الأمن الجيوسياسي للقرن الإفريقي (21)
بقلم: حسين سعد
في المحور الخامس والثلاثون توصلت دراسة (التنافس بين دول الخليج في القرن الافريقي تخفيف الاثر)نشرها موقع شبكة النبأ المعلوماتية توصلت إلى عدة نتائج من واقع الإشکالية الرئيسية والتي تم صياغتها لتحقيق أهداف الدراسة وهي: إلى أي مدى کان لديناميات القوى الفاعلة في منطقة القرن الأفريقي أثرها على الأمن الجيوسياسى للمنطقة؟، وکيف يمکن إعادة الصياغة الجيوسياسية لهذه المنطقة بما يحقق الأمن الجيوسياسي؟.
وخلاصة القول فإنه في ضوء ما تم استعراضه من واقع دراسة وتحليل “الأمن الجيوسياسى لمنطقة القرن الأفريقي وديناميات القوى الفاعلة، وصياغة الآفاق المستقبلية البديلة للمنافسة الجيوسياسية في القرن الأفريقي ما بعد جائحة “کورونا”، بدا واضحاً أهميـة وخطـورة أدوار “الفواعل الإقليمية والدولية” والتي أکدتها الأحداث خلال الدراسة، وتؤکـدها کافـة المؤشـرات والمعطيـات أن مجمـل المتغيـرات الراهنـة في منطقة القرن الأفريقي في ظل وجود الفواعل الإقليمية والدولية تتجـه نحـو تحفيـز الصـراع واستمـراره في المنطقة. ومن ثم فقد أضحت موازين القـوة وما يرتبـط بها من توازنـات دوليـة وإقليميـة، تمثـل أحـد العـوامل المهمـة لضرورة إعادة الصيـاغة الجيوسياسية للمنطقـة، وتوسيـع رقعـة الخارطـة الجيوبولتيکيـة أکثـر لتشمـل أغلـب دول شـرق أفريقيـا وإقليـم البحيـرات العظمـى، مؤکدة في ذلک على أن تطـور الأحـداث ومآلاتها المستقبليـة في المنطقـة، بات يعتمـد بشکـل أساسي على مدى تواجد الفواعل الإقليمية والدولية والتي أصبح دورها واضحاً في الفترة الأخيرة، من خلال استعراض نتائج الدراسة؛ حيث جاءت على النحو التالي:
في استعراض المحور الأول: الديناميات الأمنية والجيوسياسية في القرن الأفريقي؛ تم التوصل إلى النتائج التالية :
(أ)تمتع المنطقة بميزه تنافسية تؤکد الفرضية التي قامت عليها الدراسة، بأن الإقليم الذي تتواجد فيه الدولة يؤثر على حرکتها السياسية، وهو ذاته نفس المفهوم الذي انطلقت منه أهداف النظريات الجيوسياسية.، والتي ترى أن الإقليم الذي يؤثر في القوى العالمية بما ينطوى عليه من خصائص، ومزايا تطلعًا نحو السيطرة العالمية، يکون موضع استقطاب، وجذب للعديد من هذه القوى، والتي ليست بالضرورة أن تکون متواجدة في هذا الإقليم، کما أن هذا التواجد قد أثر على الأمن الجيوسياسى للمنطقة، وهذا ما يؤکده المشهد العام في العقود الأخيرة.
(ب) يأتي اهتمام العديد من القوى الإقليمية والدولية، إلى اعتبارات جيوبولوتيکية وإستراتيجية، تتمثل في کونها معبر وشريان رئيسي للتجارة الدولية، وکونها ممراً للتحرکات الأمنية لبعض القوى للمنطقة الکبرى المتجهة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
وفى المحور الثاني: القرن الأفريقي في الحسابات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، کانت النتائج کالتالي:
(أ) أن تحرکات القوى الفاعلة تجاه القرن الأفريقي؛ والتي تحققت تحت غطاء مکافحة الإرهاب کانت بهدف السيطرة على منابع النفط في المنطقة، وما يؤکد ذلک ويرسخه ويعطى مؤشراً عليه، اشتداد الصراع بين الولايات المتحدة والصين على النفط في دول “القرن الأفريقي”، ومواجهة الولايات المتحدة، تصاعد النفوذ الروسي، والصيني في القارة وعلى وجه الخصوص الصراع على موارد الطاقة، والتنافس الحادث بين الولايات المتحدة وفرنسا في منطقة الشرق، والغرب الأفريقي حالياً، والمناطق التي تقع في إطار نطاق مسؤولية “قوة المهام المشترکة” لمنطقة القرن الأفريقي، وهى (السودان، وأثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتى، والصومال، وکينيا، وجزر سيشيل).
(ب) أن التحرکات الخليجية بالمنطقة ترتبط بمبررات التنافس على الموقع الاستراتيجي والموارد وحماية المصالح الخليجية في المنطقة في ظل تحرکات الاستقطاب الخليجية- الإيرانية بالمنطقة.
وفى المحور الثالث: الهندسة الجيوسياسية والأفاق المستقبلية للقرن الأفريقي ما بعد أزمة کورونا، کانت النتائج کالتالي :
(أ) أن الجدل الذي يدور حول جائحة “کورونا” لا يتعلق بمجرد کونه خلاف سياسي أو علمي في کيفية التعاطي مع هذه الجائحة العالمية، بقدر ما يتعلق بالفلسفة العامة التي تقف خلف هذا النقاش الذي أغفل العديد من التوقعات المحتملة لهذا الوباء.
(ب) أن “القوى العظمى” الجديدة هي تلک الدول التي تستطيع أن تحقق مستويات فائقة من المرونة الحيوية أمام منافسيها، من خلال البنية المعلوماتية بالإضافة إلى التميز في مجال الذکاء الاصطناعي، وتکون هي التي تستطيع أن تهيمن على المنافسة الجديدة.
(ج) أن العامل الأکثر إثارة الذي ساهم في عدم الاستقرار العالمي الجديد هو الأزمة التي أحدثها فيروس “کورونا”.
(د) قد تؤدى الضغوط الشديدة على النظام الاجتماعي إلى إجراءات شديدة المرکزية والتقييد.
(خ) أن الدول التي لديها القدرة على الاحتفاظ بالبيانات، والمعلومات، وتحليلها وتحديد حجم التحديات أن تحدد وتتوقع شدة الوباء دون التنبؤ بطفرة تطوره.
وحول توصيات الدراسة في ضوء النتائج والآفاق المستقبلية:
1-من الناحية البنيوية:
(أ) توسيع نطاق دول منطقة القرن الأفريقي لتشمل دولاً أخرى في القارة، وتفعيل دور الاتحاد الأفريقي في تنقية الأجواء في منطقة القرن الأفريقي، والعمل على إنهاء الخلافات.
(ب) النظر في تکوين “هيئة إقليمية لدول القرن الأفريقي” تکون معنية بإدارة الموارد الطبيعية للدول، وإنشاء “منطقة إقليمية لوجستية”، والاستفادة من الخبرات المصرية في هذا الشأن، للاستفادة من الموقع اللوجستى والجيوبولوتيکى لدول المنطقة، وإقامة تجمع اقتصادي عربي أفريقي يضم دول المنطقة والدول العربية، ويتخذ من الاقتصاد الأزرق أساساً ومنطلقاً، في إطار برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030م، وبرنامج الاتحاد الأفريقي 2063 للتنمية.
2-من الناحية القيمية:
(أ) التغلب على نزاعات الهوية من خلال تدعيم مفهوم الديمقراطية التوافقية، وإتاحة الفرصة للمشارکة السياسية الحقيقية.
(ب) التغلب على بؤر التوتر والانقسامات، من خلال النظر في صياغة مبادرة تتضمن رؤية لنظام “إقليمي أمنى لدول منطقة القرن الأفريقي” تُراعَى فيه علاقات دول منطقة القرن الأفريقي يبعضها البعض، ومع دول الجوار على نحوٍ يتم بموجبه إنهاء حالة العداء، والتوجه نحو ترسيخ العلاقات على أسس من علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية والأمن المشترک.
(ج) دفع کل من الأنظمة الليبرالية والشمولية على حد سواء نحو إجراءات شديدة المرکزية والتقييد، أي إعادة دور الدولة.
(د) الدعوة إلى العمل الجاد نحو تغيير الأطر السياسية والاجتماعية والفکرية وتفعيل مفاهيم الحکم الرشيد والتنمية المستدامة من واقع الايکولوجيا السياسية الخاصة بکل نظام. (يتبع)