الأحد, نوفمبر 2, 2025
Uncategorisedتقاريرسياسة

الفاشر… المدينة التي تصحو على الرصاص والدخان وتنام على الخوف

نيروبي: مدنية نيوز

ما تزال فاشر السلطان واقفة كجسدٍ مثخن بالجراح، تئنُّ تحت ركام الحرب، وتغالب أنفاسها الأخيرة وسط صمتٍ دولي ثقيلٍ كالغبار الذي يملأ سماءها كل صباح، لم تعد المدينة تُشبه نفسها. الشوارع التي كانت تموج بالحياة، غدت مسرحًا لخرابٍ طويلٍ لا ينتهي، تُسمع فيها أصوات الرصاص أكثر من أصوات الأطفال، وتعيش فاشر السلطان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ السودان الحديث، حيث تتصاعد الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، في ظل غياب شبه كامل للحماية الدولية أو حتى الإقليمية، وسط واقعٍ إنسانيٍ متدهور بلغ حدّ الكارثة.

إنتهاكات مروعة:

ويوم الجمعة الموافق 31 اكتوبر 2025م عقد عدد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان والمتطوعين في غرف الطؤاري مؤتمرا صحفيا عبر تطبيق “الزووم” لتدشين مجموعة مناصرة دارفور، بدعمٍ من المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الافريقي شبكة (صيحة) وكتب في ديباجة المؤتمر الصحفي: “لا يمكننا أن نصمت بينما تجري أمام أعيننا جريمة إبادة جماعية، الكارثة الإنسانية التي تمزّق السودان، وخصوصًا إقليم دارفور، تستدعي تحرّكًا جماعيًا عاجلًا”، وكشف المتحدثون عن تقرير لهم خاص بالوضع الراهن بالفاشر، ويسعى التقرير إلى إبراز أصوات من يعيشون وسط جرائم الإبادة الجماعية في شمال دارفور، ورصد واقعٍ مأساويٍّ يزداد قتامةً يومًا تلو الآخر، وترأست المؤتمر الصحفي الاستاذة هالة الكارب المديرة الاقليمية لشبكة (صيحة) حيت قدمت الاستاذة إخلاص أحمد: وهي مدافعة عن حقوق النساء ومسؤولة مشاريع في شبكة صيحة، تقود مبادرات الحماية والتمكين للنساء والفتيات في دارفور قالت “لدينا شهادات موثقة من قبل شهود وناجيات وصفن الوضع الامني والانساني بالكارثي قتل واعتقال على أساس العرق واللون والهوية”، وأوضحت لديهم اهل وصديقات وزميلات دراسة تم قتلهم وبعضهم لا نعرف أين هم  وعبرت إخلاص بحسرة لقد تحولت الفاشر التي كانت مدينة للحب إلي رمزاً للجوع والمرض والمعاناة ، الناس يعيشون في رعبٍ دائم، لا يعرفون من أين يأتي الخطر، من رصاصة طائشة أم من مداهمةٍ ليلية، أو من نقطة تفتيش تطلب منك دفع ثمن حريتك ما حدث بالفاشر تكرر من قبل 20 سنة سابقة، المدنيين الهاربين من الفاشر قتلوا في الطريق الي مدينة طويلة وبعضهم تعرض للقتل والتعذيب والاعتقال، ومطالبة أسرهم بسداد فدية مالية تصل الي مبلغ 5 مليون جنيه حتي وصف الطريق الي طويلة بطريق الموت، وكذلك قتل للمرضي بالمستشفيات ودفعت اخلاص بتوصيات تمثلت في حظر دخول الاسلحة ومناشدة المنظمات العالمية والاقليمية بالتدخل العاجل والسريع.

صورة بالكربون:

من جهته قال المحامي عبد الباسط الحاج وهو مسؤول قانوني في مؤسسة ويامو ومستشار قانوني لعدد من المنظمات الوطنية والدولية، إن قوات الدعم السريع التي هاجمت الفاشر الفاشر الاحد الموافق 26 اكتوبر 2025م تمارس إنتهاكات مروعة بحق السكان، تشمل القتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات التعسفية، ومطالبة الأسر بدفع فدية مالية مقابل إطلاق سراح ذويهم. وأضاف : ماحدث بالفاشر حدث قبل 20 سنة وكذلك بالجنينة (صورة بالكربون) لتكرار هذه الانتهاكات بحق مكونات عرقية محددة وقال الحاج ان توثيق تلك الانتهاكات لا يتجاوز نسبة (10%) فقط بحسب شهادات وهنالك نسبة (90%) من الانتهاكات لم يتم توثيقها والعالم لا يعرف عنها أي حاجة وشدد علي ضرورة مواجهة تلك الإنتهاكات بشجاعة. وفي المقابل قال شاهد عيان فضل حجب إسمه لدواع أمنية، انه خرج من الفاشر ليلاً في ذات يوم إجتياح الدعم السريع للمدينة مشيراً الى انه شاهد جثث بالطريق والقبض على بعض الفارين وضربهم عنف واعتقالات بحقهم، لافتاً إلى إنه نجح في الافلات من الدعم السريع لكنه اوضح انه يفقد والده ووالدته.

قتل المصليين:

الى ذلك قالت أم سلمة عوض الكريم وهي باحثة وناشطة بيئية، تهتم بتقاطعات حقوق الإنسان والعدالة البيئية قالت: “نحن نقاوم كل المحاولات لاحتلال اراضينا من قبل الدعم السريع التي ارتكبت جرائم ممنهجة وحفرت خنادق عمقها ثلاثة امتار حول المدينة لعزل المدنيين عن العالم مشيرة الى قتل المصليين في الساجد واستخدام الغذاء كسلاح وقالت ان المدنيين يعانون في الحصول علي المياه النظيفة بنسبة 90% في ظل تفشي أمراض عديدة منها الكوليرا والحميات، فضلاً عن الهجمات متكررة على المستشفيات والمراكز الصحية، حيث تم الاعتداء على الكوادر الطبية ونهب المعدات، مما أدى إلى إغلاق عدد من المرافق الحيوية وتوقف خدمات الطوارئ.

وأكدت تقارير إنسانية أن مستشفى الفاشر التعليمي والمستشفى العسكري تعرضا لانتهاكات متكررة، بينها اقتحامات مسلحة واعتقالات لمتطوعين ومسعفين، منها (460) حالة للعام 2024م بل ووُثقت حالات قتل لعاملين في المجال الإنساني أثناء أداء مهامهم، وأوضحت إن ما تعيشه الفاشر ظلت تعاني منه منذ العام 2003م تجويع متعمد كسلاح حرب حتي أضطر المدنيين لاكل الامباز، وكشفت عن تحويل أثنين من الاحياء بالفاشر الى معتقلات كبيرة.

استجابة خجولة:

المتحدثة الاخيرة نمارق إبراهيم يحيى خريجة جامعة الفاشر، قسم علم النفس، وناشطة في العمل العام تُعنى بقضايا النساء والأطفال كشفت عن قتل ثلاثة من المتطوعين ، واعتقال أخرين لا يعرف مكان أعتقالهم ومصيرهم اذا كانوا علي قيد الحياة، وقالت ان مبادرة قومة بنات الفاشر مازالت تفتقد عدد من المتطوعات ولا نعرف أماكنهن، وكشفت عن معاناة النساء لاسيما الحوامل والاطفال الذين فقدوا تعليمهم وأسرهم، وإنتقدت صمت المجتمع الدولي والاقليمي وتخاذله، وقالت إن منظمات المجتمع المدني السوداني وجّهت نداءات متكررة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد، مطالبةً بالتدخل العاجل لحماية المدنيين ووقف الانتهاكات، غير أن الاستجابة لا تزال (خجولة) وغير موجودة علي ارض الواقع فقط بيانات أدانة وشجب ورفض، واوضحت أن تخاذل المجتمع الدولي والإقليمي ساهم في تفاقم المأساة، حيث تُركت الفاشر تواجه مصيرها وحدها، في وقت تتراجع فيه الخدمات الأساسية وينتشر الخوف والمجاعة والمرض وفي ظل استمرار الصمت الدولي وتدهور الأوضاع الأمنية، يخشى سكان الفاشر من أن تتحول مدينتهم إلى (رماد جديد للإبادة)، كما حدث في مناطق أخرى من دارفور لاسيما الجنينة ، بينما تبقى المطالب بالعدالة والمساءلة مجرد صدى يتلاشى وسط دخان الحرب والخذلان.

موقفنا لن يتراجع:

من جهتها أكدت المديرة الاقليمية لشبكة نساء القرن الافريقي (صيحة) هالة الكارب لالقول “موقفنا لن يتراجع في فضح الانتهاكات التي طالت المدنيين والنساء والاطفال في دارفور منذ أكثر من 20 سنة وذكرت الكارب الموجودين في المؤتمر الصحفي بالتضامن مع أهالي مدينة بارا بولاية شمال كدرفان الذين يتعرضون ايضا الي انتهاكات مماثلة وعنيفة، وكانت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق قد وصفت ما يجري في السودان بأنه نقطة تحول مأساوية في النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، مؤكدة أن الفظائع المرتكبة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسط دعوات دولية متزايدة لإنهاء الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا، ووجددت بعثة تقصي الحقائق عن قلق بالغ إزاء الانتهاكات الواسعة التي أعقبت سقوط مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور بيد قوات الدعم السريع، معتبرة أن ما يحدث يمثل تحولًا خطيرًا في مسار الحرب السودانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *