الثلاثاء, أكتوبر 15, 2024
مقالات

إصلاح قطاع الطب العدلي والعدالة في السودان

بقلم: محمد بدوي

في البدء لابد من الإشادة بالتعميم الصحفي للجنة التحقيق في إختفاء الأشخاص الصادر ١٩سبتمبر ٢٠٢٢، والذي جاء على خلفية إدراج اللجنة كعضو مراقب في لجنة دفن الجثث بالمشارح في نطاق ولاية الخرطوم، والذي كشف عن موقف لجنة التحقيق من اللجنة، وما ذهب إليه من التعارض بين تفويضها ولجنة دفن الجثامين، إضافة إلى حجتها القانونية القوية التي ساقتها في تكوين اللجنة التي يواجه عدد من اعضاءها إجراءات قانونية امام اللجنة على علاقة بذات الجثامين التي يهدف تشكيل اللجنة إلى تفريغ المشارح منها، من ناحية تانية تأثير الدفن على مسار عمل اللجنة وتحقيق العدالة، إضافة إلى أسانيد للدفن لعدد من الجثامين دون استيفاء إجراءات التعرف، على خلفية قرار صدر من النائب العام المكلف السابق مولانا مبارك، والتحديات التي ظهرت متمثلة أن الازمة ليست في تحديد برتوكول الدفن بل الجهات والكيفية التي تتعامل مع تطبيق البرتوكول، ذهب التعميم إلى التحديات التي واجهتها من عدم التعاون، والعقبات التي أعاقت فريق الأنثروبولوجي والطب الشرعي الارجنتيني من انهاء مهامه أثناء زيارته للسودان لمعاونة تقنية للجنة التحقيق، وثم القرارات التي صدرت بتكليف جهات آخرى بأعمال من صميم اختصاص لجنة التحقيق، ثم افاضت اللجنة حول موقفها الداعم لدفن الجثامين لكن باستيفاء الطرق العلمية التي تساعد على حفظ كرامة الجثث وحقوق أسرهم في التعرف ومساندة تفويض اللجنة، بما يفضي إلى تحقيق يساهم في تعزيز تحقيق اهدافها المرتبطة بالعدالة، إحاطة اللجنة بأن الجانب الفني المرتبط بالطب الشرعي يجدر أن يتكامل بالآخر القانوني لتكتمل عملية إفراغ المشارح بولاية الخرطوم بمنهج وطريقة لا تبرر المصلحة العامة مقابل إهدار الحقوق والعدالة، ولا سيما أن هنالك إقرارات قضائية مرتبطة بانتهاكات التعامل غير القانوني في الأعضاء البشرية لبعض الجثث مجهولة الهوية المتواجدة داخل مشارح ولاية الخرطوم، يمكن تلخيص التعميم في.
لجنة دفن الجثث تشكل إعاقة لعمل لجنة التحقيق، في صيغة ينتج عنها انعدام سبل الوصول إلى العدالة، وهو بعض الدفع الذي اعتمد عليه مجلس الأمن الدولي في إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، والمتمثل في أن النظام القانوني غير راغب وغير قادر في تحقيق العدالة، مع الإختلاف بأن عنصر الرغبة هنا متوفر لدى لجنة التحقيق التي أنجزت الكثير وعملت على حل عنصر عدم القدرة بالإستعانة بالفريق الأرجنتيني، إذن جهود تذليل عنصري الرغبة والقدرة تواجه عقبات لكن تعتريه عقبات بما قد تجد سندا للوقوع تحت توصيف “إعاقة النظام الوطني في جهد تحقيق العدالة”.
التعميم الصحفي للجنة التحقيق في احترافيته استطاع ان ينهض مستند رسمي صادر من لجنة تتمتع بصلاحيات تحت قانون الإجراءات الجنائية السوداني ١٩٩١. وقانون النائب العام ٢٠١٧، إضافة إلى كونه حمل قوة قانونية كشفت لكافة الأطراف بما في ذلك الجهة التي شكلت لجنة الدفن واعضاءها عن النتيجة الراجحة للدفن، وإعاقة تحقيق العدالة في قضايا اختفاء الأشخاص في حادثة ٣ يونيو ٢٠١٩ “الاعتداء على اعتصام القيادة السلمي” والحالات اللاحقة عقب ذلك، وتعارض عمل لجنة الدفن مع اختصاص اللجنة في تفصيل استند على وقائع كشفت إلى جانب ذلك عن ادعاءات بانتهاكات أخرى تعطل التحقيق في بعضها لأسباب لم يكشف عنها، وهذا يقود مرة ثانية إلى سؤال النزاهة والاستقلالية.
ما كشفه تقرير الفريق الطبي الارجنتيني المشار إليه في التعميم عن تقييم قطاع الطب العدلي السوداني يحمل قوة قانونية ايضا، لكونه صدر من فريق دولي محترف زار السودان بناء على طلب رسمي عبر السلطات لذات الغرض.
ما اشرنا اليه اعلاه وفي حال بدء لجنة الدفن أية انشطة فإنه يعطي لجنة التحقيق الحق في ممارسة سلطاتها والتحري مع الجهات المشاركة او التي على صلة على سند قانوني يدفع بالمسؤولية الجنائية والمدنية معا، سواء من أصحاب المصلحة المباشرة والمصلحة العامة، لكن رغم ذلك قد تبقى تعقيدات تاريخية مرتبطة بحرمان أسر وذوي المفقودين التعرف عليهم، أو اعاقة التعرف على مصيرهم لأي سبب الراجح منها ما يتعلق بسؤال البرتكولات المشار اليه (من وكيف)؟
ساندت عدة جهات مدنية بما شمل نقابة الصحفيين السودانيين ما حمله التعميم، ولا سيما أن لجنة الدفن حددت بدء عملها اليوم ٢٥ اغسطس ٢٠٢٢ لبدء عملها فإن سارت في الامر سيمثل هذا التاريخ بدء دخول قضية الإختفاء القسري وإدعاءات التعامل في الأعضاء البشرية مرحلة مختلفة إنسانيا وقانونيا.
اخيرا: إصلاح قطاع العدل الطبي سينعكس على تحقيق العدالة الذي يمثل احد الأجندة المهمة في مسار التغيير، وهنا يثور سؤال عن الاثر الإيجابي لو هيأ الحال للفريق الطبي الأرجنتيني لاكمال مهمته في يوليو ٢٠٢١؟ الاجابة في أحد جوانبها أنه من الراجح أن يعين نتاج ذلك الكثير من لجان التحقيقات في إكمال أعمالها، فعلى سبيل المثال لا الحصر ها هو رئيس لجنة التحقيق في قضية إعدام الـ(٢٨) ضابطا في ١٩٩١ أصدر في ١٤ سبتمبر ٢٠٢٢ امرا بإطلاق سراح مشروط للمتهمين بعد أن واجه رفض القاضي تجديد حبسهم لتطاوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *