الأربعاء, يونيو 25, 2025
مقالات

مقترح القانون الجديد لمشروع الجزيرة مكانه بين الناس وليس خلف الأبواب الموصدة

بقلم: صديق عبد الهادي *
(1)

يعلم الجميع ان اللجنة المكلفة بصياغة القانون الجديد لمشروع الجزيرة تعكف ومنذ شهورٍ علي انجاز مشروعها، والذي قد يكون شارف الانتهاء، وهو امر انتظره وينتظره الناس ويتطلعون اليه منذ ان انجزت ثورة ديسمبر مهمة اسقاط النظام البائد، الذي ألحق الدمار بكافة مناحي الحياة الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية والثقافية. وكاد عملياً ان يقضي علي كل نبض للحياة وخاصة في القطاعات والمؤسسات الانتاجية، وبالطبع ياتي مشروع الجزيرة في مقدمتها. والذي لحقه القدر الكبير من الاذي مما جعل امر تاهيله يمثل واحدة من المهام الصعبة بالنسبة للثورة ولقواها الملتزمة بشعاراتها ودون مواربة.
تبدأ اول ما تبدأ عملية اعادة تاهيل المشروع، قطعاً، بانجاز الخطوة الاولي في الاصلاح الموسسي الا وهي صياغة قانون ديمقراطي عادل يحكم كل ما هو متعلق بشان المشروع، بدءاً بهويته، مروراً بمعالجة ملكية الارض فيه وبعلاقات انتاجه وانتهاءاً بالانتاجية والانتاج والموارد وضبط موسساته الإدارية، التشريعية منها والتنفيذية، تلك التي يعتمد عليها سير الحياة في المشروع.
(2)
لا شك، ان اصحاب المصلحة الحقيقية في المشروع، اي كل اطرافه، وبعد معايشتهم لتجارب طويلة عبر تاريخ المشروع، وخاصة تجاربهم تحت نظام الانقاذ وتحت نير تطبيق قانون ٢٠٠٥ الجائر، لا شك انهم يتطلعون لان يكون لهم قانون ديمقراطي وعادل يحكم المشروع نفسه أولاً وثم ثانياً يحكم العلاقة بينه وبين اطرافه. وبالتاكيد لا جدال في ذلك، أي حول ضرورة ديمقراطية القانون وعدالته.
ان ديمقراطية القانون تبدأ بفتح ابواب المشورة الواسعة حوله، وان تكون ابواباً مشرعة امام كل الاطراف وكل اصحاب المصلحة، اي باختصار مشرعة امام اهل المشروع. فاذا كنا نعرف بان هذا القانون في الأصل معني به اهل المشروع، فبالقطع يكون من باب اولى السماع لهم، وبذل مشروع القانون المقترح أمامهم وفي الهواء الطلق دون مداورة او التفاف. وذلك لأجل اطلاعهم عليه والبحث فيه والاضافة اليه والحذف منه . وتلك كلها حقوق صميمة تتوجب ممارستها كاملة، ولا تصح الانابة فيها. فمن المهم القول بأنه لابد من الخروج علي التقاليد غير الديمقراطية او بالاحرى هجر تقاليد الاستبداد التي رسختها الانظمة القمعية والدكتاتورية عبر وطيلة تاريخ المشروع المديد.
(3)
يتوجب علي اللجنة المكلفة بصياغة القانون ان تعمل علي تاكيد حرصها واهتمامها بمشاركة اهل المشروع في الحوار حول محتوي القانون الجديد، حتى يتسنى لها الوقوف علي اراء الناس المختلفة والاستئناس بها. ومعلومٌ أن إختلاف الآراء هو أمرٌ مشروع ومقبول ولا يجوز التوجس منه. إن في الإختلاف ثراء وغنى وتلك محمدة تستوجب العض بالنواجذ.
ان جوهر ديمقراطية القانون هو مقدرته علي تحقيق تطلعات وامال وتوقعات اهل المصلحة الحقيقيين الذين صيغ ذلك القانون لاجلهم. واذا كان ذلك هو جوهر ديمقراطية القانون تبقي مشاركة اهل المشروع حينئذٍ بالنسبة للجنة صياغة القانون ليست واجباً مهنياً وحسب وانما واجباً اخلاقياً في المقام الاول، تسقط علي ضوئه ممارسة اي انابة وبواسطة أي جهة كانت، بل ويسقط حتي مجرد التفكير في تلك الإنابة. فلذلك يصبح علي اللجنة المكلفة أن تبسط امر القانون والبت في محتواه امام الناس وخارج الابواب الموصدة والمغلقة. ولتعلم كل الجهات أن أهل المصلحة ليسوا في عجلة من امرهم بقدر ما انهم يريدون ان يمارسوا حقهم في صياغة القانون الذي سيحكم مشروعهم، بل وحياتهم كمنتجين.
إن عدالة القانون التي يتوقعها الناس تتمثل على الأقل في أربعة مهام أساسية، الأولى هي الحفاظ على وحدة أراضي المشروع وذلك بالتاكيد لن يتحقق بدون صون حقوق الملكية العادل والمرتكز على الرضا. والمهمة الثانية حماية المشروع نفسه حتى لا تتكرر المآسي التي خبرها أهل المشروع طيلة الثلاثين عام الماضية، وحماية المشروع الحقيقية تكون بالناس وليس بالنصوص وحدها، والتي ستكون نصوصاً مشوهةً بدون مشاركة الناس في وضعها. والمهمة الثالثة هي تأكيد الاهتمام بالإنتاج والإنتاجية لان ذلك هو الغرض والهدف الأساس الذي قام من أجله المشروع. وأما المهمة الرابعة المتعلقة بعدالة القانون هي تثبيت الفهم بأن قومية المشروع تنطلق من مبدأ أن يتمتع اهل المشروع بخيرات المشروع أولاً كمنتجين ومعمرين له وأن يتم التعامل معهم بما يكفل انصافهم وحماية حقوقهم، وهما إنصافٌ وحماية يكمن في تحقيقهما ضمان الدور الذي سيلعبه المشروع في دعم الوطن.
إنه وبكل تأكيد إذا حاد القانون عن النص على تأكيد إنجاز أيٍ من تلك المهام، بالقطع سيكون قانوناً غير عادل، ولن يحظى برضا الناس عنه.
(4)
انتبه مجلس ادارة مشروع الجزيرة وبمسئولية كاملة لهذا الامر، وتاكيداً لوعيه بضرورة الحوار المفتوح حول القانون الجديد لمشروع الجزيرة ضمَّن المجلس، وبوضوح لا يقبل اللبس، تمسكه بالحوار في صلب السياسات العامة التي اجازها مؤخراً، وهي السياسات التي تمثل برنامج ثورة ديسمبر للتغيير في مشروع الجزيرة. وقد جاء ذلك التاكيد كما يلي/
(1) القانون:
قانون مشروع الجزيرة 2021
في سبيل الإصلاح المؤسسي المطلوب يلعب القانون دوراً هاماً في فعالية المؤسسة المعنية، وقد كان تاريخ مشروع الجزيرة شاهداً واضحاً في هذا الصدد، فلذلك لابد من العمل على إنجاز قانون مشروع الجزيرة 2021.
نعلم جميعاً بان لجنة صياغة القانون البديل لقانون سنة 2005 المعدل 2014 المدمر، قد تم تكوينها بواسطة وزير الزراعة. إننا في إدارة المشروع نرمي إلى ان يكون قانون 2021 قانوناً ديمقراطياً،
وممثلاً لإرادة ومصالح المزارعين، وبقية أطراف المشروع. ولضمان ذلك علينا ان نحض على فتح حوار شعبي واسع بين الناس، قبل وأثناء صياغة القانون حتى يأتي القانون الجديد متضمناً لرؤى الناس وتطلعاتهم.
على المجلس ان يتبنى وان يشجع قيام الورش والحوارات في المدن والقرى ووسط كل التجمعات في المشروع. ولا بديل بالتأكيد للحوار المجتمعي فيما يخص شئون الناس.
وعلى ان تتبنى إدارة المشروع آلية الورش في الحوار الجمعي حول القانون حتى يتم التوصل لقانون ديمقراطي يعبر فعلاً لا مجازاً عن مصالح اهل المشروع”.
فهذا الوضوح الوارد في المقتطف أعلاه، والذي لا يأتيه الغموض من اي جانب نظرنا اليه، يضع مجلس الادارة في ذات الموقف الذي تجد لجنة صياغة القانون نفسها فيه تجاه ضرورة فتح الحوار الشامل. وهو موقفٌ ليس بمهني وحسب وانما موقفٌ اخلاقي كذلك.

(*) رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *