انهيار المنظومة الصحية في السودان.. ملايين الأرواح في مواجهة الأوبئة والموت البطيء
كارثة إنسانية وصحية غير مسبوقة.. المستشفيات خارج الخدمة وسوء التغذية يحصد الأرواح
تقرير: عائشة السمانى
يواجه السودان واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية والصحية في تاريخه الحديث، إذ قادت الحرب الدائرة منذ 15 أبريل إلى انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية، تاركة ملايين المواطنين في مواجهة الموت دون علاج، وسط تفشي الأوبئة، انعدام الأدوية، ونزوح الكوادر الطبية .حيث اوردت وازرة الصحه السودانية في تقرير صادر عنها خروج 70% من المستشفيات والمراكز الصحية في ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان، بالإضافة إلى الجزيرة وسنار وبعض أجزاء النيل الأزرق والنيل الأبيض عن الخدمة، وقالت انه تم تعطيل أكثر من 250 مستشفى في القطاعين العام والخاص.
وبينت الصحة ان القتال الدائر أدى إلى خروج أكثر من 60% من الصيدليات والمخازن عن الخدمة، إما بالنهب أو التلف.
وابان التقرير انه بسبب انقطاع خدمات صحة البيئة، تفشت الأمراض والأوبئة وازدادت حالات الإصابة بأمراض مثل الملاريا، الكوليرا وحمى الضنك، وفقا للتقرير.
كما أدت تداعيات الوضع الإنساني في البلاد إلى تدهور الوضع التغذوي، ما تسبّب في انتشار حالات سوء التغذية الحاد ووخاصة بين الأطفال دون سن الخامسة.
واضافة التقرير انه قد بلغ إجمالي خسائر قطاع الصحة في السودان نحو 11.04 مليار دولار أمريكي، وتشمل المباني، الأجهزة والمعدات الطبية، الأثاث الطبي، سيارات الإسعاف والمتحركات والأدوية
وجع الأمهات
في إحدى قرى ولاية الجزيرة، التي كانت حتى وقت قريب تضم عدداً من المستشفيات، روت لنا شقيقة فاطمة (اسم مستعار) حكاية موجعة. تقول إن فاطمة بدأت تشعر بآلام الولادة، لكن لم يكن في القرية أي مركز صحي أو قابلة مؤهلة. اضطرت إلى الولادة في المنزل، وبعدها أصيبت بنزيف حاد.
لم يكن أمام الأسرة سوى نقلها على عربة “الكار”، في رحلة شاقة استغرقت نحو 12 ساعة حتى وصلت إلى أقرب مركز صحي. لكن فاطمة، عند وصولها، كانت قد فارقت الحياة.مأساة فاطمة ليست حالة فردية، بل تتكرر عشرات المرات في مناطق مختلفة من السودان، من دارفور إلى الخرطوم، حيث تفتقر النساء إلى الرعاية الصحية الأساسية، وتدفع الأمهات حياتهن ثمناً لانهيار النظام الصحي في ظل الحرب.
تفشّي أمراض مميتة
قالت اخصائية الباطنية والاوبئة وعضو اللجنة التمهدية لنقابة اطباء السودان اديبة ابراهيم السيد قالت ان البيانات الطبية سجلت مئات الإصابات بمرض السحائي في شرق السودان، الشمالية، أمدرمان، والجزيرة، أسفرت عن عشرات الوفيات. كما شهدت البلاد انتشارًا كارثيًا للملاريا، حيث وصلت الإصابات إلى نحو 1847الف حالة، فيما تجاوزت الوفيات 321 ألف حالة.نجد هنالك اكثر من٦٩٨ الف مريض كلي لا يجدون الغسيل او الادويه وملايين من مرضي الامراض المزمنه مثل الضغط والسكري يعانون من شح اديتهم وانعدام الأنسولين وأدوية الغسيل
وكشفت أديبة عن تسجيل 890 حالة إصابة مؤكدة بحمى الضنك في الخرطوم وأم درمان، إلى جانب انتشار الملاريا بمختلف أنواعها على نطاق السودان، مما أدى إلى وقوع وفيات عديدة. وأضافت أن حالات كثيرة من حمى الشيكونغونيا ظهرت كذلك في البلاد واشارة اديبة الى انتشار الامراض مثل الكوليرا التي حصدت اكثر من٣١٦ الف حصد اكثر
أما في ولاية الجزيرة، فأشارت اديبة إلى ظهور حميات مجهولة الهوية في منطقة أبو عشر والقرى المجاورة بمحلية الحصاحيصا (على بعد 100 كيلومتر تقريباً من الخرطوم)، حيث يفقد المصابون حياتهم خلال يوم أو يومين فقط. وقالت إن الوفيات اليومية تتراوح بين 5 إلى 6 أشخاص، موضحة أن الأطباء نفوا أن تكون هذه الحالات مرتبطة بحمى الضنك بعد الفحوصات الطبية.
