
سوء التغذية الحاد
وفيما يخص الاطفال تقول منظمة يونيسف، إنه بعد مرور عام على اندلاع أعمال العنف في السودان، ومع استمرار تفاقم الأزمة التي تلت ذلك، أصبحت حياة جيل من الأطفال السودانيين وتعليمهم ومستقبلهم على المحك.
علاوة عن التأثير المباشر للعنف على الأطفال، فقد غذت الحرب المستمرة مزيجاً مميتاً من النزوح وتفشي الأمراض والجوع. ومن المتوقع أن يعاني حوالي 4 ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، بما في ذلك 730 ألف طفل من المتوقع أن يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد الذي يهدد حياتهم. ويعاني السودان الآن من واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية في العالم، حيث لا يتمكن أكثر من 90 بالمائة من الأطفال في سن المدرسة البالغ عددهم 19 مليون طفل في البلاد من الوصول إلى التعليم الرسمي. سيؤدي التعطيل المستمر للتعليم إلى أزمة أجيال في السودان.
“إن هذه الحرب الضارية والمجاعة المحتملة تخلق بيئة مشؤومة لخسارة كارثية في أرواح الأطفال،” قال نائب المدير التنفيذي لليونيسف، تيد شيبان. “حوالي نصف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، حيث يدور قتال مستمر، مما يجعل ظروفهم أكثر خطورة. كل هذا يمكن تجنبه، ويمكننا إنقاذ الأرواح إذا سمحت لنا جميع أطراف النزاع بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة والوفاء بمهمتنا الإنسانية – دون تسييس المساعدات.”
ويضيف ان الجوع وسوء التغذية يجعلان الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالمرض والموت. ومع الانخفاض الكبير في تغطية اللقاحات بسبب القتال، وافتقار مئات الآلاف من الأطفال إلى إمكانية الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، ووجود مشكلات كبيرة في الوصول إليها بسبب أعمال العنف، فإن تفشي الأمراض المستمرة مثل الكوليرا والحصبة والملاريا وحمى الضنك يهدد حياة مئات آلاف الأطفال. وتعد الزيادات الحادة في معدل الوفيات، وخاصة بين الأطفال النازحين داخليا، بمثابة تحذير مسبق من احتمال وقوع خسائر فادحة في الأرواح، مع دخول البلاد موسم الجفاف السنوي.
قتل وتشويه وعنف جنسي
واشارت يونيسف الى ان ضمان الوصول بشكل مستدام ويمكن التنبؤ به إلى السكان الأكثر هشاشة أمر بالغ الأهمية لمنع الجوع والمجاعة الكارثيين. وفي الوقت نفسه، أصبحت الأنظمة الأساسية والخدمات الاجتماعية في السودان على وشك الانهيار، مع عدم حصول العاملين في الخطوط الأمامية على رواتبهم لمدة عام، واستنفاد الإمدادات الحيوية، واستمرار تعرض البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، للهجوم. إن حصول الأطفال والأسر على الرعاية الصحية والتغذية والمياه والصرف الصحي معلق بخيط رفيع، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
وحسب المنظمة أدت الأعمال العدائية المستمرة إلى زيادة بمقدار خمسة أضعاف في بلاغات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل من عام 2022 إلى عام 2023، وخاصة تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة، والقتل والتشويه والعنف الجنسي ضد الأطفال. شهد عام 2023 أكبر عدد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل التي تم التحقق منها في السودان منذ أكثر من عقد. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من تلك المبلغ عنها نظرا للصعوبات الشديدة في التحقق من الانتهاكات بسبب مشاكل الوصول.
ظروف إنسانية حرجة
وقالت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الافريقي (شبكة صيحة) في بيان فبراير الماضي، إن انقطاع الاتصالات الذي حدث في مناطق واسعة من البلاد هو شكل جديد من أشكال العنف الذي يواجه النساء السودانيات داخل السودان، حيث يتوقع أن يؤدي انقطاع الاتصالات إلى زيادة وتيرة العنف من قبل طرفي النزاع نسبه لغياب التوثيق والرصد للتحركات العسكرية على الأرض، وتنامي جرائم العنف الجنسي واختطاف النساء.
وأوضحت صيحة أنه منذ بداية الحرب تعيش الآلاف النساء الحوامل في ظروف إنسانية وصحية حرجة، خاصةً مع خروج معظم المرافق الصحية عن الخدمة، وأصبحن يعتمدن بشكل أساسي على مساعدة القابلات الصحيات، ويتوقع أن تصبح عمليات الولادة أكثر صعوبةً، وأن تزداد معدلات وفيات الأمهات والمواليد نسبةً لانقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول إلى الكوادر الصحية عبر الهاتف مع صعوبة الحركة، خاصةً في مناطق حظر التجوال في الفترة المسائية. وتعتمد كثير من النساء العالقات في مناطق النزاعات اقتصاديًا على الأموال والتحويلات القادمة من خارج البلاد عبر التطبيقات البنكية والتي تعتمد بشكل أساسي على الاتصال بخدمة الانترنت.
وكان المتحدث باسم حكومة الأمر الواقع في السودان جراهام عبد القادر، أقر بأن عدد النازحين في البلاد بلغ أكثر من 11 مليون شخصا، وقال في تصريحات فبراير الماضي إن “أكثر النازحين من النساء والأطفال، حيث بلغ عدد النساء 4 ملايين امرأة نازحة، بينما بلغ عدد الأطفال النازحين 3 ملايين”.
حرب ضد أجساد النساء
بدوره يقول صندوق الأمم المتحدة للسكان، إن الحرب تسببت بواحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، حيث تواجه أكثر من 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع سوء تغذية يهدد صحتهن وحياتهن وحياة أطفالهن. ويعتبر إقليم دارفور والخرطوم وكردفان، وهي أكثر المناطق تأثراً من النزاع، يتهدد الموت بسبب المجاعة أكثر من 7000 أم حديثة الولادة في الأسابيع القادمة إذا لم يتمكن من الوصول للمساعدات الطارئة.
وأضاف الصندوق انه لم يعر المسلحون أي احترام للنفس البشرية ويشنون حرباً ضد أجساد النساء والفتيات ويرتكبون بحقهن فظائع العنف الجنسي. وحين تكون النساء بأمس الحاجة لخدمات الصحة والحماية، تكون هذه الخدمات غير موجودة في المناطق المتأثرة من الصراع.
وأكد أن النساء والفتيات في السودان تعانين نقصاً حاداً في الغذاء بسبب الحرب الدائرة، ويعشن الرعب من التعرض للعنف الجنسي ناهيك عن الخوف وعدم اليقين. “لقد ولد هذا الخوف أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، إذ أن أكثر من 6.6 مليون شخص نزحوا داخل السودان فيما لجأ أكثر من مليوني شخص إلى دول مجاورة”.
وشدد الصندوق على ضرورة أن تنتهي معاناة الشعب السوداني وخاصة النساء الحوامل والأمهات اللاتي هن بحاجة للمساعدة الطارئة الآن. وأكد أنه يجب محاسبة المسؤولين عن فإن السلام هو أكثر ما تحتاج إليه النساء والفتيات”. الاعتداءات الجنسية على جرائمهم ضد النساء والفتيات وأن تأخذ العدالة مجراها. وتابع: “لقد عانت نساء وفتيات السودان الكثير.. ولوضع حد لهذه المأساة، فإن السلام هو أكثر ما تحتاج إليه النساء والفتيات”.