العنف المنزلي على النساء.. تزايد الحالات ومذكرة عاجلة للنائب العام
تقرير: عائشة السماني
تزايدت حالات العنف المنزلي على النساء عقب دخول الحظر الشامل للتجوال حيز التنفيذ، وفي وقت كشفت السلطات المختصة عن تسجيل أكثر من (40) حالة عنف منزلي في فترة الحظر، دفعت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي بمذكرة عاجلة للنائب العام للتدخل من أجل ردع العنف المبني على أساس النوع.
تصاعد الشكاوى:
لقد تعرضت لعنف من أخي في فترة حظر التجوال في مطلع هذا الشهر، لقد ضربني في أماكن متفرقة من جسدي وما زلت أعاني من آلام تلك الضربات وذهبت إلى الشرطة وفتحت بلاغاً لكن لم يتم القبض عليه والأمر قيد التنفيذ.
هكذا بدأت (فاطمة) حديثها لـ (مدنية نيوز) اليوم، وفاطمة هو اسم مستعار لها لحمايتها باعتبار أنها لا تزال معرضة للخطر لوجود المعتدي معها.
وأوضحت (فاطمة) أنها عندما استعانت بصديقاتها وسمعت بقصتها عدد من الفتيات حكين لها عن حالهن وتعرضهن للضرب المتكرر الذي يلازمهن منذ سنوات دون أن يفلحن في التخلص منه حتى أن بعضهن فكّرن في الهروب من منازلهن وأخريات في الانتحار، وقالت إنها لم تكن تتخيل أن العنف المنزلي منتشر بتلك الصورة، وعرفت منهن أنه تصاعد وبأشكال وحشية في الوقت الحالي بسب البقاء في المنازل نتيجة الحظر الشامل للتجوال، واشتكت من عدم توفر الحماية للنساء من جانب السلطات، ودعت الدولة المدنية لحمايتهن باعتبار أن الحماية هي أبسط حق يمكن أن تقدمه لهن الحكومة التى جاءت على اكتاف النساء اللائي كنّ في الصفوف الأمامية في الثورة.
تسجيل أكثر من (40) حالة عنف:
ومن جانبها كشفت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمة إسحق لـ (مدنية نيوز) عن تسجيل أكثر من (40) حالة عنف منزلي في فترة الحظر، وذكرت أن تلك الحالات تتلقى الدعم النفسي لكن ليس هنالك دعم قانوني، ونوهت إلى أنه حال فتح بلاغ لا ينفذ أمر القبض، مما يجعل الخطورة كبيرة جداً على المعنفة لأن المعتدي يظل موجوداً معها.
وانتقدت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، السلطات لتقصيرها في هذا الجانب، وأنها عندما أعلنت حظر التجوال لم تضع لهذه المسائل أية حلول ولم ترد في حساباتها، وحذرت من خطورة العنف المنزلي الذي يهدد حياة النساء، بجانب تعرضهن لمخاطر (كورونا)، وأشارت إلى حادثة تعرض امرأة للضرب من قبل زوجها بالسيف، وبعد أن تم القبض عليه وكان ذلك قبل إعلان الحظر، تم إطلاق سراحه قبل خروجها من المستشفى، واعتبرت ذلك دليلاً على ضعف الإجراءات القانونية في حماية النساء، ولفتت إلى أن الخطر ما زال يهدد تلك المرأة.
وأوضحت سليمة أن العنف المنزلي يمكن أن يقود إلى تشريد الأسر، وأنه يساهم في انتشار مرض (كورونا)، وتوقعت ارتفاع نسبة العنف المنزلي وزواج الطفلات في أيام الحظر، وأشارت إلى غياب النصوص القانونية التي تجرم العنف المبني على النوع، وقالت: (هذا أكبر معيق لعمل الوحدة التي شرعت في صياغة قانون لتجريم العنف المنزلي بأشكاله المختلفة والدفع به للجهات المختصة)، ولفتت إلى أن وكلاء النيابة في أوقات كثيرة لا ينظرون لقضايا العنف المنزلي بل يعتبرونه ليس جرماً ويتركوا الأمر للصلح.
