الخميس, نوفمبر 21, 2024
تحقيقات

النيل الأزرق.. تفاقم أزمة المياه وآمال المواطنين معلقة على (الصهاريج)

تحقيق: هويدا من الله

التمتع بمخزون مائي كان سبباً رئيساً في إنشاء سد الروصيرص، فمدينة الدمازين تطل على النيل الأزرق، ورغم ذلك لا يلبي السد حاجة سكان ولاية النيل الأزرق من المياه، وفوق ذلك كله تم دمج فاتورة المياه مع فاتورة الكهرباء، الأمر الذي اعتبره مواطنون إضافة للأعباء على كاهلهم، خاصة مواطني (الأحياء الشمالية) بمدينة الدمازين ومنها (الثورة، النصر شرق وغرب، بانت، أركويت، الهجرة شرق وغرب)، الذين أرهقهم السهر وأنهكتهم المعاناة وطول الانتظار لنقطة ماء تروي ظمأهم.

دمج الفاتورة

مدير إدارة المياه بالإنابة بالدمازين المهندس وليد هارون، قال لـ (مدنية نيوز) إن قرار ربط فاتورة المياه بالكهرباء هو قرار مركزي تمت إجازته بواسطة المجلس التشريعي منذ العام 2014م وترك مسؤولية تنفيذه في الولايات لإدارات المياه بالولايات.

وأضاف أنه تم تنفيذ القرار بولاية النيل الأزرق في العام 2018م، ولم يتم التنفيذ بصورة شاملة في كل الأحياء، بل تتم عمل دراسة مسحية لمدة (3) أشهر ومن بعد التأكد من توفر المياه في الحي المعني يتم دمج الفاتورتين، وحتى الوقت الراهن تم دمج (60%) من أحياء الدمازين.

وأبان وليد، أن الغرض الأساسي من هذا الدمج هو تجويد خدمة المياه والوصول إلى أماكن الأعطال والصيانة في وقتها لأن الدفع المقدم يجعل المواطن أكثر حرصاً على التبليغ الفوري، وأيضاً لرفع المعاناة عن كاهل المواطن في عملية السداد، كما يتيح دمج الفاتورتين للمواطن حرية إيقاف سداد فاتورة المياه في حالة انقطاع الإمداد.

انقطاع الإمداد.. الأسباب والحلول

ومن جانبها أوضحت مسؤولة مياه الأحياء الشمالية المهندسة تماضر محمد عثمان لـ(مدنية نيوز) أمس الأول، أن المشكلات الكبرى للمياه تكون في فصل الصيف، وهو يعتبر وقت الذروة بالنسبة للسودان أجمع، وذلك للاستهلاك المتزايد للمياه، بالإضافة إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء.

وقالت المهندسة تماضر، إن عدم توفر المياه في الأحياء الشمالية ليس عاماً، بل يحدث الانقطاع في فترات مختلفة وتتم المعالجة في حالات التبليغ بعد الزيارة الميدانية للتأكد من صحة البلاغ ومعرفة أسباب الانقطاع ومن ثم كتابة الملاحظات، وفي حال كانت المشكلة بسيطة يتم تأجيل سداد فاتورة المياه، أما في حالة الأعطال الكبيرة التي تحتاج شهوراً لإصلاحها يتم إيقاف السداد لحين إصلاح العطل حتى لا نفقد المستفيد.

ومن جهته لم ينفِ المهندس جابر الشيخ، من مكتب الأحياء الشمالية لـ (مدنية نيوز)، عدم توفر المياه في بعض المنازل، وأشار إلى أن الإدارة لديها الخرائط التي توضح ذلك، وأنهم ساعون لمعالجة تلك المشكلة بصورة جذرية.

وذكر جابر، أن بعض المواطنين يستغلون الانقطاع غير المنتظم لعدم سداد فاتورة المياه، خاصة وأن المواطن في الأحياء الشمالية أقل استهلاكاً للكهرباء لحداثة المنطقة والخدمات فيها، وأن شراء كهرباء بقيمة (100) جنيه للأسر الصغيرة يتم استهلاكها لأكثر من شهر، مما يتسبب في تراكم قيمة فواتير المياه، فيضطر بعض المواطنين للتبليغ بعدم توفر المياه حتى يتم إعفاؤهم من قيمة ما مضى من الشهور، أو تقسيم المبلغ إلى أقساط بعد الزيارة الميدانية، وأضاف: “هنالك بعض المناطق تتوفر فيها المياه في الفترات المسائية فقط، وفي هذا الوضع تصعب المهمة على فريق الزيارة الميدانية، وفي مثل هذه الحالات تضطر الإدارة لاتخاذ قرار نزع خرطوش المياه للتأكد من عدم الإمداد نهائياً، وعند رفض المواطن لهذا القرار نتأكد من أن المياه غير منعدمة تماماً، بل تتوفر في وقت متأخر من الليل”.

ومن ناحيته لفت مدير الإدارة العامة للكهرباء في ولاية النيل الأزرق محمد أحمد عبد القادر، في إفادة لـ (مدنية نيوز)، إلى أن قرار ربط فاتورة الكهرباء مع المياه هو قرار مركزي تم فرضه على إدارة الكهرباء، وهي جهة متحصلة بنسبة معينة، وليست مسؤولة عن هذا الدمج، ويمكن لأية جهة أخرى دمج فاتورتها مع إدارة الكهرباء مقابل نسبة ربحية يتم الاتفاق عليها.

معاناة الأحياء الشمالية

وقالت المواطنة بحي الثورة دار النعيم أحمد، لـ (مدنية نيوز) إنها تسهر لوقت متأخر من الليل في انتظار المياه، وذكرت أن بمنزلها حفرة عميقة جداً تضع فيها صحناً صغيراً حتى تتمكن من ملء (3) أو (4) (جرادل) من المياه، وهذه الكمية القليلة تكلفها عناء السهر حتى آذان الفجر، وتساءلت: (هل هذه الكمية وهذا السهر يستحق دفع فاتورة مياه؟).

أما المواطن بحي أركويت نصر الدين سيد، فقد ذكر أنه رغم الحفرة العميقة مكان الماسورة إلا أنه لا تأتيه نقطة ماء واحدة في حالة سبقه جاره بتشغيل (موتور المياه)، وعندما ينتظر دوره بعد فراغ جاره يغلب عليه النعاس ليصبح الصباح وهو عطشان، فيشتري من أصحاب (الكارو) بسعر (350) جنيهاً إلى (400) جنيه للبرميل.

وأضاف أنه يحرص في اليوم التالي على أن يسبق جاره في فتح الحنفية حتى يتمكن من توفير القليل من الماء، وبذلك يقلل من كمية شراء المياه من أصحاب (الكارو)، وأنه ذهب في الشهر الماضي لشراء الكهرباء، وطلبوا منه قيمة فاتورة المياه، فأخبرهم بانقطاع الخدمة منذ الشهر الماضي، وأنه قضى أسبوعاً كاملاً جيئة وذهاباً بين مكاتب إدارتي الكهرباء والمياه فأخبروه بأن الفريق الميداني سيصل إلى المنزل لمعاينة المكان وتحديد الخلل ولكن تنقصه وسيلة الحركة، فقامت الإدارة باستثنائه من سداد شهر (نوفمبر) فقط لحين وصول فريق الزيارة الميدانية وتحديد الخلل.

ولم تذهب المواطنة بحي الهجرة شرق إنصاف عيسى، بعيداً عما ذكره من سبقوها، وأبانت أن المياه أحياناً تنقطع عن منزلهم لأسابيع ثم تعود وتنساب بشكل بطيء لفترات قصيرة، ورأت أن تلك الخدمة المتقطعة لا تستحق دفع رسوم، وأوضحت أنها ذهبت لإدارة المياه لإيقاف سداد الفاتورة ولعدم توفر فريق الزيارة الميدانية ليلاً وضعوا لها (مصحفاً) لكي تحلف عليه ليتأكدوا من صدق ما تقول.

حوض من الطوب

ومن ناحيتها قالت المواطنة بحي الشاطئ إشراقة الشافعي، لـ (مدنية نيوز): “قمنا بعمل حوض من الطوب والأسمنت بعمق متر تقريباً في مكان حنفية المياه وترك الخرطوش داخل الحوض حتى نتمكن من احتجاز المياه في أوقات توفرها في الليل لأننا أصبحنا غير قادرين على الاستمرار في السهر، فنقوم باستخدام ما نجده داخل الحوض في غسل الملابس والاستحمام، أما مياه الشرب فنقوم بشرائها من أصحاب (الكارو)”.

وتابعت: “ما زلنا ندفع رسوم المياه لأن الإدارة تعتبر ما نحصل عليه من كميات بسيطة للغاية من المياه خدمة تستحق دفع الفاتورة”.

من المحررة:

يواجه سكان ولاية النيل الأزرق معاناة عامة نتيجة لعدم توفر الإمداد المائي، ولكن تتفاقم الأزمة كلما اتجهنا شمالاً. وطبقاً لمتابعات (مدنية نيوز)، تبقى آمال وطموحات المواطنين في عمل صهاريج حسب ما تقتضيه الحاجة لكل (3) أو (4) أحياء، وأنهم على استعداد للمساهمة الشعبية لدعم الجهود الرسمية لينعم الجميع بخدمة المياه بوصفها (عصب الحياة).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *