كلنا نيرتتي
الركيزة
أيمن سنجراب
كلنا نيرتتي
حقا إن النار من مستصغر الشرر، وحسنا فعلت حكومة الفترة الانتقالية وهي تتعامل مع مطالب المعتصمين سلميا في نيرتتي وعلى وجه أخص الأمن بكامل الجدية ودفعت بوفد اتحادي برئاسة عضو المجلس السيادي محمد حسن التعايشي باعتبار أن احترام المعتصمين والإيمان بعدالة مطالبهم وضرورة الاستجابة لها يمثل المدخل السليم للحلول.
لقد دفع السودان بأكمله ومواطنو السودان في مناطق النزاع (جنوب كردفان، دارفور والنيل الأزرق) وغيرها من مناطق (كجبار وأمري وبورتسودان… )، ثمن الحلول العسكرية للنظام السابق الذي بنى سياساته على قهر المواطنين واحتقار مطالبهم وفرض الحلول والرؤى ذات الاتجاه الواحد (لا أريكم إلا ما أرى)، حتى أشعل الحروب وحول الوطن إلى خراب وهيمن على الموارد وفرض رؤاه على حساب المواطنين العزل الأبرياء، وتعامل مع المطالب في كل مناطق السودان بأنها تمثل تمردا ينبغي ردعه وتحولت العلاقة بينه والمواطنين إلى عدائية حتى ثار عليه الشعب وأنهى حكمه واقتلعه وحرر نفسه من جبروته وتسلطه.
بعد الثورة انعكست روح العمل السلمي التي سادت فترة مقاومة النظام المقتلع فعمت كل ربوع السودان وتجلت في اعتصام نيرتتي بمحلية غرب جبل مرة بولاية وسط دارفور، وهنا ينصع التعامل الحضاري من جانب المعتصمين باتباع السلمية طريقا لطرح المطالب، والحوار مدخلا من جانب الحكومة لمعالجة الأوضاع، وحسنا فعلت الحكومة بجلوسها مع لجنة الاعتصام والاستجابة للكثير من المطالب لمعالجة مشكلة التفلتات الأمنية التي أرقت المواطنين بإزهاق الأرواح، وجمع السلاح وتأمين الموسم الزراعي ودعم التعايش السلمي وإنشاء محكمة ودعم مؤسسات سيادة حكم القانون.
لقد تبدل الحال بعد ثورة ديسمبر المجيدة فأصبح التعبير السلمي هو السبيل الأمثل لطرح المطالب من جانب الشعب والحوار هو الأنجع من جانب الحكومة لوضع الحلول، وما يهم هو أن تستمر السلمية والصبر على الحلول لأن خراب ثلاثين عاما لا يبنى بين يوم وليلة، ومن المطالب ما تمكن الاستجابة له عاجلا ومنها ما يتطلب الوقت باعتبار أنه من القضايا موضع الحوار مع حركات الكفاح المسلح مثل مشروعات التنمية الكبرى.
ومن محامد الأقدار أن وضع سوداننا الحبيب على منصة الانطلاق نحو المدنية بتوفيق الله وتضحيات بنات وأبناء الوطن المخلصين، رحم الله من نحسبهم شهداء من أجل إرساء دعائم الثورة والتغيير وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين والعودة الآمنة للمفقودين، فبفضلهم جميعا لن يكون سودان ما بعد الثورة كما هو قبلها
ومن يزرع السلام لا يجني إلا السلام والوصول للخلاصات والنتائج الإيجابية يتم عبر اتباع المقدمات والمداخل المناسبة، وما قدمه مواطنو السودان في نيرتتي يمثل دفعة قوية نحو المدنية المرجوة التي مهما كان الطريق إليها شاقا فستظل غاية ستدرك وبالفعل إن (من سار وصل) و(كلنا نيرتتي).