وأضافت أن الحال في ولاية الخرطوم من الناحية القانونية ربما يكون أفضل نوعاً ما عن ما هو عليه في الولايات والذي وصفته بالمأساوي، ومثلت لذلك بولايات دارفور وجنوب كردفان، وتابعت: (التشريعات هناك ليس لها وجود، والقانون غير منفذ والعنف على النساء عالٍ جداً وبصورة أبشع)، وطالبت بوجود سند قانوني يحمي النساء ويطبق في كل ولايات السودان.
مذكرة عاجلة للنائب العام:
ومن جانبها قالت المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (شبكة صيحة) هالة الكارب، لـ (مدنية نيوز): (يوجد غياب تام للسياسات والقوانين في التصدي للعنف المنزلي الموجه ضد النساء)، وأضافت أنه ليست هناك مواد في القوانين السودانية تتصدى لذلك النوع من العنف، وأبانت أنه حتى الجهات التي تعمل في هذا الجانب لا تجد دعماً قانونياً، وأضافت: (ليست هناك حماية للناجيات).
وذكرت المديرة الإقليمية أن الدولة في الوقت الراهن تشتغل مثل المجتمع المدني بالتوعية، واعتبرت ذلك قصوراً من جانب الدولة تجاه حماية النساء، وتابعت: (من صميم عمل الدولة المدنية وجود قوانين وسياسات وآليات لحماية النساء والتصدي للعنف الموجه ضدهن أسوة ببقية دول العالم)، ورأت أن العنف مدعوم بالإطار القانوني في السودان، وطالبت الحكومة بوضع سياسات وقوانين عاجلة لحماية النساء.
وأوضحت المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي أن المبادرة دفعت بمذكرة مطلبية للنائب العام لردع العنف المبني على أساس النوع، ومن أبرز مطالبها إنشاء نيابات خاصة للعنف المبني على أساس النوع وانتداب وكلاء نيابة مؤهلين فيما يتعلق بمسألة العنف القائم على أساس النوع، وتوفير منازل آمنة للمعنفات لضمان سلامتهن وإيصال العدالة لهن.
وشددت هالة الكارب على أهمية أن تحتل قضايا النساء والفتيات قائمة الأولويات في المؤسسة العدلية السودانية في ظل حكومة الثورة، وأشارت إلى وجود العنف الأسري في الوقت الحالي، ونوهت إلى تجذره في الثقافة السودانية، وزادت: (هو ناتج أيضاً من مسألة الولاية والقوامة.
عنف مسنود بالقوانين:
ومن جهته رأى المحامي أحمد صبير، أن العنف تجاه النساء مسنود بالقانون سواء مباشر أو غير مباشر، ومثل لذلك بالمادة (40) من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بزواج الطفلات، وذكر (هذه المادة تفقد البنت حقها في الحياة كطفلة، وتقود إلى العنف عليها في الممارسة الجنسية بسبب الفارق العمري)، كما دفع بمثال آخر حدده في المادة (152) من القانون الجنائي المتعلقة باللبس الفاضح، والتي لها دور مباشر في ممارسة العنف على النساء، ونبه إلى الممارسة العملية لوكلاء النيابة الذين يكتبون المعتدي سواء كان أباً أو أخاً تعهداً بعدم التعرض للمعتدى عليها وهي ترجع معه البيت، وأضاف: (هنا يقع عليها عنف مركب بسبب أنها عرضته للمحكمة بجانب عنف الضرب والجروح إذا كانت موجودة)، ولفت إلى أن ذلك يعتبر أذى جسيماً يتطلب تعويض الناجية مادياً.
وأشار صبير، إلى أن أبشع أنواع العنف الذي يمارس على النساء هو عندما يطلقن ويطالبن بالنفقة، ويأتي الزوج في بعض الحالات وينكر نسب الأطفال إليه ولأن عملية فحصص الـ (دي إن إيه) غير مسموح بها في السودان يصعب عليهن إثبات النسب، وقال إن القوانين السودانية عامة ليست فيها حماية للنساء من العنف المبني على أساس النوع.
وكانت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية قد أطلقت خدمة الخط الساخن لمجابهة العنف المنزلي والعنف المبني على النوع، منذ يوم 22 أبريل الماضي، لكنها فقط تقدم الخدمة النفسية، وتعذرت عليها الخدمة القانونية حسب قول مديرة الوحدة.