الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (23)

بقلم: حسين سعد

داخل هذه الحلقة نرصد عدد من التطورات والتفلتات الامنية التي انفجرت بعدد من الولايات ونحاول مقارنة ذلك بماحدث للفترة الديمقراطية الثالثة الماضية ويقول الدكتور صديق الزيلعي في مقال له بعنوان (يتأمرون علنا وبأصرار ضد الثورة بينما نتصارع نحن)شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مستمرة ومنسقة من قوى الثورة المضادة، اتخذت اشكالا وأساليب متنوعة، ولكنها موحدة المقصد، وهو محاصرة حكومة الفترة الانتقالية كخطوة أولى لإسقاطها. نلاحظ ان تلك التحركات التي تدار من مركز واحد، ولكنه متعدد الاذرع، هي تصعيد مقصود بهدف هزيمة الثورة. فتغريدات غندور وبيانات الحزب المحلول، ونشر الأخبار المضروبة، واثارة الفتن القبلية في كل ربوع بلادنا، وتسيير المظاهرات، ومضاعفة آثار الازمة الاقتصادية والمضاربة في أسعار العملات وتباطأ القوات الامنية وغيرها هي حلقات في مخطط واحد، يدار من مركز واحد، له جيوبه النافذة في جهاز الدولة العسكري والمدني. ونجد، رغم خطورة ما يجري، ان قوى الحرية والتغيير تعاني من الانشغال بالصراع غير مبدئي، وما مواقف حزب الامة الأخيرة وتوقيتها، ومحاولات التكويش وتكبير الكوم من بعض التنظيمات، والخلاف الحالي حول انتخابات تجمع المهنيين، واستطالة ما يدور في جوبا، الا مظاهر لاستسهال الخطر القادم.

إتحاد العمال:

وأشار صديق الي مشاركة المهندس يوسف عبد الكريم رئيس اتحاد العمال المحلول، يوم الخميس 14 مايو ، باسم الاتحاد في فعالية نقابية دولية. فقد تحدث، اون لاين، في احتفال في العراق بمناسبة عيد العمال العالمي، وقُدم في الاحتفال كرئيس لاتحاد عمال السودان. والأغرب ان ذلك الخبر تم نشره في موقع اتحاد العمال في النت، وهو موقع يمارس عمله كالمعتاد، ويواصل نشاطه بحماس لينشر ما تقوم به القيادة المحلولة ،وفي نفس اليوم، الخميس 14 مايو 2020، شارك اون لاين، في لقاء نقابي دولي انعقد في تركيا، تحت عنوان ” الحياة العملية في ظل الجانحة “. وتمت المشاركة أيضا باسم وصفته رئيس اتحاد عام نقابات عمال السودان، كما أصدرت قيادة اتحاد العمال المحلولة في 13 مايو الجاري بيانا حول زيادات الأجور التي أعلنها وزير المالية.

مذكرة التنظيمات النقابية:

نبه الزيلعي الي ما ورد في الواتساب حديث عن مذكرة قدمتها تنظيمات نقابية للممثل المقيم للسكرتير العام للأمم المتحدة، ولكنها لم تنشر في موقع الاتحاد المحلول. وقدمت المذكرة باسم النقابات والمنظمات الآتية: نقابة المحامين السودانيين، واتحاد عام نقابات عمال السودان واتحاد الصحفيين السودانيين، والاتحاد العام للمرأة السودانية واتحاد المعلمين السودانيين، واتحاد الزراعيين السودانيين ورابطة المحاميين الوطنيين. ورابطة القانونيات السودانيات ومنتدى شباب المحاميين السودانيين ومنظمة محامون لأجل الوطن

ادعاءات كاذبة:

واضاف هذه نماذج من عمل منظم يستهدف اسقاط الثورة تحت شعارات وادعاءات كاذبة. والغريب ان نفس من حل النقابات المنتخبة بعد انقلابهم في 1989، وصادر ممتلكاتها، واعتقل شرد كوادرها واعتقا قادتها وعذبهم وقتلهم في اقبية بيوت الاشباح، والذي فرض فرضا على النقابات، يحدثنا الان عن الحريات النقابية. وإذا تناسوا فأننا لن ننسى ما فعله مؤتمر الحوار النقابي المزعوم بالحركة النقابية السودانية وبمؤسساتها وقوانينها وهياكلها وكوادرها وتاريخها المكتوب. ولن تغيب عنا، ولو للحظة واحدة، ما فعلوا خلال ثلاثين عاما بنقابات بلادنا

عندما نقارن ما تقوم به قوى الثورة المضادة من تصعيد محموم لنشاطها في مختلف الجبهات بما تقوم به قوى الثورة والتغيير نري واقعا مقلقا ومربكا. فالقوى التي أنجزت أكبر تنظيم جبهوي في تاريخ السودان الحديث وقادت واحدة من أعظم الثورات، لا تستوعب الإطار الأكبر، ولا تهتم للتحديات الراهنة للواقع السياسي المعقد. ولا تدرك مصاعب الانتقال الديمقراطي، وهو موثق في التجارب العالمية الشبيهة، ولا تفطن لان فكفكة دولة شمولية استمرت لثلاثين عاما ليست نزهة. والاهم ان تستوعب ان الحفاظ على التحالف الواسع حتى انجاز برنامج الحد الأدنى الذي يجمع هذه القوي مطلب لا تراجع عنه.

فشل الديمقراطية:

وفي المقابل يقول الراحل محمد علي جادين في كتابه تقييم التجربة الديموقراطية الثالثة في السودان بإنقلاب يونيو 1989م ان التجربة الديموقراطية الثالثة كانت قاصرة ولم تتمكن من الاستفادة من دروس وخبرات التجارب السابقة ويتمثل ذلك في الملاحظات التالية :

1- انها لم تتمكن من الاستفادة من دروس التجارب السابقة في اتجاه استيعاب التنظيمات السياسية والاجتماعية المختلفة في المؤسسة النيابية بشكل متوازن يعكس حقيقة دور التنظيمات في الحياة العامة وتوزان القوى في المجتمع وضرورات حركة التطور الوطني لبناء سودان ديموقراطي موحد ومستقل وفاعل في محيطه العربي والافريقي ويرجع ذلك بشكل رئيسي الى عجز مؤسسات الفترة الانتقالية عن تحقيق مهامها المحددة في ميثاق الانتفاضة لذلك كانت النتيجة عودة احزاب القوى المهيمنة التقليدية الى كراسي الحكم من جديد بسبب قانون رجعي وتقليدي ومتخلف يقوم على اساس الصوت الواحد اما قوى الانتفاضة السياسية والنقابية القوى الحديثة التي تحملت أعباء النضال ضد الحكم الديكتاتوري وإسقاطه و استعادة الديموقراطية فقد وجدت نفسها بعيدة عن مراكز السلطة نواصل نضالها في مواجهة الفئات الحاكمة من اجل الحياة الحرة الكريمة واستكمال انجاز اهداف الانتفاضة .

تجارب إنتهازية:

2- ان ممارسات احزاب القوى المهيمنة خلال التجارب الديموقراطية السابقة عموما كانت مليئة بالممارسات الانتهازية وغير المبدئية فهي دوما تتردد وتتلكأ وتعجز عن تنفيذ برامجها التي تطرحها أثناء معركة الانتخابات أو عند وصولها الى كراسي الحكم وخلال التجربة الديموقراطية الثالثة بالتحديد طرحت برامج إصلاحية في إطار البينان الرأسمالي التبعي المتخلف ولكنها ترددت في تنفيذها وتجاهلت حاجات جماهير الشعب وضرورات مواجهة الازمة الوطنية الشاملة التي تعيشها البالد , فبرامج الحكومة الائتلافية الاولى والثانيه لم يكن ينقصها وضوح الرؤية بقدر ما كانت تنقصها المصداقيه وربط القول بالعمل.

3- ظلت بعض قيادات احزاب القوى المهيمنة التقليدية تتمشدق بشعارات الديموقراطية الليبرالية المستمدة من النموذج البريطاني والموروثة من دستور الحكم الذاتي 54\1956 في مواجهة قوى الحركة الجماهرية الديموقراطية وقوى المعارضة السودانية كما حدث اثناء انتفاضة ديسمبر 1988 وغيرها وهو تمشدق مردود لان الديموقراطية الليبرالية في السودان تفتقد اساسها الاقتصادي الاجتماعي المرتبط بالثورة البرجوازية والنظام الرأسمالي الناجز لذلك ظلت هذه الاحزاب تضيق بالحريات العامة وتعمل على تقييدها خوفا من قوى المعارضة الشعبية ودفاعا عن مصالحها الضيقة .

4- ان الممارسة السياسية في التجارب السابقة بشكل عام وفي التجربة اليموقراطية الثالثة بشكل خاص تعكس نزوعا قويا وسط احزاب القوى المهيمنة لتقييد النشاط الحزبي والنقابي والصحفي وذلك بسبب ضيق هذه الاحزاب بالديموقراطية وتبرمها من المعارضة والرأي والاخر لذلك ظلت بإستمرار تتردد في تصفية قوانين الانظمة العسكرية المقيدة للحريات العامة والمعادية للديموقراطية نفسها بل عملت على تعديل الدستور نفسه بهدف تقييد الحريات العامة ووضع اجراءات الدولة فوق القانون وبالتالي اقامة دولة ديكتاتورية مدنية (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *