أمهات بين الإنتظار واليأس.. المفقودون وجوه بلا أثر ولا صوت وقصص مؤلمة
تقرير: هيام تاج السر
في وطنٍ أنهكته الحرب وإعتادت سماؤه على صرخات الفقد، يختفي الناس دون أثر، كما لو أن الأرض قد ابتلعتهم، لا وداع، لا أثر، لا خبر، فقط وجوه على الجدران وذكريات في القلوب في السودان، لم يعد الإختفاء القسري مجرد إنتهاك لحقوق الإنسان، بل صار وجعًا يوميًّا تعيشه الأسر، ويثقل كاهل الأحياء وهم يلاحقون خيوطًا واهية من الأمل، هنا، حيث تختلط فيه رائحة البارود بأنين الأمهات، يُختطف الأب من عتبة منزله، ويُنتزع الشاب من منتصف الطريق، وتغيب الفتاة دون تفسير، ويظل السؤال معلقًا: أين هم؟ ومن يخفيهم؟ ولماذا؟ هذا التقرير الصحفي يغوص في واحدة من أعمق جراح السودان الحديثة، جريمة “الاختفاء القسري” التي تتم بصمت قاتل، وتُمارَس في العتمة، وتطال النشطاء، والمعارضين، وحتى الأبرياء العابرين في طريق الحرب. نحاول أن نعيد صوت المفقودين إلى الساحة، أن نسلط الضوء على معاناة ذويهم، وأن نطرح الأسئلة التي تخشى الجهات المسؤولة من سماعها: من يُحاسب؟ ومن يُعيد الأحبة؟ في هذا الوطن المجروح، لا أحد في مأمن، والسكوت لم يعد خيارًا؟
من المعتقلات إلى المجهول
بعد عام ونصف الحرب مازالت والدة خالد تنادي باسمه وتتحسرعلي فقده، حيث اختفى خالد في منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم، ويرجع السبب لانه راي اثنين من افراد الدعم السريع يهمون بسرقة منزل جيرانهم في الحي فمنعهم ورضخو له ولكنهم عادوا مجددا بقوة كاملة وتمت السرقة وذهبوا لابعد من ذلك حيث قادوا خالد معهم بزريعة انه تابع ( للجيش السوداني) ليختفي خالد قسرياً، وهو الأبن الوحيد والذي يعول والدته المريضة والكفيفة وبسبب مرضها لم يغادروا الكلاكلة ، وبحسب إفادات شهود فقد تمت رؤية خالد في الاحتياطي المركزي وقسم الكلاكلة وتم تعذيبه لدرجة إن أحد أقاربه لم يتعرف عليه وهنالك رواية شاهد اخر قال إنه راي خالد في معتقل بالرياض وحتي الان مازال خالد مفقوداً ووالدته تفتقده وتصرخ باسمه.
الاختفاء القسري في زمن الحرب
قال خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، إن الإحصائيات الدقيقة حول أعداد المفقودين في السودان لا تزال غير متوفرة، لتباين الأرقام بين المصادر المختلفة، وأكد الخبير الأممي، في مقابلة نشرها موقع الأمم المتحدة، أن الاختفاء القسري وفقدان الأشخاص مشكلة موجودة في السودان، مضيفًا أن هذه ليست الانتهاكات الوحيدة التي خلفتها الحرب، غير إن المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات قدرت العدد بنحو خمسين ألف مفقود، ومن جهتها وثّقت منظمات حقوقية سودانية محلية ما لا يقل عن 3,177 حالة، بينهم أكثر من 500 امرأة و300 طفل.
ماذا يقول القانون عن المختفين قسرًا ؟
وفي الأثناء تقول الاستاذة رانيا ادم المحامي عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري ، عضو حملة (وديتوهم وين) إن الاختفاء القسري أحد اسلحة الحكومات والسلطات في قمع السياسيين الناشطين، والمدافعين وهو_ أي _الإختفاء القسري قديم جدا في السودان منذ زمن ابو زر الغفاري ومازال مستمر، وأضافت عقب فض إعتصام القيادة العامة تم توثيق حالات كثيرة لمفقودين وعقب حرب منتصف ابريل زادت الاعداد وهنالك حالات لم يتم توثيقها، وأوضحت ان الجيش لديه معتقلات ومناطق إخفاء وكذلك الدعم السريع لديه معتقلات في جميع مناطق سيطرته كما إستخدم السجون وإستخدم مناطق كثيرة لاخفاء المدنيين ، تقول رانيا ادم المحامي ان السودان لم يكن لديه نص قانوني او مادة عن الاختفاء القسري ، وبعد تعديل القانون الجنائي تمت اضافة المادة (186) التي تحدثت عن الاختفاء القسري ورغم ذاك ليس هناك تعريف واضح لها ولاتوجد اليات محاسبة، وفي العام 2021م وقع السودان علي إتفاقية حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري وتم تكوين لجنة للمفقودين
جريمة بلا عقاب وصمت مريب
أشارت المحامية رانيا ادم في حديثها مع “مدنية نيوز” الى ان لجنة المفقودين التي تم تكوينها لم تستطيع العمل لعدم وجود نيابة متخصصة ونقص التدريب لوكلاء النيابات والقضاة ، وأشارت الى ان وكلاء النيابات عندما يذهبون لفتح بلاغ إختفاء قسري وهم غير مدربين يتم فتح بلاغ تحت المادة ( 62) وهي المادة التي تفتح للاختطاف من القانون الجنائي، وتضيف مما يعني عدم تدريب الكوادر في النيابات او الشرطة والقضائية، وقالت رانيا عقب دخول الجيش لمناطق سيطرت الدعم السريع تحرر كثيرمن المختفين (سجن سوبا) معتقلات الرياض وغيرها.
وفي المقابل وصفت الاستاذة شيماء تاج السر المحامية في حديثها مع “مدنية نيوز” حرب 15 ابريل بإنها حرب ضد المرأة السودانية، ولفتت الى ان الكشوفات الخاصة بالمعتقلين من مختلف السجون كانت بها أسماء رجال فقط، وأضافت “مع العلم هناك الكثير من المفقودات المختفيات قسرياً خلال هذه الحرب اللعينة حيث كانت المرأة أكثر تعرضاً للانتهاكات، ودعت شيماء لمعاملة النساء أسوة بالرجال بحسب إتفاقية جنيف المواد (3-14-16-49-88-12).