الاختفاء القسري.. جرائم إسكات الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان (3)
تقرير: حسين سعد
أجمع المتحدثون في ورشة الاختفاء القسري على وجود فرصة لوضع حد لظاهرة الاختفاء القسري، ولفتت الدراسة التي أعدها المدافع عن حقوق الإنسان أمير محمد سليمان، إلى أنه وعلى الرغم من التحديات الكثيرة والمتعددة التي لا تزال قائمة للوقاية والحماية من الاختفاء القسري، فإنّ الحشد والرغبة المتزايدة للمجتمع المدني حول هذه الجريمة يُوفّر فرصاً للتقدُّم، ونبه إلى استعداد الحكومة السودانية الجديدة للبدء في المُعالجة.
وأشار أمير، في الورقة التي قدمها في الورشة التي أقامها المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، بفندق كورنثيا بالخرطوم، إلى أنه وعقب الإطاحة بالرئيس المخلوع البشير في أبريل 2019، اتّخذت الحكومة المُعيّنة – حديثاً- بقيادة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، خطوات إيجابية، للتعامل مع إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في الماضي، وأثناء (انتفاضة السودان)، وخلال مجزرة 3 يونيو 2019، حيث هاجمت قوات أمنية المعتصمين، ممّا أدّى إلى إصابة عدد كبير من الأشخاص، وقتل واغتصاب وإخفاء العشرات قسراً، كنتيجة لهذا الهجوم.
ونبهت الورقة إلى مطالبة الجمهور، السلطات بالتحقيق في تلك الجرائم، والكشف عن مكان وجود المختفين والتحقيق فى ذلك، كما أدان السياسيون والأحزاب السياسية علانيةً استخدام الاختفاء القسري كسلاح ضد المعتصمين.
مبادرة مفقود
وأشارت الورقة إلى أن حالات الاختفاء القسري دفعت العديد من العائلات إلى العمل المُشترك، وحفّزتهم للدخول في خانة الفعل وتنظيم أنفسهم، وقد أدّى ذلك إلى إنشاء مبادرة مفقود، وهي مبادرة مجتمعية طوعية، تهدف إلى المساعدة في العثورعلى المفقودين بعد فض الاعتصام والأحداث السابقة، وتقوم هذه المبادرة المجتمعية الطوعية بالعمل وتنسيق الجهود على الأرض للبحث عن المفقودين في المستشفيات ومراكز الشرطة والسجون.
وقالت الورقة: كما تعمل وتنشط المبادرة في تقديم الدعم الطبي والنفسي والقانوني لأُسر هؤلاء المفقودين، كما اتخذت مبادرة مفقود إجراءات عملية قانونية بما في ذلك القيام بالتوثيق لحالات الاختفاء والإبلاغ عنها في مراكز الشرطة وإرسال الشكاوى إلى النائب العام.
وأضافت: وما زال النائب العام مُنتظراً منه تسريع الاستجابة، بتقديم الردود على هذه المُطالبات، كذلك قامت حركة المفقودين بتقديم شكاوى قانونية للمفوضية الوطنية لحقوق الإنسان في السودان، تطلب منها التنسيق مع الجهات المعنية لتحديد مكان المفقودين والتحقيق في مكان وجودهم وأسباب اختفائهم.
لجنة المفقودين
وأوضح أمير، أنه إلى جانب جهود مبادرة المفقودين، اتخذت الحكومة السودانية – أيضاً- خطوات للاستجابة لملف المفقودين وحالات الاختفاء. وقد شكّل المدعي العام السوداني عبد الله أحمد عبد الله، في سبتمبر 2019، لجنة للتحقيق حول المفقودين أثناء وبعد الاعتصام، الذي كان قائماً أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في يونيو 2019.
وتابع: علاوة على ذلك، شكّل رئيس الوزراء لجنة تحقيق وطنية بتفويض أوسع للتحقيق في الهجوم الدموي على المعتصمين في 3 يونيو، والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التى حدثت في تلك الأحداث. ورغم تشكيل هذه اللجان، وحتّى مايو 2020، لم تُصدر اللجنة الوطنية تقريرها بعد، ولم يتم تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم.
وبحسب الورقة فإن الوثيقة الدستورية لعام 2019، تعتبر إحدى التطورات الإيجابية لاحترام وتعزيز حقوق الإنسان، ورغم أنّ الوثيقة الدستورية، لا تُجرّم – صراحة – الاختفاء القسري، إلّا أنّها تنص على حظر التعذيب والعبودية، كما تنص – كذلك – على حماية حقوق المحاكمة العادلة. ومن الممكن استخدام هذه التطورات الإيجابية لمكافحة الاختفاء القسري وانتهاكات الحقوق المرتبطة بهذه الجريمة.
تعديلات قانونية
وأردف أمير في ورقته: من التطورات الإيجابية في القانون، تجيء التغييرات التي أُدخلت في عام 2020 فى القانون، وخاصة التعديلات التى شملت كُلٍّ من المادة 4 (ب) من قانون الإجراءات الجنائية، والمادة 115 (2) من القانون الجنائي – لحظر تعذيب المتهمين والاعتراف بأنّ التعذيب، يُمكن أن يكون جسدياً أو نفسياً. وتُعتبرهذه التعديلات خطوات ضرورية، لمواءمة القوانين السودانية مع التزامات القانون الدولي، ورغم أنّ هذه التدابيرغير كافية، إلّا أنّها تُشير إلى تحوُّل إيجابي في موقف الدولة، ومؤشّر لاستعدادها لتعزيز حماية حقوق الإنسان في البلد.
وأبانت الورقت أن مجلس الوزراء السوداني وافق في 6 أكتوبر 2020، على المُصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وإتفاقية مناهضة التعذيب، وأن المُصادقة على هذه المعاهدات ستشكّل خطوة مهمة إلى الأمام للبلاد، من حيث الإيفاء بإلتزامها بمنع الاختفاء القسري وحماية شعبها من هذه الجريمة. وزاد:عليه، تُعتبر هذه الفرصة لحظة أساسية لواضعي السياسات للعمل على تعزيز الإطار القانوني، ووضع تدابير مناسبة لمنع الاختفاء القسري والحماية منه.
ودفعت الورقة بحزمة من التوصيات للحكومة والمجتمع المدني، وطالبت التوصيات الخاصة بالإطار القانوني بالمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التالية: (أ) الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وقالت: نُشيد بالقرار الأخير لمجلس الوزراء الصادر بتاريخ 6 أكتوبر للمصادقة على الاتفاقية والمصادقة على المادة 31 دون تحفُّظ، والتي تسمح للجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري، بتلقي البلاغات الفردية.
(ب) البرتكول الاختياري لاتفاقية مُناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المُهينة.
(ج) البرتكولان الأوّل والثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
(د) نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
(ح) رفع الحصانات والعقبات الأُخرى التي تحول دون المساءلة في قضايا الاختفاء القسري.
(خ) إلغاء حصانات مُرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان على النحو المُبيّن في قانون قوات الشرطة وقانون القوات المسلحة لعام 2007.
الإصلاحات القانونية
(أ) إصلاح التشريعات الوطنية لتتوافق مع التزامات السودان الدولية، واعتماد تشريعات محلية تُجرّم الاختفاء القسري والتعذيب. الأخذ في الاعتبار أفضل الممارسات التي حدّدتها لجنة الأُمم المتحدة – فريق العمل المختص بإنهاء الاختفاء القسري، بشأن الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية.
(ب) اتخاذ تدابير مناسبة لمكافحة انعدام الأمن والعنف والاستخدام المُفرط للقوة من قِبل قوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة وغيرها من هيئات إنفاذ القانون.
(ج) تعزيز وتقوية السياسات وتنفيذ التدريبات اللازمة لمنع تعاون الشرطة مع المُتاجرين والمُهرّبين.
(د) توفير التدريب – دورات تدريبية – حول مراعاة حساسية النوع الإجتماعي (الجندر) وحقوق الإنسان لمسئولي إنفاذ القانون.
(ح) تعزيز التعاون مع الدول الأُخرى، لتحديد حالات الاختفاء القسري، والبحث عنها والتحقيق فيها، ومحاكمة / مُقاضاة مرتكبيها. وشددت الورقة على وجوب مُراعاة التوصيات الصادرة من فريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري، بشأن المعايير والسياسات العامة، لإجراء تحقيق فعّال في حالات الاختفاء القسري.
(خ) التأكُّد من أنّ ظروف الاعتقال والاستجواب الأوّلى واحتجاز المُشتبه بهم، تتوافق مع المبادىء التوجيهية والتدابير الخاصة بحظر ومنع التعذيب والمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المُهينة في أفريقيا (إرشادات جزيرة روبن).
(هـ) ضمان أنّ المحتجزين، بما في ذلك المهاجرين المعتقلين، مُحتجزون دائماً في أماكن احتجاز رسمية ومُسجّلين، مع السماح لهم بالاتصال بمحامي.
(ع) مُراعاة الاحتياجات والواقع الخاص بالنساء المُحتجزات، على سبيل المثال، وضع تدابير حماية خاصة للنساء الحوامل المحتجزات، يجب فصل النساء المحتجزات عن الرجال المحتجزين، ووضعهن تحت الإشراف المباشر للسيدات.
(غ) مُراعاة الضعف الخاص للمهاجرين (الذين يواجهون مخاطرمُتزايدة لانتهاكات حقوق الإنسان والاختفاء القسري) عند تصميم وتنفيذ أنظمة وبرامج الهجرة وسياساتها وممارساتها.
(ف) الإيفاء بالالتزامات المُستمدة من الميثاق الأفريقي، بما في ذلك، تقديم التقارير المتأخرة عن التقدّم المُحرز في حقوق الإنسان فى السودان، إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
جبر الضرر والتعويض
وفي هذا الجانب طالبت الورقة بـ:
(أ) منع وإنهاء أعمال الاختفاء القسري، وضمان الحقوق والوصول إلى سُبل إنصاف سريعة وفعّالة، كوسيلة لتحديد مكان وجود الأشخاص المحرومين من حريتهم.
(ب) إنشاء قاعدة بيانات رسمية لضحايا الاختفاء القسري، بما في ذلك، معلومات الحمض النووي ذات الصلة من أقاربهم.
(ج) وضع سياسات شاملة للبحث عن المفقودين (بما في ذلك المهاجرين المختفين)، ويشمل ذلك، توفير الموارد والخبرة التقنية (مثل موارد الطب الشرعي)، مع أهمية أن تضع الدولة في الاعتبار التوصيات ذات الصلة، الصادرة من فريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ووضع إجراءات وتدابير مؤقتة لإزالة العوائق التي تحول دون تلقّي أقارب الأشخاص المختفين للخدمات الإجتماعية، في حالة عدم وجود شهادة وفاة، أو معرفة مكان أحبائهم. إنشاء قرينة الوفاة أو من الناحية المثالية، شهادة غياب لأسباب الاختفاء القسري، لحين معرفة مصير الشخص المختفي.
(د) وضع برنامج شامل يُراعي حساسية النوع الاجتماعي (الجندر)، لحماية الضحايا والشهود لضمان عدم تعرّضهم للانتقام. وكذلك، العمل على تسهيل الوصول إلى المحاكم للذين – قد – يواجهون عقبات في المشاركة (خاصة النساء).
(ح) ضمان مُراعاة تدريب القضاة وغيرهم من العاملين في القضاء على حساسية النوع الإجتماعي (الجندر) وحقوق الإنسان، لتمكينهم من هذه الحساسية.
(خ) توفير التمثيل القانوني والمساعدة القانونية لأولئك الذين لا يستطيعون تحمّل نفقات تكاليف توكيل محام.
(هـ) تقديم معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص، وأماكن احتجازهم، لأُسر المحتجز أو محاميه أو غيرهم من الأشخاص ذوي المصلحة المشروعة.
(ع) ضمان الحق في جبر الضرر لضحايا الاختفاء القسري، باستخدام تعريف واسع وشامل
(غ) لـ (الضحية)، ليشمل التعريف، الاعتراف بأفراد أُسر المختفين كضحايا.
(ف) توفير إنصاف مناسب، بما في ذلك رد الحقوق ورد الاعتبار والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم تكرار الاختفاء القسري للضحية.
(ق) اعتماد المعايير الدولية في عمليات استخراج الجُثث من المقابر الجماعية.
(ث) إنشاء آليات فعّالة لضمان وصول الضحايا إلى الحقيقة (على سبيل المثال – من خلال لجان الحقيقة عند الاقتضاء).
(ص) مُراعاة منظور عدالة النوع الاجتماعي (الجندر) في تنفيذ جميع التدابير المذكورة أعلاه، بما في ذلك، ضمان وصول النساء الضحايا والأقارب إلى حقوقهن على قدم المساواة مع الرجال.
(ض) إيلاء اهتمام خاص للعقبات التي تمنع النساء ضحايا الاختفاء القسري من التمتُّع بحقوقهن المتساوية المكفولة للرجال (مثل الالتزامات العائلية ومحدودية الوصول إلى المعلومات)، وإنشاء آليات فعّالة للتصدّي لهذه العقبات.
المجتمع الدولي
وجاءت التوصيات الاخيرة للمجتمع الدولي، لاسيما لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وطالبت الورقة بـ:
دعم الحكومة السودانية في تنفيذها للقرارات والمساعدة في المصادقة على المعاهدات خاصة – الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واتفاقية مناهضة التعذيب)، بينما طالبت التوصيات الخاصة بمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان بتقدير تقديم المساعدة الفنية للحكومة السودانية لتدريب المحامين والقضاة وغيرهم من الموظفين التشريعيين والقضائيين.