الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية أزمات خانقة وإرادة للعبور (6)

بقلم: حسين سعد
نعود إلى استكمال طبيعة الأزمات التي تواجه الحكومة، والتي مثلنا لها بقصر الفترة الانتقالية مقابل المعالجات والاستحقاقات الكبيرة المطلوبة والتي تحتاج فترة زمنية طويلة مقابل هدم السودان القديم وبناء السودان الجديد الذي يتماشى مع أهداف الثورة، ومن المشاكل ايضا تأخير تشكيل المجلس التشريعي الذي تحتاجه الحكومة الانتقالية لإصدار التشريعات والقوانين المطلوبة.
وأخيرا توقفنا في محور مكونات الحرية والتغيير وغياب الانسجام بينها، وقلنا إن هذه التحديات مع صعوبتها لا تعني عدم وجود مجهودات وخطط يمكن أن تسعف الحكومة في المستقبل المنظور على القيام بما هو ضروري لإصلاح الحال وانتشال بلادنا من بركة الخراب.
المرحلة الحالية فيها كثير من المعطيات التي تعتبر غير مساندة للحكومة، ومن بين هذه الصعوبات (كورونا) ومن الراجح أن الحال سيكون اسوأ بسبب تاثيرات (كورونا) على الأوضاع الاقتصادية في العالم وفي السودان، وستعود حالة اليأس وسط الكثيرين، لذلك نرى أن الحكومة لن تنجح في كل مهامها وذلك للأسباب التاليةالتي كنا قد تناولنا ثلاثة منها:
(4) التدخلات الإقليمية وصراع المحاور
منذ التغيير السياسي وإلى الآن تسعى أطراف إقليمية معروفة لأن يبقى السودان غير مستقر سياسيا، كما ترغب تلك الدول لجعل السودان غير مستقر اقتصاديا لذلك تسعى تلك الأطراف ليبقى السودان محتاجا للآخر وغير قادر على استغلال ثرواته الطبيعية، فالمطلوب دبلوماسيا هو تعزيز الانفتاح على دول الجوار والتأكيد على المصلحة الوطنية. وعمليا سارت الحكومة بهذا الطريق وحصدت ثمارا طيبة في التعامل مع البلدان الفاعلة إقليميا، وتحتاج الحكومة لإيصال رسائل مباشرة الى البلدان المجاورة بعدم سماحها لأن يكون السودان ساحة لتنفيذ أجندات تلك الأطراف وانها تعمل على تعزيز الأمن الوطني سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وأن إصلاح الأوضاع الخربة ماض وهو هدف الحكومة الحالية ولا تراجع عنه.وكما قال أحمد حسين آدم، إن القوى الإقليمية الدولية بعد (كورونا)، أصبحت مشغولة بنفسها، لكن بعضها متحفز بأنانية صارخة لتحقيق مصالحها الوطنية الضيقة من خلال استغلال واختراق الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية الهشة، فكثير من القوى الإقليمية ليست لديها مصلحة في سودان ديمقراطي سلمى ومستقر، فهي تريد كيانا سودانيا ضعيفا وهشا للاستمرار في استغلاله للعب دور وظيفي لصالح صراعاتها وطموحاتها الإقليمية المدمرة.
(5) المحاصصات الجهوية:
ليست هناك مشكلة في أن يكون هناك تمثيل مناطقي أو تمييز إيجابي للمناطق التي تأثرت بالحرب، لكن المشكلة هي أن تتبنى الدولة بأكملها منهجا يرتكز على المحاصصات الجهوية بعيداً عن المهنية والإطار القومي، وأن يكون الانتماء الجهوي معياراً لتوزيع المناصب، وهذه الطريقة غير السليمة ظل يتبعها النظام المدحور الذي فاقم من الجهوية والقبلية ونرى أن ولايات ومحليات تم تقسيمها على أساس قبلي وترضيات، هذه السياسة الفاشلة ما زلنا ندفع ثمن فواتيرها الباهظة من خلال إثارة النعراث العنصرية، كما تسبب نظام المحاصصة في ضعف أداء الحكومة في كثير من القطاعات واستشراء الفساد المالي والإداري بالولاية، إذ أن المكونات القبلية تتعامل مع الجهاز الحكومي بوصفه مجرّد وسيلة لنيل حصتها من الثروة والوظائف التي تنظر إليها على أنها بمثابة غنائم ينبغي استثمارها، ولهذا تكثر الخلافات التي تحتدم بين الجهات التنفيذية أنفسها لأن كل واحد منهم يدافع عن نفوذ لقبيلته، أو يسعى وراء غنيمة الأمر الذي وسع دائرة الفساد الذي كانت تزدحم به تقارير المراجع العام إبان عهد النظام البائد، أيضا دليلنا هنا (المؤتمرات الصحفية للجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وماتصدره من فساد). وكما كتب الأستاذ أحمد حسين آدم، مقالا له بعنوان (السودان بين خياري السلام العادل والانهيار الكامل) يجب الاتعاظ من اتفاقيات شراكات اقتسام السلطة الضيقة الناقصة السابقة، والتي مكنت و”رشت” بعض القيادات الانتهازية من طلاب السلطة على حساب الضحايا والجماهير المهمشة. إنه قد مضى عهد الانتهازية والاستغلال السياسي المقيت، فلنعتبر هذه الفرصة الأخيرة لخلاص ما تبقى من الوطن (انتهي)
القبلية:
ومن قبل أدار النظام المخلوع التنوع بشكل ماكر حيث قام بتفجير أزمات عديدة، وهدف من إعلاء صوت القبلية والعنصرية لتجيير موازين القوة لصالحه والرغبة في إعادة وضعية أغلب الأطراف حسب التوزيع الجديد للقوة والسلطة، صحيح أن تلك السياسية الماكرة نجحت في احتكار حزب المؤتمر الوطني المدحور للسلطة نحو (30) عاماً، لكن هذه السيطرة فجرت عش الدبابير بصورة أقوى في وجه نظام الاستبداد والتسلط، حيث أشعلت هذه السياسات الحمقاء النزاعات والحروب ودفعت جنوب السودان للانفصال، وعلى الرغم من التحولات العديدة في بيئة النظام السياسي في السودان، إلا أن بنية النظام التقليدي والقبلي (الإدارة الاهلية) ظلت محافظة على تفوقها ضمن علاقات القوة، لكن عندما سطى النظام المدحور على الحكومة الديمقراطية عبر إنقلابه تراجعت قوة الإدارة الأهلية وتفكفكت مفاصلها وتم إنشاء إدارة أهلية بديلة، وعند ظهور النفط وثروته المالية الضخمة لم تنعكس هذه الثروة على الشعب خدمياً وصحياً وتعليمياً، بل تركزت على شراء الولاءات السياسية (وفرتقة) الأحزاب وشقها وإشراك جماعات منها في الحكومة مقابل خروجها من أحزابها الأم، وهذه الظاهرة وصفها الإعلام بأحزاب (الزينة والكرتون والفكة).
من أبرز المشاكل الناجمة عن المحاصصة القبلية هي:
(أ) أن المحاصصة تفرض تعيينات في بعض المناصب (التشريعية والتنفيذية) حيث يؤدي نظام المحاصصة إلى تفضيل ذوي الصلات والقرابة والنفوذ المالي في التعيينات الوظيفية، وبالتالي لا يجد ذوو المهارات والكفاءات العالية فرصة للبروز والدخول في المجال العام
(ب) تظهر ملامح المحاصصات في تشويه النظام وجعله منهكا بالعديد من الظواهر السلبية التي تشلّ من قدرته وتؤدّي مصارعته لها إلى تآكله وانكبابه على ذاته بدل أداء مهامه وتقديم خدماته التنموية المطلوبة.
(ج) إضعاف مؤسسات الحكومة لأن من تم تعيينه ليس لكفاءته بل لحصة قبيلته.
(د) كما تساهم هذه الطريقة في تمدد الفساد ونهب المال العام، لإرضاء القبيلة ومشايخها بالعطايا في سبيل الضمان السياسي.
(ه) ضعف هيبة الدولة وتعطيل نفوذها بحيث لايستطيع بعض المسؤولين بسط هيبة الدولة في منطقة ما إذا لم يكن مدعوما من رجالات العشيرة التي تسكنها
(و) يكرس نظام المحصصاة إلى تقوية نفوذ رجالات القبائل، وفي المقابل يؤدي إلى فشل مؤسسات الدولة في الانتقال بالمجتمع والبلاد إلى التحول المطلوب. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *