أوضاع النازحين بدارفور… تردي الخدمات والأمن ومطلوبات الحماية
الفاشر: هانم آدم
سبعة عشر عاماً منذ أن اندلعت الحرب في دارفور وخلفت آلاف المشردين والنازحين واللاجئين الذين هربوا من قراهم ومناطقهم الأصلية، لتصبح المعسكرات هي ماواهم الدائم. وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقيات السلام بين الحكومة والحركات المسلحة، إلا أن أوضاع أولئك المواطنين بقيت على حالها، في حين أن تلك الاتفاقيات وقعت لأجل إصلاح حالهم حسب الموقعين.
معسكر (أبوشوك) للنازحين أحد المعسكرات المعروفة بمدينة الفاشر والذي يحكي عن واقع أناس يعيشون على هامش الحياة.
للدخول إلى ذلك المعسكر خاصة هذه الأيام (الخريف) تجد صعوبة بالغة، فالأمطار التي بدأت في الهطول خلفت وضعا صحيا وبيئيا شديد التعقيد، فالشوارع ضيقة والمنازل لا تتجاوز (١٠) أمتار مربعة.
ورغم قساوة الأوضاع ترى الأطفال وهم يلعبون في المياه، وآخرون يركضون هنا وهناك وهم يحملون أقمشة يستعملونها لقبض (الجراد) الذي يتواجد في هذا الفصل.
وكان لزاما على (مدنية نيوز) الوصول إلى داخل المعسكر والوقوف على مجمل الأوضاع، خاصة الأمنية والصحية بعد خروج البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) وانعكاس اتفاق السلام الموقع في جوبا على حياتهم، ومعرفة آرائهم حول موقف الحكومة تجاه تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير لمحكمة الجنايات الدولية.
سوء التغذية
المواطنة دار السلام، التي تعمل ضمن لجنة الخدمات والتغيير بمعسكر (أبو شوك) (نيفاشا)، اكتسى وجهها بمسحة حزن وهي تحاول أن تعكس لنا معاناتهم داخل المعسكر، وشكت من وجود نقص في الغذاء وانتشار حالات سوء التغذية بسبب توقف إمداد الغذاء، واتهمت بعض منسوبي الإدارات الأهلية وبعض الموظفين الذين وصفتهم بالكبار بأنهم السبب وراء هذه الخطوة، وأشارت إلى أنهم أسهموا في تقسيم النازحين إلى (٣) فئات، الأول كرت مستمر والثاني موسمي ويقصد به منح الغذاء لمدة (٦) أشهر ويمنع (٦) أشهر أخرى، وهذه الفئة دعمها متوقف منذ عام وأكثر.
وقالت دار السلام، أما الفئة الثالثة فتسمى بخارج النطاق وهذه الفئة متوقف عنها الغذاء منذ (١٢) عاماً، على الرغم من وجود أرامل وأطفال يتامى ومسنين، الأمر الذي جعل أكثرهم يتوجهون للعمل بالكمائن.
وتابعت: هناك امرأتان وضعتا أطفالهن وهن يعملن في الكمائن، وكانت إحداهن قد رزقت بتوأم، وزادت: في أحيان كثيرة لا يتوفر العمل إلا بوجود (واسطة) وقد يصادف ألا تجد المرأة النازحة عملا فترجع لمنزلها خاوية اليدين، وفي هذه الحالة تلجأ لجارتها وإن وجدت عندها شيئاً يتم اقتسامه ليأكلوا جميعا.
وتتحسر دار السلام، للمعاملة القاسية التي تجدنها النازحات من قبل كثير من أهل المدينة، وفي أحيان كثيرة يوصد الباب أمامهن، وأنها سمعت مقولة (كرهتونا يا النازحين).
انتظار (الكرتة)
وواصلت دار السلام ونبرات الحزن قد طغت على صوتها: حاليا أبناؤنا صاروا يأكلون (كرتة) المطاعم، حيث ينتظرون حتى يخلص الزبون أكله ومن ثم يتوجهون لما تبقى بالصحن وهم (يتخاتفوت)، فإذا وجدوا بقية طعام يأكلون وإذا لم يجدوا ينتظرون زبونا آخر.
وشكت دار السلام، من انتشار مرض سوء التغذية وسط الأطفال والحوامل، وانعدام الجانب الصحي بالمعسكر، وقالت (نحن مدمرون تماما، وأشارت لانعدام الأمن، وذكرت: (الجزئية الصغيرة التي تحققت من السلام سمحة ولكن لا يوجد أمن)، وطالبت بضرورة إرجاع الكروت، من أجل توفير الغذاء.
واتهمت دار السلام، بعض منسوبي الإدارات الأهلية ببيع المضخات التي أقامتها المنظمات، لأفراد يملكون المال، ويقوم هؤلاء بملء (الباقة) للسكان مقابل (١٠) جنيهات، ولفتت إلى أن أحد صهاريج المياه تم بيعه لأحد الأشخاص وهو بدوره يمنع أي شخص من الاقتراب للحصول على المياه ويحمل فأسا يهدد بها الأهالي وقد قام بضرب امرأة ذات مرة حتى اسعفت بالمستشفى.
كما شكت دار السلام، من انتشار المخدرات بسوق (كولمبيا)، وقالت: لانعدام العمل يذهب الشباب إلى هناك.
وتساءلت عن برنامج ثمرات وزادت: سمعنا أنه يمنح الأسرة بالفرد غير أن معسكر السلام تم منحه (بالبرمة) أي أن البرنامج مخالف لما سمعوه، حيث تمنح كل أسرة (٦) آلاف، وهنا تكمن الإشكالية، وأشارت إلى أهمية تمليك المواطنين طريقة عمل ذلك البرنامج، وطالبت بألا يكون هناك وسيط في برنامج ثمرات ويكون التعامل بين النازح ومسئول البرنامج.
وشددت في ختام حديثها على أنهم لا يرفضون السلام لكنهم ينشدون الأمن.
ذكريات مؤلمة
عامرة هارون، من مواليد منطقة (بورما) تعمل في بيع الطعمية والعطور رغم العاهة الظاهرة في أحد ساقيها نتيجة إصابتها إبان الهجوم عليهم في ٢٠٠٣م، ولم تفلح (١٨) عملية جراحية أجريت لها في أن تعيد لها ساقها كما كانت.
عامرة، حملت على عاتقها تربية اخوانها بعد أن فرقتهم الحرب عن والدتهم ووالدهم الذي فضل الموت على أن ينزح في ذلك الوقت، وقالت إن الأمن حاليا شبه مستقر، غير أن منظر ذبح ابن عمها الذي ذبح وهو يدافع عن شرف ابنته، وآخرين يطلب منهم أن (يزغرتو) لأن بناتهم مستورات وذلك بعد اغتصابهن، وأشارت إلى أن تلك الاحداث ما تزال بمخيلتها رغم أنها لم تتجاوز الصف السادس.
عامرة، طالبت بمزيد من الحماية خاصة للعاملات في كمائن الطوب واللائي يخرجن للاحتطاب، وطالبت بسرعة الإنتباه لأوضاع الأطفال الذين أدمنوا أنواعا مختلفة من المخدرات مثل (الطفل الهارب، أنهي شبابك، الخرشة، والبنقو)، وقالت: بسبب الأوضاع المعيشية فإن معظم الأطفال يتم استغلالهم في البيع, وطالبت بتوفير مشاريع مدرة للدخل وإنشاء مراكز لليافعين، وتوفير الغذاء من قبل المنظمات.
تحقيق العدالة
عزيزة محمد، التي نزحت من قرية (شكشقو) لم تنمح من ذاكرتها لحظات الهجوم على قريتهم منذ العام ٢٠٠٤م، ونزوحهم حتى وصلوا واستقر بهم المقام بالمعسكر، وتمسكت بالقصاص ممن كانوا سببا في تدمير حياتهم وجعلهم يسكنون بالمعسكر بمساحة لا تتجاوز (١٠) أمتار، وتابعت: لن أخرج من المعسكر أو أعود لقريتي عودة طوعية أو أدخل للمدينة مالم يسلم عمر البشير وأتباعه لمحكمة الجنايات الدولية، وقالت: لابد أن يتم تسليمه، والا فإننا لا نضمن من يأتي أيضا ويظلمنا. وشكت عزيزة، من عدم استقرار الوضع الأمني بالمعسكر، وحدوث حالات اغتصاب للنساء عندما يذهبن لجلب المياه أو الاحتطاب.
قوة مشتركة
أما المواطنة حورية صالح، التي نزحت من قرية (توبو) فقد أشارت لانعدام الأمن، وقالت: في السابق كانت (يوناميد) تطوف على المعسكر (٣) مرات في اليوم، ولكن حاليا لا توجد قوة لتقوم بهذا الدور، وطالبت بتوفير قوة إسعافية مشتركة من الجيش والذين وقعوا على اتفاق السلام لأجل حماية المدنيين.
وحول تحقيق العدالة تساءلت حورية (لماذا لم يسلم الرئيس المخلوع وأتباعه لمحكمة الجنايات الدولية؟)، وأردفت: على الرغم من أنه مسجون غير أن اتباعه بالخارج لا زالوا يخربون، وقطعت بقولها إنه إذا لم يسلم للجنائية فإن السلام لن يكتمل والقرى لن تؤمن، والوضع الإقتصادي سيكون مزعزعا، وشددت على أهمية أن تأخذ العدالة مجراها.
انعدام الأمن
(نسمع صوت رصاص عشوائي بالليل)، بهذه الكلمات بدأت آسيا إبراهيم، حديثها في إشارة منها إلى أن الأمن غير مستتب، وأبانت أن خروج (يوناميد) جعل الكثير من النساء يعانين ويتعرضن لكثير من الانتهاكات والمخاطر، وطالبت بالإسراع في عملية الترتيبات الأمنية لحماية المزارعين، كما نبهت للمعاناة في الجانب الصحي وانتشار سوء التغذية وسط الأطفال وكبار السن والحوامل.
وقالت آسيا: إن تسليم البشير وأتباعه للجنائية من واجبات الدولة إن أرادت تطبيق العدالة، واستنكرت وجوده حتى اليوم داخل البلاد.
ولفتت آسيا، إلى سوء الأوضاع وذكرت: سنويا وفي فترة الخريف نفقد مابين (٣٠_٤٠) شخصا إما بسبب انهيار حائط أو حمام أو غرفة.
قصور ومطلوبات
المحامي والناشط الحقوقي محمد إبراهيم نكروما، قال ل(مدنية نيوز) أمس الأول، إن قرار خروج (يوناميد) جاء بعد تقارير للأمم المتحدة والحكومة بتحسن الأوضاع، ويفترض أن تضطلع الحكومة بدورها ومسئوليتها في حماية المدنيين، ولذلك أصدرت الأمم المتحدة قرارها بالانسحاب التدريجي للبعثة من السودان، ويتم تسليم المقار للحكومة السودانية لتقوم بدورها، ولكن من خلال التجربة والانسحاب التدريجي اتضح وجود قصور كبير لحماية المدنيين، وأنه لا توجد جاهزية واضحة من الحكومة قبل التغيير وحتى الوقت الراهن في كيفية حماية المدنيين في المعسكرات أو المدن والقرى و(الحلال)، بسبب الإمكانيات الكبيرة المطلوبة، بجانب الرغبة والإرادة السياسية.
حرج أممي
وتابع محمد: هذا الأمر جعل الأمم المتحدة وفي كثير من اجتماعاتها تقيم القرار وتدخل في حرج كبير بخروجها وعدم جاهزية الحكومة لتحل محلها، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة العنف بشتى أنواعه وعدم الأمن في كثير من أرجاء دارفور، الأمر الذي جعل بعثة الأمم المتحدة تأتي للبلاد في محاولة منها لدعم الحكومة فنيا وتصل معها لتفاهمات في كيفية حماية المدنيين، وحتى لا تقع الحكومة في حرج أخلاقي إذا انفلت الأمر، لأنها قررت الانسحاب بناء على تقاريرها.
وتابع: وحاليا في المراحل الأخيرة للانسحاب، ولكن رغم اتفاقية السلام فهناك ارتفاع في وتيرة النزاع بدارفور في ظل عدم وجود قوة جاهزة للقيام بمهام الحماية. وللعلم فإن هذه القوة (القوة المشتركة الجديدة) مكونة من قوات مختلفة ولا يوجد بينها انسجام، أو مركز تدريب وتأهيل موحد، بجانب انعدام الثقة بين مكونات هذه القوة والمواطن الذي من المفترض أن تقدم له الخدمة، واعتبر ذلك إشكالا كبيرا يواجه الحماية.
وذكر نكروما: أضف لذلك (ما هي الإمكانيات المالية والقدرات المتوفرة للحماية؟) في ظل الصعوبات الاقتصادية، وكرر قوله: عموما فإن الأمم المتحدة في حرج كبير بسبب قرار خروجها من دارفور، خاصة أن الموسم الزراعي على الأبواب ومن المتوقع أن تحدث الكثير من الانتهاكات وفقدان للحياة إذا لم تتوفر الحماية، ومطلوب من بعثة حماية المدنيين التابعة للأمم المتحدة وحكومة السودان معالجة هذا الأمر.