الاغتصاب… السلاح المدمر (4-4)
تقرير: مدنية نيوز
في الحلقة الاخيرة من سلسلة الاغتصاب السلاح المدمر نخصصها بشكل كامل للنساء بوصفهن الأبطال المجهولات في الأزمات، ومع ذلك يتم تجاهلهن بشكل صارخ عندما يتعلق الأمر بالحوار وصنع القرار، تجارب النساء في زمن الحرب لا تعد ولا تحصى، وبمعزل عن ألم فراق الأهل أو فقد أحد أفراد الأسرة أو حتى السبل التي تسلكها لكسب العيش، تتزايد أخطار العنف الجسدي والإصابات والحرمان والموت التي تواجهها النساء بل احيانا يتم استخدام الاغتصاب كسلاح لترويع المجتمعات وقتل روح فمعاناة النساء بسبب الحروب في السودان بدأت منذ العام ١٩٥٦م ربما عندما استعرت أول حرب أهلية لذلك، غالبا ما تتحمل المرأة أوزار الحروب والنزاعات المسلحة فيتقلص بذلك دورها الاجتماعي وتتضاءل خياراتها وفرصها كلما طال أمد النزاع. إذ تجد المرأة نفسها في وضع اقتصادي منهار يفرض عليها اللجوء إلى خيارات أحلاها مر، مثل العمل ببعض المهن التي لم تعتد العمل بها من قبل والتي قد تعرض حياتها للخطر، لا سيما في مجتمعات لا زالت تؤمن بأن دور المرأة يقتصر على توليها المهام المنزلية وليس الانخراط في أعمال يهيمن عليها الذكور كما تسببت حرب 15 ابريل 2023م في السودان بواحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، حيث تواجه أكثر من 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع سوء تغذية يهدد صحتهن وحياتهن وحياة أطفالهن.
الرعب..
ولم يعر المسلحون أي احترام للنفس البشرية ويشنون حرباً ضد أجساد النساء والفتيات ويرتكبون بحقهن فظائع العنف الجنسي. وحين تكون النساء بأمس الحاجة لخدمات الصحة والحماية، تكون هذه الخدمات غير موجودة في المناطق المتأثرة من الصراع،وتعاني النساء والفتيات في السودان نقصاً حاداً في الغذاء بسبب الحرب الدائرة ، ويعشن الرعب من التعرض للعنف الجنسي ناهيك عن الخوف وعدم اليقين. لقد ولد هذا الخوف أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، حيث نزحت اعداد كبيرة داخل السودان فيما لجأت اعداد كبيرة ايضا إلى دول مجاورة.
وفي مقال للمدافعة الحقوقية زينب عباس قالت فيه ان المراة السودانية عانت من الاستهداف حيث تتفاوت حدة الإنتهاكات تبعًا لخلفياتهن الإقتصادية، والسياسية، والإثنية، والعمرية كما أثرت الحروب والنزاعات علي المراة ،واسفرت عن تغيرات عميقة في ادوار النوع الاجتماعي ،كما اضافت هذه الحروب ابعاد جديدة لمعاناة النساء في مناطق النزاعات بكل من دارفور او النيل الازرق او جنوب كردفان والجزيرة وسنجة وهي مناطق تعاني فيها الغالبية العظمي من النساء من صعوبات تتعلق بالتمييز الاجتماعي، وقلة فرص التعليم وافتقار الي الخدمات الاساسية،كما ان النساء في مناطق النزاعات وبحكم وضعهن في التراتبية المجتمعية كن الأكثر تأثيرا بالنزاعات التي افقدتهن ملاذت القري الامنة ورمت بهن لي غياهب النزوح ومجاهل اللجوء المخزية وفقدان لافراد الاسرة والسند فضلا عن مواجه الموت والقتل.
الثبات..
كما تعرضت النساء الي العنف الجنسي والاغتصاب بأثاره المدمرة ،والنساء في مناطق النزاع المختلفة في السودان لم يكن مجرد ضحايا سالبات يحتجن فقط إلى المساعدة بل تحلين بالشجاعة ،وامتلكن القدرة على البقاء والصمود في وجه الصعوبات وتحملن اثار الحروب بدرجة عالية الثبات واستطعن ادارة الحياة في ظروف دهاليز الحرب القاسية وطوال محادثات السلام العديدة التي اجريت بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة كانت مشاركة النساء ضعيفة جدا مقارنة بما تقوم به من نضالات ونحن في مركز راديكال انكلوشن ننظر للنموذج الرواندي كنموزج مشرق لمشاركة النساء في صناعة السلام والحفاظ عليه في مرحلة ما بعد فض النزاع، ويمكن النظر إليها كدليل لوضع الاستراتيجيات وخطط العمل حيث شهدت رواندا مجازر رهيبة عام 1994 راح ضحيتها 800 ألف شخص، وتعرضت خلالها 250 ألف امرأة للعنف الجنسي، ولكن رواندا صنفت في عام 2018 كنموذج للبلدان النامية حيث حققت استقرار ونمو اقتصادي كبير، وتضاعف مستوى دخل الفرد ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة، وهي اليوم تعتبر في أعلى سلم البلدان التي تحققت فيها مشاركة المرأة حتى وصلت إلى نسبة 64% في بعض الميادين فالمراة الراوندية كان لها دور أساسي في إعادة الإعمار وفي التأسيس للسلم المجتمعي وفي الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي في البلاد، فقد شاركت في مبادرات تعزيز السلام وإعادة الإعمار والمصالحات الأهلية، ولقد كانت القوة الدافعة وراء نجاح مساهمة المرأة الرواندية هي مزيج من جهود النساء وإرادتهن في صنع السلام ومن إرادة القيادة الراوندية الملتزمة في إشراك النساء الفعلي، والتجاوب الكبير مع مبادراتهن الوطنية لم تنتظر الراونديات القرار (1325)، بل إنهن بخلق راوندا جديدة معافاة مباشرة بعد فض النزاع العسكري عام 1994، فأخذن على عاتقهن بناء الاقتصاد الذي مزقته الحرب والإبادة الجماعية، وساهمن في مبادرة إعادة التوطين وأحيين القطاع الزراعي الذي كان قد تدمر بالكامل، فعملن بجهد، وأطعمن من خلال برنامج الغذاء مقابل العمل، ومنذ عام 1997 ساهمن بشكل كبير في مسألة حق عودة اللاجئات/ين إلى البلاد، ووفرن العمالة، فشاركن ولأول مرة في تاريخ راوندا في بناء أسقف المنازل في أنحاء البلاد، حيث شوهدت النساء في مواقع يعملن جنبًا إلى جنب مع الرجال أو أحياناً وحدهن، يحاولن مواجهة التحديات الصعبة لبناء المنازل.
احلال السلام..
نرى ان للنساء دورفاعلة إحلال السلام في النزاعات المسلحة، لكن أدوارهن كلاعبات أساسيات ووكيلات للتغيير وإحلال السلام لم يعترف به بشكل كافي. ولهن أهميةً مركزيةً في قرارات السلام والأمن والاقتصاد والصحة لكن توجد عوائق اجتماعية وثقافية وسياسية وقانونية تحدُّ من المشاركة الكاملة للمرأة في المشاركة على كافة مستويات صنع القرار لتحقيق السلام وحفظه،إن الإقرار بالفهم المختلف للمرأة وخبراتها وإمكانياتها ودمج كل ذلك في جميع جوانب عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هو أمر جوهري لنجاح جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام، من أجل دعم السلام ،والتبشير به وعكس تداعياته المتمثلة في الاقتصاد والتنمية ،والعدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية ،ومساعدة السودان في الانتقال الديمقراطي، ووضع المعالجات اللازمة لانتهاكات حقوق الانسان ونيل الحقوق، للمعاهدات والمواثيق الدولية،وتمكين النساء من المشاركة العادلة والعمل من أجل مستقبل تتحقق فيه المساواة والعدالة الاجتماعية، ،وبناء دولة المؤسسات والقانون، دولة الشفافية والتداول السلمي للسلطة،فالوضع المتدني للنساء ليس وضعا موروثا وانما هو وضع تعيد السياسات العامة انتاجه بشكل يومي بالتالي العمل علي اصلاح السياسات من اجل العدالة النوعية يتطلب التأكيد الاعتراف بان أشكال التهميش والتمييز بشكل عام في السودان ، فالمادة 67. (ج) من الوثيقة الدستورية نصت على مشاركة المرأة في جميع مستويات عملية السلام وفي تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (1325) لذلك لابد من مشاركة النساء فى محادثات وبناء السلام،فالوصول الي سلام تشارك فيه المراة يتطلب ضغطا عاليا من المجموعات النسائية كافة علي الجهات التي تقود عملية السلام من اجل تضمين مشاركة عادلة للنساء والتمييز الايجابي للمرأة النازحة والريفية في كل الوفود الرسمية وحركات الكفاح المسلح، فضلا عن المساواة في مشاركة النساء في كل مراحل وعمليات الترتيبات الامنية بما في ذلك عملية مراقبة وقف اطلاق النار ونزع السلاح والتسريح واعادة الدمج، والمشاركة في كافة هياكل ومستويات السلطة الولائية والاتحادية بنسبة لا تقل عن 40%، والمساواة في مشاركة المرأة في هياكل مفوضية السلام. كما نصت الوثيقة الدستورية علي ان واحدة من مهام الفترة الانتقالية هي ضمان تعزيز حقوق النساء في كافة المجالات ،والاجتماعية الاقتصادية والسياسية.
الخاتمة..
منذ أكثر من عقد من الزمن، تعهد القادة السياسيون والمشاهير من جميع أنحاء العالم بوضع حد لاستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب. وعلى الرغم من صرف ملايين الدولارات للحد من هذه الظاهرة، فإنّها لا تزال تؤرق مضجع النساء،اساس هذه المشكلة هو ثقافة الافلات من العقاب، حيث يُحاكم عدد ضئيل جداً من المغتصبين من بين عشرات آلاف حالات الاغتصاب في بلد ما يعتقدون أنّ باستطاعتهم الإفلات من العقاب، لأنّ ذلك ما يوحي التاريخ به،وهناك عامل حرج آخر، ألا وهو عدم وجود دعم على طويل الأجل للناجين من الاغتصاب الذين يصبحون منبوذين ويعانون من الأمراض والصدمة النفسية طوال حياتهم، علاوة على ما عانوه على أيدي مغتصبيهم،كما يؤثر الاغتصاب على الضحية حيث يتأذى من الناحية النفسية والفيزيولوجية ثم العائلة ثم المجتمع وبالتالي يفقد المجتمع توازنه مما يؤدي إلى استبعاد الضحايا ورفضهم مجتمعيا والتسبب بالفقر ووصم الأطفال المولودين نتيجة الاغتصاب . كما يتسبب في تصاعد العنف والتوتر وضعف الاقتصاد العائلي والمجتمعي والوطني وتكريس مفهوم أن الجريمة سهلة الوقوع. يقود الاغتصاب إلى سلسلة لا تنتهي من العواقب وعلى مستويات مختلفة، ختاما فقد صاغ العالم اتفاقيات تحظر استخدام الذخائر العنقودية والألغام الأرضية، أو لمكافحة التجارة غير المشروعة بالأسلحة. كافة هذه الاتفاقيات كان يعتبر يوما ما من المستحيل التوصل إليها. وجميعها بدأت نتيجة غضب أخلاقي وأدت لاتخاذ إجراء دولي. وحان الأوان الآن لاتخاذ إجراء مماثل لمواجهة الاغتصاب والعنف الجنسي في الحروب.
(إنتهى)