الخميس, يوليو 10, 2025
مقالات

ديناميات الصراع في السودان وتداعياتها على العمل الإنساني والمجتمع المدني (6-6)

كتب: عبد المنعم الجاك

توصيات للتعامل مع تحولات الصراع وتحديات العمل المدني والإنساني

الى ذلك دفع الاستاذ عبد المنعم الجاك في دراسته بحزمة من التوصيات ، وتسعى  تلك التوصيات المقدمة أدناه إلى الاستجابة لأبرز التحولات والتغيرات التي طرأت على مشهد الحرب في السودان وهي تدخل عامها الثالث. وقد تم تبويبها لتوصيات موجه لفئات بعينها، مستهدفةً التغيير في السياسات واتخاذ القرارات، والمستوى العملياتي البرامجي. ومع ذلك، من المهم التعامل مع كلا الفئتين من التوصيات كحزمة واحدة متكاملة.

أولاً: توصيات لتعزيز أدوار المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية القاعدية
اعتماد منهج عمل أفقي مناطقي، يعترف ويراعي الانقسامات الجغرافية والإثنية التي أحدثتها الحرب والتطورات العسكرية، ويعتمد على مقدرات وتجارب الفاعلين المحليين.
تطوير مناهج مصممة لأمان وحماية المتطوعين السودانيين وموظفي المنظمات المحلية، بما في ذلك حملات المناصرة للضغط على الفصائل المتحاربة لحماية العاملين في المجال الإنساني والمجتمع المدني، والتدريب على المخاطر السلامة، فضلا عن مبادرات الدعم المالي والنفسي، إضافة إلى تعزيز قنوات الاتصال الآمنة بين المجموعات القاعدية وتحسين مهاراًت التفاوض وبناء الثقة وإدارة العلاقات مع الأطراف المتحاربة، لا سيما من خلال تطوير استراتيجيات اتصال قابلة للتكيف وتتماشى مع الظروف العسكرية والأمنية المتغيرة
ضمان توفر الأدوات والمقدرات التقنية اللازمة للتصدي للمعلومات الضارة والمضللة للمنظمات المحلية ،ومعالجة تحديات الاتصال ،بما في ذلك معالجة المشكلات الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي وتعطل شبكات الاتصالات والإنترنت.

تقديم الدعم لتعزيز تبادل المعارف بين المنظمات الوطنية ذات الخبرة والمجموعات المحلية القاعدية، خاصة في مجالات الصمود والاستمرارية، وتوفير تبادل المعارف والمهارات )حسب الحاجة ،على سبيل المثال، في مجالات الإدارة المالية، وتطوير المشاريع، وإعداد التقارير والمحاسبة امام المجتمعات المتضررة(، فضلا عن دعم المنظمات المدنية الوطنية المستقلة ذات الخبرة لإعادة تموضعها داخل السودان من خلال توفير منح طارًئة تسهل عودتها واستئناف أنشطتها من داخل السودان.

استكشاف بدائل للموارد المالية، مثل السودانيين المقيمين بالخارج، ويمكن أن يشمل ذلك تسليط الضوء بشكل أوضح على المساهمات الحالية للمنظمات في المنافي في دعم المجتمع المدني المحلي ومجموعات المساعدة في مجال تعبئة الموارد، والمناصرة، والإعلام، وزيادة الوعي الخارجي.

ثانياً: توصيات لأطراف النزاع

الوصول لاتفاق على وقف العدائيات للأغراض الإنسانية، لضمان وصول المساعدات دون عوائق وإلى جميع المناطق والسكان المتضررين من الحرب ، والالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي.
إنشاء مجلس مشترك لهيئات التنسيق الإنساني من مختلف مناطق سيطرة أطراف النزاع من أجل التنسيقوتبادل المعلومات والمناصرة حول القضايا الإنسانية ،على أن يضم هذا المجلس مشاركة المنظمات القاعدية ومنتظمات من المجتمع المدني المستقل.

احترام وحماية استقلال الفاعلين في العمل الإنساني والمجتمع المدني وضمان عدم استهدافهم أو ترهيبهم أو إيذائهم وحماية حقوقهم.
إنشاء قنوات اتصال مدنية — ليست عسكرية أو أمنية — بين أطراف الصراع والمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني لبناء الثقة والتفاهم، ولتسهيل التنسيق اليومي ودعم عمليات الإغاثة .
ضمان حياد واستقلالية العمل الإنساني والجهات الفاعلة الإنسانية/المجتمع المدني من قبل جميع أطراف النزاع. ويشمل ذلك الامتناع عن تسييس أو عسكرة العمل المدني والمساعدات الإنسانية، ورفع المراقبة الأمنية والاضطهاد عن المنظمات وموظفيها، وإزالة القيود البيروقراطية والأوامر العسكرية أو الإدارية التي تعطل عملها.

ثالثاً: توصيات للمجتمع الدولي

يجب أن تعكس استراتيجيات الاستجابة الإنسانية الواقع الحالي المنقسم جغرافياً وسياسياً، حيث توجد أربعة مناطق تحت سيطرة أطراف متحاربة متعددة، مما يستلزم تقديم المساعدة الإنسانية لملايين الأشخاص في مناطق غير مترابطة .ويتضمن ذلك العمل مع ودعم المنظمات الإنسانية المحلية والدولية في تبنيها لمنهجية عمل أفقية- لامركزي تتعامل مع وضعية الانقسامات القائمة.
يجب أن تتعامل الجهود الدبلوماسية بشكل اكثر عملية مع التطورات السياسية والعسكرية ،بما في ذلك التعامل مع تحديات السيادة والشرعية، وبما يسهل ويسمح وصول الإغاثة الإنسانية والجهات الفاعلة، خاصة الى المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة السودانية. ولعل أحد الطرق للمضي قدما في هذا المنهج عبر  استخلاص الدروس من الإستراتيجيات السابقة في التعامل مع العمليات الإنسانية العابرة لخطًوط النار والحدود (على سبيل المثال، تجارب اليمن وسوريا وعملية شريان الحياة في السودان، خلال الحرب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية).

التعرف على الخبرات المحلية المتنوعة والاستفادة منها .حيث  يضم السودان مشهداً غنيا ومتنوعا للمجتمع المدني، لكن تظل قضايا التمثيل والشرعية موضع خلاف مع تزايد الاستقطاب المستمر .فعلىً الهيئاتً الدولية الفاعلة اتخاذ المزيد من الخطوات للتعامل مع الأصوات المتنوعة داخل المجتمع المدني والاستماع إليها وضمان اتباع نهج شامل في التعامل.  ومن الطرق العملية للمضي قدماً في هذا الاتجاه عبر إجراء مشاورات مستمرة وواسعة النطاق مع الجهات المحلية الفاعلة.

زيادة الجهود الجماعية لتحسين المحاسبة أمام المجتمعات، حيث تعد آلية التغذية الراجعة المشتركة بين الوكالات الإنسانية، والتي طورتها مجموعة العمل المعنية بالمساءلة أمام السكان المتضررين خطوة جيدة يمكن البناء عليها، وبما يمكن من ضمان الحصول على اعلى قيمة مقابل الأموال الموجهة للمساعدات في ظل تراجع الموارد المالية عالميا.
تطوير مناهج عمل جًديدة بين الوكالات الدولية والمنظمات السودانية من خلال إدماج قدرات المجتمع المدني في المرونة والتكيف والقدرة على الصمود ضمن عمليات تصميم الاستراتيجيات الإنسانية وخطط العمل ويشمل ذلك الارتقاء في العلاقة بين الطرفين – الدولي والمحلي – من شركاء منفذين الى شركاء متكافئين.

إنشاء قنوات اتصال وتبادل معلومات مستمرة بين الوكالات الإنسانية الدولية والمنظمات السياسية والمدنية السودانية، بما فيها بذل الجهود للاستفادة من رؤاها وأدوارها وتأثيرهم في دعم عملية الاستجابة الإنسانيةالتعاون مع المجتمع المدني السوداني لتنظيم مؤتمر دولي حول الأزمة الإنسانية في السودان – لا يقتصر على الجوانب الفنية والمالية — بل يجمع قادة المنظمات القاعدية المحلية والمجتمع المدني المستقل والتنظيمات السياسية مع الوكالات الإنسانية والهيئات الدولية لتقييم الاستجابة الإنسانية ولوضع جدول أعمال مشترك.
إعطاء الأولوية لإنشاء هيكل تنسيق مدني-عسكري تابع للأمم المتحدة ،بحيث يضمن هذا الهيكل التنسيق المتمسك بالمبادئ الإنسانية، واستخدام الموارد بكفاءة، وتعظيم التعاون بين الجهات الفاعلة المدنية والعسكرية.

لاستفادة من ”مبادئ التشغيل المشتركة“ التي أقرها الفريق الإنساني القطري والعمل على إنشاء نظم مراقبة مبتكرة للمساعدات الإنسانية من أجل تتبع توزيعها ومتابعته، ومنع تحويلها لأغراض عسكرية، وتجنب تهريبها أو تسربها أو بيعها في الأسواق.
التفكير في فرض عقوبات ذكيةللتعامل مع ادعاءات تسييس وعسكرة العمل الإنساني ونشاط المجتمع المدني ،بما في ذلك فرض العقوبات في حال التأكد من استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح في الحرب بين أطراف الصراع.

حث المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته المالية، لضمان التمويل الكافي للاستجابة الإنسانية في السودان.
الدعوة إلى إصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدةلمعالجة التداعيات الإنسانية الاخيرة للتطورات العسكرية والأمنية والسياسية .ويجب أن يشمل ذلك أحكاماً تتعلق بإيصال المساعدات، وأمنها، ومراقبة توزيعها ،وحماية العاملين في المجال الإنساني المحليين والدوليين

شكر وتقدير

قام بإعداد هذه الورقة عبد المنعم الجاك، الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية والاجتماعية، والمختص في قضايا المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بالسودان والقرن الافريقي والشرق الأوسط .
استندت الورقة على المصادر المفتوحة للمعلومات والبيانات المتاحة في الفضاء العام. حيث اعتمدت بصورة رئيسية على مجموعة من الابحاث والتقارير التي تم نشرها خلال الأشهر الأخيرة، إضافة إلى البيانات والتصريحات والمنشورات الإعلامية الموثوقة الصادرة عن أطراف الحرب في السودان وعن التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية .
كما اعتمدت الورقة على مجموعة مختارة من المقابلات المباشرة مع عدد من الخبراء والفاعلين السودانيين في مجالات العمل الإنساني والمجتمع المدني، بما في ذلك مراجعة وتعليق عدد منهم على مسودة الورقة. حيث شملت قائمة المختصين ممن تم الرجوع اليهم في اعداد الورقة كل من:

الدكتور اديب يوسف، مدير منظمة من الناس للناس والمختص في قضايا فض النزاعات وعمليات السلام.
الدكتورة  بشائر أحمد، مؤسسة منظمة شبكة والمختصة في القضايا الإنسانية ومنظمات المهاجرين والمنافي.
الأستاذ مدني عباس مدني، مدير منظمة نداء للتنمية والباحث في علم الاجتماع والتنمية .
الدكتور صلاح الأمين، الخبير في العمل الإنساني والموظف الدولي السابق في الصليب الأحمر الدولي .
الأستاذ محمد الشابك، الخبير في العمل الإنساني والموظف الأممي بالأمم المتحدة بالصومال .
الدكتور عمر أحمد صالح، مسؤول الجناح الإنساني للتحالف المدني الديمقراطي – صمود  .
الأستاذة عائشة حمد، المختصة في قضايا النوع ومديرة البرامج بالهيئة المدنية للعون الإنساني .
الأستاذ نميري عيسى، الهيئة العامة للعمل الإنساني والمنظمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *