الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (28)
بقلم: حسين سعد
عرفت المجتمعات الأوربية محاولات عدة لإحلال السلام من قبيل ” السلام الروماني ” الذي أرسته السلطات بين شعوب الإمبراطورية المترامية الأطراف كما عرفت “السلام المسيحي ” كحل للصراعات بين الشعوب الأوروبية المسيحية والتي نجمت عن التفتت الذي لحق بالإمبراطورية الرومانية فيما بعد ونشوب الصراعات بين الأمراء والملوك الأوربيين في ظل سيطرة الكنسية البابوية لكنه لم يصمد طويلا فكانت اتفاقيات ويستفاليا 1648 التي أرست دعائم توازن القوى كآلية لتنظيم القوة وتوزيعها بين الدول الأوربية المتحاربة وهو وإن نجح جزئياً،ومؤقتا في الحفاظ على سلام قلق وهش فيما بينها إلا أن النهاية كانت مأساوية بنشوب الحربين العالميتين .ثم جرى إحلال صيغه أكثر تقدما قائمة على أساس الأمن الجماعي لمنع تركز القوة لدى طرف وإيكال مسؤولية حماية السلام على عاتق الجميع وعلى هذا الأساس قامت الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة لتتكفل بحماية الأمن والسلام في العالم واستطاعت برغم الكثير من الإخفاقات المتمثلة في النزاعات المحدودة بين الدول الصغرى والنزاعات الداخلية إلا أنها نجحت في منع وقوع حرب بين الدول الكبرى والحفاظ على نوع من أنواع السلام أكثر استقرارا. وفي ضوء التبدلات في موازين القوة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة والتي أفضت إلى إقامة نظام سياسي دولي جديد على أساس القيم الغربية ، لاقت نظرية “السلام الديمقراطي ” ،إحدى أهم النظريات في السياسة الدولية التي أطلقها فرانسيس فوكوياما ، رواجاً بين الأوساط السياسية والأكاديمية الأميركية بعد انتهاء الحرب الباردة. يجادل فوكوياما أن الأنظمة الديمقراطية تميل إلى تبني سياسات تعاونية في التعامل مع أنظمة مشابهة لها في حل القضايا الخلافية التي قد تحدث فيما بينها بخلاف الأنظمة الديكتاتورية التي تميل أتباع سياسات صراعية وإلى الحرب في تعاملها.
التحول الديموقراطي:
ومن جهتها شددت عالم الفكر مجلة دروية محكمة تصدر عن المجلس الوطني للقافة والفنون والاداب الكويت – العدد 174 – ابريل –يونيو2018 شددت علي ضرورة النظر الى دساتير الانتقال الديموقراطي من حيث وظيفتها الرئاسية والمتثلة في ضمان عملة التحول نحو الديموقراطية وتدعيم مؤسسات الدولة المعنية بالانتقال الديموقراطي وتحقيق اسس وركائز المصالحة الوطنية التي تفضي في النهاية الى مجتمع قوي متماسك مترابط .وقالت عالم الفكر التي إطلعت عليها (مدنية نيوز)ان نصوص الدستور الانتقالي تؤسس على مبادئ ومميزات وخصائص لم تكن موجودة في الدساتير البائدة الاستبدادية حيث تؤدي ثقافة التسامح وفعل الحوار والمكاشفة والشفافية أدوارا مهمة فب بلورة النصوص الانتفالية خاصة ان قضايا الحوكمة والشفافية ما عادت اليوم شأنا داخليا تتوراى عنه الدول بمبدأ السيادة مما جعل جعل الدول في مرمى المتابعه من المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الشأن ، لقد كان نموذج جنوب افريقيا عام 1996 نموذجا لكيفية التوصل وبشكل جماعي عن الحلول السياسية التوافقية للأزمات الكثيرة التي تطرأ عند اعداد دساتير الانتقال حيث عكس ذلك الدستور اليات التوافق والتعايش والتصالح حيث تفاوضت قوى المؤتمر الوطني مع السلطات العنصرية التي كان عليها التخلي عن الحكم كم تفاوضت هذه القوى مع بقية الاطراف اليموقراطية الاخرى لوضع قواعد ديموقراطية شرعية جديدة وتأسيس مرحلة ديموقراطية جديدة تفضي الى دولة القانون هشاشة:
تضمّ قائمة الدول الأكثر هشاشة في إفريقيا طبقاً لتقديرات عام 2014م نحو 26 دولة، من بينها: (الصومال، وإريتريا، وبوروندي، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، ومالي).والصراع العنيف الذي تشهده الدول الهشّة يولّد الانقسام الاجتماعي، ويعطّل جهود التنمية، ويقف حائلاً أمام تحقيق التنمية المستدامة، وهو الأمر الذي ينتهي إلى مسار التسلطية وانتهاك حقوق الإنسان ،وشهدت نهاية الحرب الباردة تراجعاً متزايداً في اهتمام القوى التقليدية بإفريقيا في النظام الدولي، حيث بدأت فرنسا في تقليص وجودها في نطاقها الفرانكفوني الإفريقي، كما توجّه الغرب صوب دول الكتلة الاشتراكية السابقة، ولكن سرعان ما أدى الاهتمام الصيني المتزايد بإفريقيا إلى عودة الاهتمام الغربي الاستراتيجي بهذه القارة، فقد أضحت البلدان الإفريقية موضوعاً لأنماطٍ جديدةٍ ومتعددةٍ من التدخل والصراع، وذلك من أجل النفوذ والحصول على الثروات، بين قوى قديمة، وأخرى جديدة صاعدة وطامحة كالصين والهند.
تجارب انتقال:
وتقول دراسة لمركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية أطلعت عليها (مدنية نيوز)ان تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة يكشف الكثير من دروس التجارب السابقة في الإنتقال الديمقراطي بشكل عام، وإصلاح القطاع السياسى والأمني بشكل خاص، فقد تميزت هذه التجارب بمستويات مختلفة من الفاعلية والنجاح في الدول التي عايشت الصراعات من الحكم الشمولي عقب سقوط جدار برلين فى نوفمبر1989، وما سبقه وتلاه من ثورات ديمقراطية إجتاحت عدد من البلدان الأوروبية وإنعكس صداها على الواقع العربى ، وظل الدرس المهم المستخلص من التجربة العالمية المقارنة فى الإنتقال السياسى وإعادة البناء المؤسسى، أن تحقيق السلام السياسى والإستقرار المجتمعى على المدى الطويل يعد ضربا من المستحيل دون إقامة نظام سياسى وأمني منضبط قانوناً وسلوكاً، لذا لاتزال مرحلة الإنتقال الديمقراطي المضطربة في تونس متواصلة؛ وذلك فى ظل إستمرار حالة القلق الأمنى المتصاعد ما بعد تنفيذ عدد من الإغتيالات السياسية وتواتر القيام ببعض الأعمال الإرهابية، وفي مصر مازال النظام الحاكم يواجه إشكاليات التعامل مع تبعات الأزمات المزمنة المتراكمة من الفترات السابقة، بمستوياتها المختلفة اقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً وأمنياً.. (يتبع)