ولفتت إلى أن المنطقة تعاني أيضاً من انقطاع الكهرباء ومشكلات في المياه، إلى جانب تسربات من شبكات المياه المكسورة، ما يرجح أن يكون عاملاً في تلوث مياه الشرب. وأكدت أن الأهالي رفعوا استدعاء لوالي الجزيرة لمخاطبة السلطات الرسمية بهذا الوضع، في انتظار صدور بيان توضيحي من الجهات الصحية المختصة.
واضافة ان السودان يعانى من ايضا انتشار كل أنواع الحميات ، ، وأمراض الطفولة تنتشر على نطاق واسع، بينما يفاقم انقطاع الكهرباء، تلوث المياه، وتكدّس النفايات من معدلات العدوى، خصوصًا في مناطق النزوح والمخيمات.
ومن جانبها حذرت وزارة الصحة السودانية ومنظمة الصحة العالمية من تفشّي أمراض خطيرة بينها الكوليرا (أكثر من 316 ألف إصابة)، حمى الضنك (نحو 576 ألف إصابة)، إضافة إلى الملاريا والسل وسوء التغذية.
وفى ذات السياق قالت منظمة الصحة العالمية إن الوضع الإنساني اصبح معقد تفاقم بسبب الهجمات على المرافق الصحية، لا يزال يعيق التدخلات الصحية الحيوية، بما في ذلك الاستجابة للكوليرا والحصبة وسوء التغذية.
وأفادت المنظمة بتسجيل ما يقرب من 60 ألف حالة إصابة بالكوليرا في السودان، مما أسفر عن أكثر من 1640 حالة وفاة، .
وأضافت المنظمة أن الملاريا والتهابات الجهاز التنفسي الحادة وسوء التغذية والإسهال المائي الحاد لا تزال أكثر الحالات الصحية شيوعا
نساء وأطفال على حافة الخطر
واوضح اديبة النساء يتحملن العبء الأكبر للأزمة. تشير تقديرات إلى أن أكثر من مليون امرأة حامل محرومات من الرعاية قبل وأثناء الولادة، في وقت ارتفعت فيه معدلات الولادات غير الآمنة، النزيف، والوفيات أثناء الوضع.
وسوء التغذيه للنساء الحوامل والمرضعات. هنالك ١٧٦ الف امرأة حامل يعاننا من سوي التغذيه وكذلك ٨٥٠ الف مرضعه. ٤٥ الف طفل ماتو من سوي التغذيه من بداية الحرب والي الان وفايات في الوضوع٦٨٠ الف امرأه حامل وأكثر وايضا في حصار جنوب كردفان هنالك اكثرمن ٥٤ الف امرأه يعيننا من سوء التغذيه ومرض السل
وفي ذات المنحى أكد وزير الصحة السوداني أن معدل وفيات الأمهات ارتفع إلى 295 وفاة لكل 100 ألف ولادة، فيما بلغت وفيات الأطفال 51 وفاة لكل ألف مولود، محذّرًا من “انهيار كامل للنظام الصحي إذا لم يتم التدخل العاجل”.
وفي ذات السياق أفادت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات محلية عاملة في السودان بأن أكثر من مليون امرأة حامل محرومات من الرعاية الصحية قبل وأثناء الولادة، فيما خرجت نحو 90% من المستشفيات عن الخدمة، وأعلنت عشرات المنظمات الإنسانية تعليق عملياتها في عدد من المناطق المتضررة.
ومن جانبها كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن تسجيل نسب صادمة من وفيات الأمهات وحديثي الولادة في جنوب دارفور، موضحة توثيق 46 وفاة للأمهات و48 وفاة لحديثي الولادة خلال أشهر قليلة، معظمها بسبب الإنتان ونقص الرعاية.
في مواجهة الانهيار، شكّل أطباء داخل وخارج السودان “غرفة طوارئ 15 أبريل” لتقديم الإسعافات وإنقاذ الأرواح، لكن غياب الممرات الإنسانية وانعدام الدعم الكافي حدّا من قدرتها على الاستجابة أمام حجم الكارثة
نداءات استغاثة
طالبت غرفة الطوارئ الصحية (التي أنشأها أطباء داخل وخارج السودان) ومنظمات المجتمع المدني السوداني بفتح ممرات إنسانية آمنة، توفير الأدوية الأساسية، دعم خدمات الأمومة والطفولة، حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، وإنشاء مراكز أمومة وطفولة بديلة في مناطق النزوح، مع تنسيق وطني ودولي لإنهاء الحرب واستعادة الخدمات الصحية.
تطالب الجهات الطبية المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، بالتدخل العاجل، توفير الأدوية، دعم مراكز الغسيل، تأمين رعاية الأمومة والطفولة، وتطهير بيئات النزوح من مصادر العدوى، محذرة من أن استمرار الحرب سيدفع بكارثة إنسانية أوسع قد تودي بحياة الآلاف في الأشهر المقبلة.

