الضرائب.. والفقر والحيض
الخرطوم: ملاذ عصام
“نغيب أنا وأختي عن المدرسة حتى نهاية الدورة الشهرية”.. بدأت “ف” المُقيمة بجنوب الخرطوم والبالغة من العمر 13 عاماً- حديثها بهذه العبارة عندما سألناها عن الدورة الشهرية، هناك عدد من الصيدليات موجودة بالقرب من مكان سكان “ف”، وتتوفر بها الفوط، لكن “ف” لا تملك ثمن الفوط أو أي منتج آخر، وتسخدم بقايا أقمشة وملابس قديمة، لكن لا تتمكن من الخروج من المنزل بإطمئنان مع استخدام هذه الأقمشة.
بقايا الملابس القديمة كانت هي الحل أيضاً لدى سعاد من الجزيرة، وتستخدمها منذ سنوات، وتلجأ الكثيرات لإستخدام فوط ذات جودة أقل أو ردئية لأنها أقل ثمناً.
منتجات
وتوجد عدد من المنتجات الآمنة والصالحة للإستخدام خلال الدورة الشهرية، منها كأس الحيض وقرص الحيض والسدادات القطنية، وملابس داخلية مخصصة للحيض، والفوط القابلة لإعادة الإستخدام والتي تسخدم مرة واحدة “أحادية الإستخدام”، وهي الأكثر إنتشاراً ووفرة، وتختلف أسعارها حسب النوع والشركة المصنعة، حيث يتراوح سعرها حالياً في الخرطوم ما بين 600 إلى 1000 جنيه سوداني للعبوة الصغيرة، وتحتوي ما بين 7-10 فوط، وتحتاج المرأة ما بين 10-20 فوطة تقريباً خلال كل دورة، وتعجز الكثيرات عن توفيرها، مما يساهم في زيادة نسبة التسرب الدراسي للبنات، حيث لا توجد جهة توفر الفوط أو أي منتج من منتجات الدورة، وتعجز الكثيرات عن شراءها بسبب إرتفاع الأسعار، ويزداد الوضع سوءاً مع الإنهيار الإقتصادي وزيادة الضرائب.
ضرائب
وقد صدر قرار من وزارة المالية، بزيادة الضرائب على المناشف الصحية والواقيات الصحية والحفاظات من 3% إلى 10% في بداية مارس الجاري ضمن عدد من زيادات الضرائب على عدد من الأشياء، وفي 2013 عدلت الجمارك الرسوم الواردة على الفوط الصحية إلى 40%، كما أخرجت الفوط من مظلة التأمين الصحي ولاية الخرطوم بعد إدخالها في سبتمبر 2021.
حيث كانت هيئة التأمين الصحي تدفع النصف من قيمة الفوط، واستمر ذلك لعدة أشهر فقط في ولاية الخرطوم.
إلتهابات وحساسية
وذكرت الطبيبة والناشطة في مجال الحيض مروة تاج الدين، “ان إستخدام فوط رديئة الصنع أو الأقمشة وغيرها يسبب مشاكل صحية، وقد تزيد المشكلات المتعلقة بالحيض بسبب استخدام منتجات غير مناسبة وغير صحية أثناء فترة الحيض كالإلتهابات، وبالنسبة لمنتجات الحيض توجد أنواع كثيرة منها الفوط وللفوط أنواع كثيرة وتختلف جودتها وأسعارها، وهي ليست في متناول يد الجميع وتوجد صعوبة في الحصول على المنتجات والفوط ذات الجودة العالية، كما ان الإحتياج أكبر من الموجود في السوق، وقد تجد/ي في السوق والصيدليات عدد من الأنواع المختلفة لكنها ذات جودة رديئة وقد تسبب حكة وحساسية، والمحزن ان الفوط خرجت من مظلة التأمين الصحي بعد دخولها لعدة أشهر، كما ان زيادة الضرائب على الفوط الصحية أمر محزن أيضاً لأن منتجات الحيض هي منتجات أساسية وسلع ضرورية تحتاجها النساء والفتيات في السودان، وهي مهمة وضرورية كالغذاء والدواء ويجب اعفاءها من الضرائب وتوفيرها مجاناً لغير المستطيعات”.
لحاء الأشجار
وأضافت مروة انه بدون زيادة في الضرائب توجد مشكلة في الوصول والحصول على منتجات الحيض، وبالتأكيد عند حدوث أي زيادة ستصبح المشكلة والفجوة أكبر، وسيزيد عدد اللائي لا يستطعن شراء الفوط.
وأفادت عدد من النساء والبنات من جبال النوبة وبعض ولايات دارفور بأنهن يلجأن لإستخدام لحاء بعض الأشجار بسبب ندرة توفر الفوط في بعض المناطق، وإرتفاع أسعارها عندما تتوفر في مناطق أخرى.
الفقر المرتبط بالدورة
وبحسب تقرير لليونسيف عام 2020 فإن النساء والفتيات من خلفيات اجتماعية واقتصادية منخفضة، خصوصاً اللائي يعشن في المناطق القروية ومناطق الصراع، يعانين من ممارسات حيضية غير صحية، والنقص في المنتجات الصحية، إضافةً لعدم الوصول إلى أماكن نظيفة وآمنة لمعالجة دورتهن مما يقود الفتيات للتغيب عن المدرسة والشعور بعدم الأمان والخجل، وتحتاج المرأة الواحدة خلال سنوات الإباضة إلى مايتراوح بين 11 إلى 13 ألف فوطة من الفوط أحادية الإستخدام أو السدادات القطنية بحسب الإحصائيات، وماذكر في الفقرات السابقة يؤدي إلى زيادة الفقر المرتبط بالدورة الشهرية، وعرفته مروة بأنه عدم توفر منتجات الحيض للسيدات والفتيات أو عدم توفر معلومات عن الدورة الشهرية أو عدم توفر مرافق لإدارة الحيض أو عدم توفر طرق ووسائل لإدارة مخلفات منتجات الحيض أو أي مزيج من هذه العوامل أو جميعها.
زيادة الفقر
وبحسب فاطمة أوشيك ناشطة في مجال الحيض ومؤسسة مبادرة فوطة تسد الخانة –لمكافحة الفقر المرتبط بالدورة الشهرية- فإن الأضرار المتوقعة والناتجة عن زيادة الضرائب على الفوط غالباً ماتقع على من كانت لديهن وصولوية لهذه الفوط، وهذا لايمنع تأثر البنات والنساء في المناطق الأخرى اللائي يعتمدن على علاقاتهن الاجتماعية على الصديقات مثلاً وعلى دعومات بأشكال مختلفة في شبكات صغيرة -ولا أعني هنا المنظمات والمؤسسات الكبيرة- بل البنات والنساء الموجودات في أماكن تعطيهن بعض الإمتيازات خاصة في الوصولية قد يتأثرن بذلك ويزيد عدد ساعات إستخدام الفوطة الواحدة وهذا يمكن أن يتسبب في حدوث إلتهابات مصاحبة أو مشاكل صحية أخرى، وكل هذا يؤثر على تمظهرات الفقر المرتبط بالدورة الشهرية وبالتالي سيزيد.
وبالنسبة للتأثيرات على المبادرة فهي ستتأثر لأنها مبادرة مجتمع مدني وحالياً تعتمد لى دعم الجمهور، وأحيانا تحصل على دعم من القطاع الخاص بشكل مسؤولية مجتمعية لذلك يمكن ان تؤثر علينا بشكل مباشر وسنحتاج دعم أكبر دعم مالي بالتحديد، ويمكن أن تصبح الدورات التي نقدمها متباعدة أو يصعب علينا الحصول على دعم مثل الأوقات السابقة، لأن ذلك يعني أن سعر عبوة الفوط سيزيد، وبالتالي الكمية التي يمكننا إيصالها قد تكون أقل بسبب الدعم فنحن نعتمد على الجمهور وهم/ن لديهم/ن احتياجات وأوجه صرف مختلفة واذا هن بنات ونساء -كثير من الداعمات بنات ونساء- ستكون أوجه صرفهن أيضاً زادت.
توفر المعلومات
وأضافت فاطمة “نحن نعتقد أن الفوط التي يُعاد استخدامها والمستدامة قد تكون صديقة للبيئة وصديقة للنساء من ناحية اقتصادية، ولكن في بعض السياقات يصعب اعادة استعمالها إذا لم تتوفر مصادر مياه جارية أو تهوية جيدة أو أشعة شمس أو مصدر حرارة مناسب للتجفيف وشكل الدعم المطلوب في هذا الجانب شيء كبير جدا، يعني المصانع المحلية أو المشاريع المحلية التي تدعم صناعة فوط قماشية محلية توفر كثيراً على المجتمعات الهشة والأكثر تضرراً وتوفر أيضاً من الناحية البيئية لأن التخلص من الفوط الصحية أحادية الإستخدام يمكن أن يكون ملوث إذا كانت البيئة بها مشاكل ومع عدم توفر المعلومة الصحيحة للتخلص منها يمكن ان تسبب مشاكل، ومن الجيد أننا حالياً في مدخل فصل الصيف فالمشاكل يمكن أن تقل مع الفوط المعاد إستخدامها من ناحية التجفيف لكن أيضاً من ناحية الإستخدام الصيف يحتاج عناية شخصية محددة ويحتاج أشياء كثيرة يمكن أن تؤثر سلباً إذا لم تتوفر المعلومة الحيضية الصحيحة لدى البنات أو النساء، خاصة في مناطق النزاع والنزوح وفي سياق الإعاقة وسياق الأقليات بأنواعها لأن وصوليتهن عادة ماتكون محدودة جداً أو شبه معدومة وتكون مرتبطة مباشرة بالأمان الشخصي لهن كنساء وبنات”.
إلغاء الضرائب
وألغت بعض الدول منها إيرلند وأستراليا الضرائب المضافة على الفوط الصحية، وخفضتها دول أخرى منها رواندا وهولندا وفرنسا وأسبانيا، وزادت في السودان كما أُخرجت من التأمين الصحي بعد دخولها فيه لمدة أشهر قليلة في ولاية واحدة.
والجدير بالذكر أننا مازلنا في حاجة إلى مزيد من التوعية حول الحيض ومنتجاته، ودعم المنتجات والإحتياجات المتعلقة بالحيض في كل السودان خاصة في مناطق النزاعات والنزوح، وللبنات في الأعمار الصغيرة والنساء ذوات الإعاقة وكثيرات غيرهن، وكل ذلك وسط إنهيار إقتصادي وأوضاع سياسية وأمنية هشة.