السلام المجتمعي والمصالحات الاجتماعية
بقلم: حيدر المكاشفي
أورد هذا الموقع (مدنية نيوز) الأسبوع الماضي خبراً مُهماً عن توقيع اتفاق وقف عدائيات وإبداء حُسن النوايا بين كياني (الأونشو) و(دار نعيلة) بولاية جنوب كردفان، واعتمد الاتفاق الآليات التقليدية والعرفية في فض النزاعات وعدم استخدام القوة العسكرية، وحوى هذا الاتفاق المجتمعي المهم عدداً من البنود المهمة لا أريد هنا تكرارها كما وردت في الخبر التفصيلي عن الاتفاق، وأحيل من يرغب في الاستزادة منه إلى موقع (مدنية نيوز)، أو موقع الحركة الشعبية شمال بقيادة القائد عبد العزيز الحلو، بقدر ما إنني أريد هنا الوقوف عند أهمية وضرورة عقد مثل هذه الاتفاقات بين المكونات المجتمعية المحلية المختلفة وخاصة في المناطق التي تشهد نزاعات وتوترات قبلية، إذ لا يكفي لإرساء عملية سلامٍ دائمٍ وشامل ومستدام بتوقيع اتفاقات سلام فوقية على الورق بواسطة النخب، دون أن تُعقد مثل هذه المصالحات المجتمعية والاجتماعية على الأرض، وبين القبائل والمكونات الإثنية المتنازعة.
ومما لا شك فيه أن اتفاق (الأونشو) و(دار نعيلة) وهما مكونان قبليان من جنوب كردفان وقعت بينهما نزاعات دامية؛ يُقدم نموذجاً نموذجياً لمثل هذه المصالحات المجتمعية المطلوبة بشدة، والتي لا تكتمل أي عملية سلام حقيقي ودائم بدونها، فقضية السلام المفقود لا ينبغي اجتزاؤها فقط في الاتفاقات التي يتم التوصل إليها بين الحكومة والحركات، كما لا يجب حصرها في حيز جغرافي محدد، بل لابد أن تتمدد إلى كافة أجزاء الوطن، ذلكم هو السلام المجتمعي والاجتماعي بمعناه الأعم والأشمل الذي لا يعني غياب العنف والحرب فحسب، وإنما أيضاً يعني الهدوء والاستقرار والصحة والنماء. إلخ.. وأول ما تذكرت في هذا المعنى حكاية أبونا فيليب عباس غبوش مع الغناء الهابط من عينة (حمادة بابو جنب بابنا، حمادة بوظ أعصابنا)، و(كدا كدا يا الترلة) و(عمك حسبو شتت قصبو، حمارتو عارت وطاقيتو طارت)، إلى آخر هذا الغُثاء الذي يُعرف بأن قبيحه يشيع الفاحشة، وحسنه يخدش الحياء العام، فقد طالب أبونا فيليب مغنواتية هذا الحشف بألا يعنصروا الغناء ويحصروه على مجتمع محدد، وأن ينفتحوا به على أهله من أبناء جبال النوبة، وأن يجد كوكو وتوتو وتيه أنصبتهم منه كاملة لا تنقص شطرة أو لزمة من أنصبة حمادة ولؤي ووائل، وغيرها من الأسماء المنسوبة لأبناء الذوات وأولاد الراحات، التي يرد ذكرها في هذه الأغاني، ليطرب وينتشي وهو يستمع لإحداهن وهي تتغزل في كوكو أو كندة أو ككي، أو غيرها من الأسماء التي ما إن تسمع أحدها لا يخالطك شك في أن صاحبها ينتمي إلى أحد الجبال البالغ عددها تسعاً وتسعين جبلاً.
والشاهد في حكاية أبونا فيليب، أن الحاجة ما تزال ماسة ومُلحة لقيادة مبادرة من الداخل تقودها الفعاليات المجتمعية والثقافية والنشطاء في مجالات العمل العام من أجل السلام الاجتماعي والتدامج والتلاقح الثقافي، وتحقيق درجة من الانسجام في العلاقات البينية بين المجتمعات المحلية المختلفة، والعمل على أن تسود حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة، بما يفضي في النهاية إلى بناء المجتمع ككل على أسس سليمة من التجانس والتلاحم والاحترام المتبادل، وهذه عملية لا تتم بالقرارات ولا الاتفاقيات لفوقية مهما كانت، وإنما بالحراك المجتمعي وحركة المجتمع اليومية.
ي شارعآ سوا البدع التحيه لكل الشوارع والبيوتات السودانيه الاصيله