الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسة

“خط.ـاب الكـ.ـراهية”.. السودان في مواجهة التعصب والتحريض

تقرير: مدنية نيوز
منذ اندلاع الحرب بين الجيش ومليشيات الدعم السريع في السودان 15 أبريل العام الماضي، انقسمت القوى السياسية والقبائل والمجتمعات والمواطنون العاديون بين مؤيد للحرب ورافض لها وداعم لأحد طرفيها أو ناقم عليه، وبعد استعانة طرفي الصراع العسكري بمكونات بعينها وتزايد الاستقطاب لأجل الحرب ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي خطابات تحمل الكراهية من جهات نحو جهات أخرى، وتزايدت ظواهر التحريض على العنف والتشكيك في هويات إثنيات ومجتمعات بعينها، الأمر الذي دعا حقوقيين وصحفيين وناشطين اجتماعيين الى الدعوة لتدخل واضح لوقف خطاب الكراهية والتصدي له حفاظاً على المجتمع السوداني الذي مزقته الحرب.

السلم الاجتماعي
وحسب الأمم المتحدة وباللغة العامة، يشير “خطاب الكراهية” إلى الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردًا بناءً على خصائص متأصلة (مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي) والتي قد تهدد السلم الاجتماعي. ولا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. لا يزال هذا المفهوم محل نزاع واسع، لا سيما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة.
وتقول الأمم المتحدة إنه لتوفير إطار عمل موحد لها لمعالجة القضية على الصعيد العالمي، تُعرِّف استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية خطاب الكراهية بأنه … ” أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”.

وفي يوليو 2021، سلطت الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على المخاوف العالمية بشأن “الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية وانتشاره” في جميع أنحاء العالم، واعتمدت قرارًا بشأن “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية”.
ويقر القرار بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية ويدعو جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول، إلى زيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. وأعلن القرار يوم 18 يونيو يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية، والذي تم الاحتفال به لأول مرة في عام 2022.
وتقول الأمم المتحدة إنه على عكس الوسائط التقليدية، يمكن إنشاء خطاب الكراهية عبر الإنترنت ومشاركته بسهولة وبتكلفة منخفضة وبدون الكشف عن الهوية. لديها القدرة على الوصول إلى جمهور عالمي ومتنوع في الوقت الحقيقي. كما أن الدوام النسبي للمحتويات المحرضة على الكراهية على الإنترنت تمثل مشكلة أيضًا، حيث يمكن أن تعاود الظهور و (تعيد) اكتساب الشعبية بمرور الوقت.
وتشير الى أن خطاب الكراهية يمس “العوامل المحددة للهوية” الحقيقية والمتصورة لفرد أو مجموعة، بما في ذلك: “الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو نوع الجنس”، ولكن أيضًا خصائص مثل اللغة، أو الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية، أو الإعاقة، أو الحالة الصحية، أو التوجه الجنسي، من بين أشياء أخرى كثيرة.

نحن واحد
وتضيف: “خطاب الكراهية “تمييزي” (متحيز، متعصب، غير متسامح) أو “ازدرائي” (احتقاري، مهين، مذل) لفرد أو مجموعة”. منوهة الى انه يمكن نقل خطاب الكراهية من خلال أي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك الصور والرسوم المتحركة والميمات والأشياء والإيماءات والرموز ويمكن نشرها عبر الإنترنت أو خارجها.
وأطلق مثقفون وحقوقيون في السودان حملة للتصدي لخطاب الكراهية تحمل اسم (نحن واحد)، ونفذوا العديد من الفعاليات والورش وحملات التوعية للتصدي لخطاب الكراهية، وتقول الحملة على صفحتها بموقع فيسبوك إن الكراهية وخطابها هي أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية. مبينة أن إيقاف خطاب الكراهية هو الخطوة الأولى في إيقاف الحرب.
وتشير الحملة إلى أن خطاب الكراهية الذي يمكن أن تبثه وسائل الإعلام أو أفراد داخل المجتمع هو عامل رئيسي في نشوء الصراع.
وفي هذا الصدد قال منسق حملة (نحن واحد) لمناهضة خطاب الكراهية، الأصمعي باشري لـ”مدنية نيوز” إنه في هذا الظرف الحرج من مراحل تاريخ الشعوب السودانيِّة؛ يلح: “علينا أن نبدأ بتدارك الحرب الأهلية الشاملة بالحد من خطاب الكراهية، لدرء أكثر المخاطر التي تهدد حياتنا في السودان”.
وأضاف أن خطاب الكراهية المتمدد مع الحرب هو آخر ما تحتاجه البلاد التي تعاني من حرب مستعرة بلا هوادة، وتابع: “هذا يلزمنا أن نعمل بجد، ونفسح مساحات واسعة للالتقاء مع كيانات اجتماعية لها نفس الأهداف، وكذلك شراكات إقليمية ودولية تولي محاربة خطاب الكراهية عنايتها الفائقة”.

حملات المناهضة
ويؤكد باشري أن واجب اللحظة هو السعي لمحاصرة خطاب الكراهية، لأن المجتمعات والدول المتقدمة، ما كانت ستحظى بالتقدم لولا أنّها وأدت هذا الخطاب، ومنعته من التداول والانتشار. وشدد على أنه يجب رفض نقد كل الصيغ التحريضيِّة في مجتمع هو في الأصل متعدد الثقافات، والأديان، والأعراق، ويتمتع بتعدد لم يغب أبدا عن ملامحه، كما يجب بعد توقف الحرب السعي معا إلى تعريف محدد ودال يساعد على وضع التشريعات المجرمة لهذا الخطاب الضار.
ونوه الى أهمية نقد هذا الخطاب وإزاحته، من سطوة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ توسع المجال العمومي بصورة لم يسبق لها مثيل. معتبرا أن أزمة المجتمعات السودانية تكمن في سوء استغلال وسائط التواصل الاجتماعي، والسعي خلف لفت انتباه المجال العام، لتحقيق شهرة، أو منفعة لحظية؛ يقع ضررها على مجتمع بأكمله، وربما ارتدت على صاحبها نفسه، واستغلالها ضمن مطلوبات السياسي والثقافي والاجتماعي.
وتابع: “عليه، كان لازما علينا كسودانيين وسودانيات ناشطون/ات في مجال حقوق الانسان، ان لا نقف موقف المتفرج، وبلادنا وشعبنا يرزحون في أتون حرب عبثيِّة عانى ويلاتها الكل، ما بين قتيل ومفقود، ومعاق، وجريح ونازج مشرد ولاجئ، لذلك وجب علينا التصدي لخطاب الكراهية بإطلاق حملات منظمة شاملة ومستمرة لمناهضته.

مآسي وإنتهاكات
ومن جانبه يقول المحامي والمدافع عن حقوق الانسان عثمان صالح، إن ما تشهده الساحة السودانية من مآسي وإنتهاكات وفظائع هي نتيجة لخطاب الكراهية المستشري هذه الأيام ومنذ فترة.
وأوضح صالح في مقال ضمن حملة مناهضة “خطاب الكراهية”: أن: “منظر جثامين بشر ملقاة على الشارع العام وتنهش فيها الكلاب وبعضها تحلل تماماً، وأحدهم وقد أثر فيه خطاب الكراهية لدرجة أنه يرسل رسائل إطمئنان للكلاب ويخاطبها بأن تواصل في نهش وأكل الجثث”.
وأضاف: “منظر مجموعة من العساكر وهم يبقرون بطن أحد الشباب ويعبثون بالأحشاء بصورة تنم عن الجهل والغل والكراهية، وبعضهم وفي حالة هستيرية يأكل لحم البشر وهم يكبرون ويهللون، غير آبهين للإنسانية أو الأخلاق أو الدين أو الأعراف”.
ويضيف صالح ثالثا: “بعض العساكر يقطعون رؤوس الشباب وبصورة أيضاً تعكس إنحدار الأخلاق والتصرفات يلوحون بها كأنها بالونة وليست رأس إنسان، ويتوعدون بإستمرار هذه الحماقات والتصرفات الوحشية”. ومنظر: “أحد العساكر وهو يركل الجثث الملقاة على الشارع ويدوس على الرؤوس بحذائه البوت بصورة تؤكد بصورة جازمة بأنه مجرد من الإنسانية والدين والأخلاق”.
واعتبر صالح أن كل هذه الأحداث تؤكد أن مفعول خطاب الكراهية مستشر بصورة كبيرة ومزعجة وسط الكثيرين، ولكن ولأن أبناء وبنات الشعب السوداني واعين ومدركين لخطورة خطاب الكراهية فإنهم استنكروا ورفضوا هذه الأفاعيل والتصرفات الحمقاء والجبانة ولم يبدوا أي قبول لهذه الأحداث المؤسفة.
وتابع: “علينا ألا ننجرف وراء من يقف خلف خطاب الكراهية تحت دعاوي العنصرية والقبلية والعرقية والإنتماءات الدينية والجهوية والمناطقية، فإن من يقف خلف خطاب الكراهية ويحرض عليه لهم أجندة لخلق الفوضى من أجل العودة للحكم من جديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *