المناهج.. صراع المصالح ونظرة المستقبل
الركيزة
بقلم: أيمن سنجراب
المناهج.. صراع المصالح ونظرة المستقبل
نتابع الحملة المنظمة ضد مدير المركز القومي للمناهج د. عمر القراي، ويستند خصوم القراي، على اعتقادات وظنون وبعضهم على أكاذيب باتجاهه نحو فرض فكره الجمهوري على المناهج التربوية.
ونعلم أن تلك الحملة هي امتداد للمساجلات مع القراي الذي ظل يناهض فكر الإخوان المسلمين بالحجة والمنطق وهو خصمهم التاريخي وقد بلغ الصراع ذروته بتسنم القراي مسؤوليته في موقعه الجديد، فشعر خصومه بالتوتر والخطر يتهدد وجودهم بوجوده في المكان الذي ظلوا يسيطرون منه على المجتمع ويؤسسون لصالح تنظيمهم وليس المصلحة القومية فهم أبعد من ذلك ولا تهمهم سوى السيطرة على العقول لتظل الأجيال والوطن رهائن لهم يتحكمون فيهم ويحركونهم وفق رغباتهم.
لقد كشفت لجنة المعلمين خبايا المعركة وجاء في بيانها الذي أصدرته اليوم: (نؤكد في لجنة المعلمين أن الحملة المسعورة التي تتبناها بعض الجهات قائمة على فكرة تعارض المصالح ليس إلا، فمخزون عشرات الملايين من كتب المقرر القديم الذي يقدر بمليارات الجنيهات واحدة من أسباب هذه الحملة، ولعلنا نذكر مساومة بعض الجهات لإدارة المناهج بتأجيل تغيير المناهج لعامين اثنين حتى يتسنى لهم تسويق “مخزونهم ” وعندما فشلت مساعيهم في التأجيل عمدوا إلى التأجيج وإطلاق الأكاذيب، إضافة إلى جماعات الهوس التي تم تمكينها من المناهج، فسربت أفكارها عبر المناهج بصورة واضحة لكل ممارس للمهنة، والشواهد كثيرة في كتب ومقررات الفصول في المراحل المختلفة، فهذه الجهات تعلم جيدا أن التغيير سيطال ما دسوا في المناهج بلا شك فعمدوا للضجيج عله يقف حائلا أمام التغيير، ولكن!!! هيهات).
هذه الفقرة توضح بجلاء أن الحملة بجانب عامل الهيمنة على المجتمع عبر المناهج التربوية، ذات أبعاد تتعلق بالتمكين الاقتصادي لفئة تهددت مصالحها من التكسب من العملية التربوية، حيث ظلت تراكم رأس المال عقب تخلي الحكومة والنظام المسقوط عن مسؤوليتهم تجاه التعليم وعمدوا إلى تسليعه، فتأثرت الطبقة الفقيرة جراء ذلك وعجزت عن مجاراة الواقع الذي أثقل كاهلها بالرسوم وشراء الكتب المدرسية والتوجه نحو التعليم الخاص ذي الرسوم العالية وتراجع التعليم الحكومي تحت سطوة المال.
تجددت الآمال في التوجه الجديد عقب الثورة، بالعمل على استعادة التعليم الحكومي لمكانه وألقه والانحياز للفقراء، خاصة في التعليم الابتدائي، لكن تحسس أهل المصالح مواقعهم فوجدوا أنها مهددة، فالمعركة ليست معركة القراي، بل معركة مجتمع يريد النهوض ونفض الغبار وإزالة الركام والخروج من تحت الأنقاض لعالم الانفتاح نحو الحياة واكتشاف حقائقها والتفكر والتأمل، وإزالة العصابة المربوطة بإحكام على العيون والسياج محكم الإغلاق على العقول، ويبدأ ذلك من المناهج لتنشئة أجيال على القومية بالتعرف على المجتمعات السودانية وتقبل الآخر واحترام التعدد والتنوع، لا الإنغلاق على النفس.
لقد خسرنا كثيرا كسودانيين نتيجة السياسات غير الرشيدة طوال مسيرتنا منذ الاستقلال، وزاد الوضع تأزما في عهد النظام المخلوع لدرجة الدمار، وآن الأوان أن نلحق بركب التقدم ويبدأ ذلك من معرفتنا لبعضنا كمجتمعات سودانية وأن حياتنا في احترامنا للآخرين لا العمل على إزالتهم أو إلغاء حقهم في أن يكونوا آخرين، فلتكن الانطلاقة من المناهج بغرس قيم الخير في الأجيال.
لسنا هنا في موقع الدفاع عن الفكر الجمهوري فهو له أتباعه وهم لهم القدرة على طرح أفكارهم وللآخرين الحق في مقارعة الفكرة بالفكرة بعيدا عن العنف، وقد سمعنا القراي يؤكد مرارا ضرورة تعبير المناهج عن السودانيين جميعا وغرس قيم الديمقراطية في الأجيال، وفي ذلك تأكيد قاطع بعدم (جمهرة) المناهج – أي عدم تغذيتها بالفكر الجمهوري-وبجانب ذلك فإن المناهج يضعها خبراء متخصصون.
نخلص من كل ذلك إلى أن القراي في موقع قومي وهو يعمل جاهدا مع مختصين وخبراء لتخليص التعليم من قبضة أصحاب المصالح، وقد شرعوا في ذلك ومن هنا جاء الصراخ، وكلما علا الصراخ أدركنا أن المشارط قد وضعت على مواضع الألم في الأيادي العابثة بالمصالح العامة.
المعركة ليست معركة مدير المركز القومي للمناهج بل معركتنا كمجتمعات سودانية تقف على منصة الإنطلاق عقب ثورة عظيمة دكت حصون الرجعية، ونقولها بالصوت العالي (اخترنا أن نمضي للأمام وأن نشتري المستقبل فقطار الثورة انطلق ولن يتوقف إلا في المحطة الأخيرة، محطة الغايات الكاملة للثورة في التحرر والانعتاق)!!.