الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (21)
بقلم: حسين سعد
هناك محاولات حثيثة لاصلاح قوى الحرية والتغيير،وتجميع الأطراف وطيّ صفحة الخلافات، وفي الوقت الذي زاد فيه الحديث عن الوحدة،ولم الشمل في العام الأول للثورة جمد حزب الامة نشاطه ،وطرح كما قلنا (نحو عقد اجتماعي جديد) وفشلت كل محاولات ارجاع الامة عن انسحابه من الحرية والتغيير ،لكننا نري انه في ظل هذه الأجواء من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، البحث عن توافق وطني بأدوات العمل السياسي الطبيعية المتوفرة في الأنظمة الديمقراطية، والتعويل على إحداث شراكة وتحالفات في ظل هذه البيئة هو صعب الحدوث بشكل كبير،ونعيد في هذه الحلقة مقترحات دفع بها خبراء ومختصين لجهة تقوية وحدة الحرية والتغيير.
بيان الامة:
وقال حزب الامة القومي في بيان له تلقت (مدنية نيوز) نسخه منه ان الحزب على تغذية التراكم الذي أثمر هذه الثورة، ورأى أن تكون الفترة الانتقالية بقيادة خبراء، ولكن بعض حلفائنا حرصوا على محاصصات أتت بنتائج فاشلة ومستفزة، أوصلت البلاد إلى مشارف هاوية تنذر بتبديد المصير الوطني، ومنذ قيام الحكم الانتقالي في 21 اغسطس ظهرت عيوب اساسية في الاداء منها ،و بعض مكونات التحالف الثوري سادرة في مواقف حزبية، وأخرى تفاوض مجلس السيادة بلا تنسيق مع مع الحرية والتغيير، كما ان الاختلاف حول الملف الاقتصادي صنع إصطفافا حادا بلا إمكانية لا حتوائه
ملف السلام:
وقال الامة في بيانه تناول ملف السلام دون منهجية إستراتيجية ،وفتح المجال لمزايدات ومطالبات تعجيزية من القوى المسلحة، واختلاف في اختصاصات مؤسسات الانتقال،وشدد الحزب إن الاستمرار في تجاهل الوضع المتردي لا يجدي، بل يمثل تنصلاً عن المسئولية الوطنية. المطلوب بإلحاح العمل من أجل تكوين اصطفاف تشترك فيه القوى السياسية والمدنية الجادة، وتشترك فيه لجان المقاومة المستعدة لدور بناء بعنوان مؤتمر القوى الجديدة
،فهناك مهام عاجلة ينبغي الالتفات لها وإنجازها بكفاءة تتجاوز عثرات التكوينات الحالية ومن بينها تكوين المفوضيات القومية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية بأسرع فرصة،كما ان
عملية السلام الجارية الآن في جوبا لن تؤدي لسلام،لذلك ينبغي وضع إستراتيجية لعملية السلام تضمن شموليتها والتزامها بأجندة السلام بعيداً عن أية طموحات وبرامج حزبية،والإسراع بتكوين المجلس التشريعي بصورة متوازنة،ودعا الحزب لعقد المؤتمر الاقتصادي فوراً عبر الوسائط الإسفيرية، وقال ان فجوات الوثيقة الدستورية سمحت لأطراف السلطة الانتقالية بتعدي اختصاصاتهم.
برادايم جديد
وفي المقابل دعا الدكتور النور حمد الى (برادايم جديد) أي، إطارًا مفاهيميًّا، يضع ممارستنا السياسية في مسارٍ منتجٍ، مغايرٍ لمسارها المعوج، الذي سلكته، منذ الاستقلال. وقال النور في مقال له في صحيفة التيار نشر في مارس الماضي أن ما لقيته هذه الثورة، وهي تبحث، في يُتمِها الذي شبت به، عن قيادةٍ لها، وعن حكومةٍ تمثلها، جاء دون التطلع، ودون الحاجة الماثلة، بكثير.
وبدلاً من أن نتخذ، جميعنا، روح هذه الثورة العظيمة، معبرًا لوحدةٍ وطنيةٍ، لمجابهة واقعٍ بالغ التخلف، سقطنا، مرةًّ أخرى، في مستنقع الاستقطابات القديمة، وحالة الانشقاق الرأسي، التي طالما كانت السمة الثابتة، لقوانا السياسية. بل أخذت جهاتٌ تنادي بتمديد الفترة الانتقالية، إلى عشر سنوات. لكن، فيما يبدو، ليس من أجل العمل الفاعل لتغيير الواقع الاقتصادي المتردي، والنهوض بالبنى التحتية، وإعادة تدوير عجلة الانتاج، وإنما لاتخاذ الثورة مطيةً لإضعاف الخصوم السياسيين. فإضعاف الخصم السياسي، فيما هو سائدٌ بيننا، هو الوسيلة لإصلاح البلد. ولقد ظللنا نجني ثمار هذا المفهوم، المرة، لستِّ عقودٍ، ونيف. في هذه الحالة من التنازع، ومن انسداد الأفق السياسي، أخذ الشباب ينفصلون نوعًا ما عن ثورتهم، التي أنجزوها بدماءٍ غالية، وأخذ همهم، ينحصر في مجرد المطالبة، بالقصاص للشهداء، احتملت القوى التقليدية، من رافعي شعار أسلمة الدولة، وعربنتها، من طائفيين، وإسلاميين، الفترة الانتقالية. غير أن ضيق صدرهم بها لا ينفك يعبر عن نفسه، في تفلُّتات الإسلاميين، وفيما تبثه أقلام صحفيي الانقاذ، المسمومة، وفي الدعوة لانتخاباتٍ مبكرة. تعلم قوى اليمين، وربما طائفة من العسكر، أن صندوق الاقتراع سوف يأتي بهم إلى السلطة، عبر تحالفات، مستقبليةٍ، يجري طبخها حاليًا. أما الباقون، من أهل الأحزاب الصغيرة، وجمهرة الثوار، فهم، في حيرة حول ما سيكون، عقب نهاية الفترة الانتقالية.
إنهاء الاستقطاب:
ومضي النور بقوله :الشاهد، أن الاستقطاب، التقليدي/الحداثي، القديم، لا يزال قائمًا، مثلما كان، منذ الاستقلال. والمخرج في تقديري، هو إنهاء هذا الاستقطاب، ورفع راية التفكير الاستراتيجي، بعيد النظر. ولابد، في تقديري، من إعادة النظر في ديمقراطية ويستمينستر، وإيجاد صيغةٍ جديدةٍ، متوافقٍ عليها، بها ننتشل القوى السياسية من خانة المجابهات الضارة، لبعضها، وجرها، في اتحادٍ، إلى خانة مجابهة الواقع المتخلف.
تعديل موازين القوة:
وفي تعليق له علي ماخطه يراع الدكتور النور حمد كتب الدكتور عطا البطحاني قائلا: أن قوى الثورة حتى الآن لم تنجح في تعديل موازين القوة، وذلك لعدم وجود “وحدةٌ صلدةٌ بين قوى الثورة، تمكِّنها من انجاز نصرٍ حاسم، به يذهب الجيش إلى ثكناته”. “كما لا توجد قيادةٌ كارزميةٌ مجمعٌ عليها تمنح الثورة، السلطة الفكرية والأخلاقية”. والأثر السلبي لهذين العاملين تعكسه قراءة ثيرموميتر علاقات القوة بين المكون العسكري والمكون المدني. وهو ما يظهر في أداء كل مكون وحصده للنقاط لتعديل ميزان القوة. فميزان أو موازين القوة لا تكون في حالة ثبات جامدة بمعنى أن تتعادل %50 الى %50، بل الطرف القوى تصل درجاته في الغالب الى (48%) مقابل (52%) وخير مثال ما أوردته أنت في أن فض الاعتصام زاد معدل المكون العسكري عندما أعلن فض الشراكة، لكن جاء 30 يونيو ليعيد الكفة الى حد كبير الى المكون المدني.
غياب الوحدة الصلدة:
وقال عطا في غياب الوحدة الصلدة والقيادة الكاريزمية، كان يمكن للمكون المدني التحرك التدرجي والتدريجي والتراكمي المتواصل، لتعديل ميزان القوة ، مثلا كان على لجنة التفكيك أن تبدأ عملها مباشرة، بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية، ولا تنتظر عدة شهور للتفكيك. من المؤكد أن عملاً كهذا كان سيرفع معدلها في ميزان القوة وهكذا.
وفيما يتعلق بالهبوط الناعم والهبوط الخشن قال عطا ان الهبوط الناعم عملية صعبة، إِن لم تكن مستحيلة، وذلك لغياب شروط بنيوية للهبوط الناعم،واوضح ان التجارب المقارنة للدول التي انجزت هبوطا ناعماً تشير الى النخب التي حكمت في عهود الاقصاء والقهر تماماً كالإنقاذ، أنجزت عمراناً تنموياً نقل بنية مجتمعاتها للأمام، وهيأ لها – أي لهذه النخب – مواقع نفوذ وامتيازات خارج جهاز الدولة، مكنها لاحقا من قبول التسوية والمقايضة بالتنازل عن السلطة السياسية مقابل إدارتها للاقتصاد – كما في جنوب افريقيا كمثال بارزً،بالنسبة لنا السؤال والحسرة المميتة: ما هي إنجازات نخب الانقاذ (بما فيها المكون العسكري – الأمني)، طيلة الثلاثين عاماً؟
تقوية الوحدة:
الي ذلك كتب الدكتور الباقر العفيف الي ما ذكره كل من النور والبطحاني قائلا: إن تاريخ التحالفات السياسية في السودان لا يبعث الأمل في النفوس، بل يحمل على اليأس من إمكانية صناعة تحالف صلب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه الهشاشة في تحالفاتنا السياسية أمر أزلي، وصفة تكوينية طبيعية، أو جينية، في أحزابنا؟ أم أن ضعف التحالفات وهشاشتها نابع من كونها لا تقوم على أسس علمية وواقعية. فاذا اتفقنا أن تعديل ميزان القوة لمصلحة المدنيين لا يتأتى الا بتمتين وحدة قوى الثورة، يصبح السؤال: ما هي الكيفية التي يمكن أن نحقق بها هذا التمتين؟ لابد لنا من ابتدار مشاريع علمية لتقوية هذه الوحدة، تقوم على المعرفة والإحصاء وقياس الرأي، تقوم بانجازها، مثلا، أقسام العلوم السياسية في الجامعات، خاصة أن البلاد تعوزها المراكز البحثية المتخصصة، أو ما يسمى(الثنك تانك)
دراسة متكاملة
وأقترح العفيف أن تتعاون منظمات المجتمع المدني، مع أقسام العلوم السياسية في الجامعات لتطلع بعمل دراسة متكاملة، يتأسس عليها إعادة هيكلة تحالف الحرية والتغيير.
فمبادرة حزب الأمة لإعادة هيكلة الحرية والتغيير، في تقديري، على سبيل المثال، محكوم عليها بالفشل، لأنها ببساطة تهدف لهيمنة الحزب على التحالف، بدعوى أنه كان أكبر الأحزاب التي نالت مقاعد في آخر انتخابات، رغم أن تلك الانتخابات جرت منذ أربعة وثلاثين عاما،وأن هناك براكين سياسية تفجرت في البلاد، خلال هذا الزمن المديد، أصبح فيها السودان سودانَيْن. كما تمزقت دارفور شر ممزق، وتحول الهامش إلى قوة سياسية لها وزنها السياسي والعسكري. يضاف إلى ذلك، أن شباب الثورة قد كفر بالأحزاب.. (يتبع)