الجمعة, يوليو 26, 2024
مقالات

أحزمة السودان الخمسة..!

بقلم: د. مرتضى الغالي

قدّمت الحكومة المدنية قبل أسابيع خطة للتنمية الشاملة التي تضع الأساس للتوزيع العادل للموارد وثمرات التنمية التي تراعي مناطق السودان جميعها، من أجل هزيمة منطق التهميش وكسر معادلة محاباة المدينة على حساب الريف.. وهي معادلة قائمة بصورة أو أخرى منذ استقلال السودان! وقد أطلق رئيس الحكومة المدنية على هذه الخطة التي تأخذ ملامح الاستراتيجية (أحزمة السودان الخمسة)..! وهي رؤية اختراقية نشأت من تفكير (خارج الصندوق) إبان عن نهج جديد يستهدف إحياء كل قطاعات الوطن الجغرافية والتركيز على ما يحمله كل قطاع من موارد وثروات وإمكانات وثروات كامنة، بحيث ينهض كل قطاع أو حزام بما فيه من مميزات، ثم تتكامل كل هذه المقومات لتصنع التنمية القومية التي تنتظم كل مكونات الوطن.

ويبقى أن تتضافر جهود الاقتصاديين والسياسيين والتنكنوقراط والشراكات التي تتكوّن من القطاع الحكومي والمجتمع المدني وقطاع الأعمال للإسهام في هذه الخطة من أجل تنمية الوطن على نهج جديد يرمي إلى تعظيم عوائد موارد السودان الزراعية والحيوانية والغابية والصناعية والخدمية؛ بحيث تصبح المهمة التشاركية مستندة على إدارة عجلة التنمية في هذه الأحزمة بهدف إعادة تشبيك لحمة الوحدة الوطنية وتمتين النسيج الوطني من جديد بعد أن عملت مقصات الإنقاذ في تمزيق هذا (القماشة الرفيعة) وتدمير كل الإمكانات الهائلة التي تذخر بها البلاد وتعطيل عجلة الانتاج في جميع أقاليم السودان.

والمطلوب أن نجعل من خطة الأحزمة الخمسة الطريق الأمثل نحو النهضة الشاملة و(موضع السجدة) في ملحمة التنمية، وأن نعض عليه بالنواجذ ونوسّدها شغاف القلوب وخلايا العقول ونساندها بكل ذرة من قوانا.. فحديث رئيس الحكومة عن هذه الأحزمة يلفت الانتباه إلى ضرورة التنمية المتوازية والمتوازنة والعدالة الاجتماعية الحقة؛ باعتبار أن كل منطقة من هذه الأحزمة الخمسة هي مصدر ثراء لا نظير له، وأن لكل حزام منها تكامله البديع و(ميزته التفضيلية) من الثروات الكامنة والإمكانات الهائلة والثمار الدانية و(البركات الواعدة) والمستدامة التي يمكن أن تصب في (بحيرة الوطن العمومية) بما يجعل بلادنا تطفو على سطح الدنيا وتضاهي أعرق وأكبر وأغنى وأعتى اقتصادات العالم في الموارد والثروات حتى تزهو شجرة هذا الوطن الجميل بثمارها اليانعة وتزهر التنمية مثل زرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقِه يعجب الزرّاع ويتواشج مع الدول الحية التي خرجت من قاع الفقر والفاقة إلى مرافئ النهضة والرفاه.

كل قطاع من مواقع هذه الأحزمة الخمسة له خصوصيته الاقتصادية التي تنسجم مع طبيعته ومناخه وموارده وحياة ساكنيه.. وكل خطوة تنمية فيه تجعل إنسانه في رغد من العيش وتحفظ له المساهمة في (الخير العام) وفي ازدهار الوطن وإنعاش (الوجدان القومي) والاقتصاد الوطني والخزانة العامة. ولننظر وباسم الله العظيم إلى هذه الأحزمة: الحزام الأول: هو حزام التمازج حزام السافنا الغنية و(الطبيعة السخية) الذي يمتد من (أم دافوق الخضراء) على حدود البلاد مع إفريقيا الوسطى إلى الكرمك عل الحدود الإثيوبية.. وهو حزام الزراعة المُثمرة والمراعي الخصيبة والثروة الحيوانية والنفط والمعادن النفيسة.. ثم يأتي الحزام الثاني: الممتد من النيل الأبيض إلى الجارة تشاد.. حزام الصمغ العربي وحزام (الهشاب النضر الجميل) وحسبك أنه يشتمل على كردفان ودارفور بكل محاصيلها وثروتها الحيوانية والجواهر الدفينة والكنوز الخبيئة التي لا تحتاج إلى (قرع الأجراس).. ثم الحزام الثالث: حزام المياه المتدفقة و(الأنهار الطروبة) من النيل الأبيض إلى نهر عطبرة مروراً بالرهد والسوكي و(الأرض الشبقة) التي تروي نفسها بنفسها ومشروع الجزيرة الذي أراد الإنقاذيون دفنه فوقف النيل ينظر إلى مراسم دفن نواياهم على أيدي شباب الثورة الديسمبرية العظمى.. ثم الحزام الرابع: وهو الحزام النيلي و(الجروف الحُبلى) والمحاصيل النوعية والبساتين من الخرطوم وشمالاً على طول الطريق إلي (حلفا دغيم) على الحدود المصرية.. ولا تقل لي إن الصحراء السودانية هي قفر سبسب و(يباب بلقع) وفلاة خاوية لا معنى لها.. فالعالم اليوم أصبح ينشئ معاهد دراسات الصحراء واستكناه ثرواتها وطاقاتها الدفينة بل إن الرمال الجرداء أصبحت تدُر (القيمة العوائد الدولارية) والخامات الصناعية التي يتنافس عليها المتنافسون.. ثم يأتي الحزام الخامس الرحيب: حزام البحر الأحمر بكل ما ينطوي عليه من قيمة إستراتيجية إقليمية (بل عالمية) وما يحوي من موانئ وخطوط بحرية وبواخر وناقلات واستيراد وتصدير ومعادن وتجارة وسياحة وأسماك وشعب مرجانية وتحلية مياه ومناطق زراعية نوعية وتنوع سكاني مع سحر وجمال السواحل.

مما لا خلاف عليه أن جميع العهود قبل الإنقاذ لم تلتفت بالقدر الكافي إلى تعمير السودان بما يتفق مع إمكاناته وثرواته.. كما لم تفطن في معظم الأحوال إلى ضرورة التنمية المتوازنة وتمتين عُرى البناء الوطني والعدالة الاجتماعية حتى يشعر كل مواطن بقيمته وقيمة إقليمه وبلاده.. وبما أن من المعلوم أن فترات الحكم المدني كانت قصيرة مبتورة لم يتجاوز أي عهد منها الثلاثة أعوام.. فإن مصدر الأزمة والكارثة والبلاء كانت من الذين استمروا في الحكم المُطلق ثلاثين عاماً واستمرأوه.. ولا يزالون يضمرون اعتراض طريق النهضة ومقاومة التغيير ليعيدوا السودان إلى وهدة التخلف والانقطاع عن العالم.

إن الأمر يستوجب أن يتناوله الإعلام بالشرح والإبانة لاستراتيجية الأحزمة الخمسة لتوضيح خريطتها الديموغرافية والطبغرافية والاقتصادية والسكانية عبر استقطاب العارفين من الاقتصاديين والخبراء ليشرحوا للناس ولأصحاب القرار في مختلف المستويات تفاصيل الثروات الكامنة والإمكانات الواعدة.. حتى يجمعوا عليها إرادة وقلوب المواطنين ليبشروا بها ويسهموا فيها ويضيفوا إليها و(يعينوا عليها) بالمبادرة والاستنهاض والتوعية والتداول والابتكار والبرامج، والحض على بداية الإنجاز.. فهذا عمل ينطوي على أهمية قصوى لحاضر السودان ومستقبله.. وتعمير هذه الأحزمة الخمسة هو الطريق إلى دولة السودان العظمى.. وعلى الله قصد السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *