التداعيات الاقتصادية للحرب (4)
بقلم: بخيتة محمد عثمان
بعد كتابتي لمقالاتي السابقة(1، 2، 3)،توقفت عن الكتابة عسى أن أكتب المقالة الرابعة وقد انتهت الحرب ليكون عنوان المقالة الجديدة (إعمار ما دمرته الحرب )، لكنني ها أنا ذا أعود إلى كتابة المقالات لأواصل التداعيات والحرب مستعرة ولم تضع أوزارها وتداعياتها على الاقتصاد أكثر حدة من حيث الدمار والخراب الذي ألحقته به.
اليوم 15/1/2024 تستهل الحرب شهرها العاشر والاقتصاد السوداني يتعرض لصدمات موجعة تسعة أشهر متتالية، حيث أن إطالة أمد الحرب أثر على جميع قطاعاته، فهذه التداعيات الكارثية تسببت في تراجع الاقتصاد بنسبة 42% وفقا للأمم المتحدة، وأدت إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 18,3%، حسب الإحصائيات المتوفرة وهي أكبر نسبة تراجع في تاريخ الاقتصاد. وفي ظل هذا الخراب والانهيار الكامل للاقتصاد ثمة مؤشرات يمكن قراءة أرقامها ودلالاتها لمعرفة تداعيات الحرب على أداء الاقتصاد على سبيل المثال لا الحصر:
● قدر بعض الخبراء الاقتصاديون التكاليف المباشرة للحرب حتى ديسمبر 2023 بأكثر من 100 مليار دولار إذ توقف 70%من النشاط الاقتصادي في السودان وانكمش الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%.
● فقد الجنيه السوداني 70-80% من قيمته حيث تجاوز سعر الصرف الرسمي حتى اليوم في بعض البنوك ال 900 جنيه،حسب نشراتها المعلنة وتخطى حاجز ال 1000 ج في السوق الموازي. والمعروف أن الانخفاض في سعر الصرف يؤدي إلى تآكل رؤوس أموال البنوك والمستثمرين التي تمثل 10% فقط لأن 90%من الكتلة النقدية متداولة خارج نطاق النظام المصرفي.
● فقد قرابة ال ملايين شخص لوظائفهم في القطاع الخاص، إضافة إلى عدم صرف الاستحقاقات ولشهور.
● بحسب الخبراء الاقتصاديين تراجع معدل الصادرات في البلاد إلى معدل شهري بلغ 32 مليون دولار فقط بعد أن كانت المعدلات تصل إلى 417 مليون دولار شهريا قبل اندلاع الحرب وتحديدا في العام 2021 هذا إضافة إلى عدم الإعلان عن بيانات التجارة الخارجية والتكتم عليها.
● العجز في الميزان التجاري السوداني حتى مارس 2023 بلغ 3,5 مليار دولار وتتوقع المصادر العالمية أن يصل العجز حتى نهاية العام إلى 6,7 و إلى 8 مليار دولار إذا لم تتوقف الحرب. ولم يترتب على الحرب الدائرة ارتفاع في عجز الميزان التجاري فقط، ولكن سيزداد الوضع خطورة وبسبب الحرب تعرضت كل الإصلاحات الاقتصادية للتراجع نسبة لركود قطاع الأعمال والعزلة الدولية. وأصلا حتى قبل الحرب بسبب الانقلاب خسر السودان 4,6 مليار دولار من المساعدات التنموية التي كانت مخصصة لتطوير مشاريع حيوية في الري والزراعة والطاقة والصحة. وكذلك أعلنت مجموعة دول باريس تعليق إعفاء مديونيتها المستحقة على السودان.
● إيرادات موازنة العام المنصرم 2023 والتي كانت غير واقعية، حيث قدرت وقتها بأكثر من 7 تريليون جنيه، تأثرت بشكل كبير بسبب تداعيات الحرب المستمرة ولكن تأثيرها الكبير ظهر بعد توسيع دائرة الحرب لتشمل ولايات أخرى مما أثر على القطاعات الإنتاجية وتحديدا قطاعي الصناعة التي دمرت 90% من بنيتها التحتية والقطاع الزراعي الذي سوف يفقد العروة الشتوية بسبب تمدد الحرب. أما موازنة العام الحالي 2024 والتي تمت إجازتها مؤخرا فحدث ولا حرج سميت(موازنة حرب)، مما يعني بأن الميزانية برمتها ستخصص لتمويل الحرب وعملياتها العسكرية ولا مكان للإنتاج والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ومعيشة مما يفاقم من الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلا ويزيد معاناة المواطنين، وهذا يعني بأن كل يوم يمر والحرب مستمرة ستتعقد الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر بتعطيلها لعجلة الإنتاج وتقديم الضروريات مع تخلي الحكومة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين الذين أصبحوا غير قادرين على مواجهة الأزمات والصعوبات التي خلفتها وما زالت تخلفها الحرب.
● وكل ماذكر إنما يعكس بأن المؤشرات الاقتصادية قد ساءت بشكل كبير لتظل من الشواهد على حجم الضرر الذي عاني منه الاقتصاد السوداني مما يؤكد بأن استمرار الحرب سيدمر الاقتصاد ويفاقم أزماته كاقتصاد هش.
● والملاحظة المهمة التي يجب تدوينها هنا، رغم مرور الشهور الطويلة على هذه الحرب الاستنزافية،لم تصدر أية أرقام أو تقارير رسمية عن حجم الخسائر التي خلفتها الحرب للاعتماد عليها، مما حدا بنا كمهتمين بالشأن الاقتصادي الاعتماد في تناولنا للحرب والاقتصاد على التقارير الدولية واشارات وتحليلات واجتهادات الخبراء الاقتصاديين.
لازم تقيف..