المنسقية العامة للنازحين واللاجئين والمشهد السياسي
بقلم: محمد بدوي
في 12 فبراير/2022 نشرت وسائل الإعلام بيان حمل توقيع الناطق الرسمي بإسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، فحوى البيان ركز على تجاوز جولة المشاورات الأولى التي أطلقتها بعثة الأمم المتحدة لدعم الفترة الإنتقالية بالسودان “يونتامس” للمنسقية، صدر البيان بعد تصريحات رئيس البعثة السيد/ فولكر بيترس عقب إعلان انتهاء جولة اللقاءات التي اشار إلى أنها “شملت النازحين“ لعل بيان المنسقية قصد توضيح أن هنالك جسم مدني يمثل الفئتين في مهام التواصل والتنسيق القضايا ذات الصلة بما فيها المشاورات ذات الطابع الإنساني والسياسي والإعلامي والحقوقي، في تقديري أن وجود أجسام مثل المنسقية أمر إيجابي لأنه يشير إلى رسوخ ثقافة العمل المدنى وسط أصحاب المصلحة في إتساق مع أدوات التغيير التي عبرت عنها شعارات ثورة ديسمبر 2018 المدنية والسلمية.
من ناحية ثانية في الثاني عشر من مايو 2022 نشرت قوى الحرية والتغيير بيان بعنوان موقف قوى الحرية والتغيير حول المرحلة التحضيرية للعملية السياسية الميسرة بواسطة الآلية الثلاثية” الأمم المتحدة، الإتحاد الإفريقي والإيقاد والتي أعلن عن إنطلاقها في الحادي عشر من مايو2022، جاءت الفقرة الثانية تحت عنوان القوي لمستهدفة بالعملية السياسية مؤكدة ضرورة شمول المشاورات لكافة القطاعات الفاعلة من السودانيين/ات، في ذات الفقرة عرفت القوى المناهضة للإنقلاب ب. “تحالف الحرية والتغيير، لجان المقاومة، حركات الكفاح المسلحة الموقعة وغير الموقعة على إتفاق جوبا، القوي السياسية والمدنية التي كانت جزء من الحرية والتغيير 11أكتوبر2019 ثم خرجت منه.
بالعودة إلى البيان الاحتجاجي للمنسقية النظر إلى الفقرة الثانية من بيان الحرية والتغيير المشار إليه نقف على غيابها من قائمة مشاورات الجولة الأولى لليوتنامس ومن الإشارة إليها ضمن القوي الفاعلة والمناهضة لإنقلاب 25أكتوبر2021، قد يثور سؤال حول الأسباب والحجج التي تدعم النظر إلى المنسقية كفاعل أصيل لتشملها المباحثات وتضم إلى القوي الحية الفاعلة والمناهضة للإنقلاب.
النظام السابق رسخ لمفهوم مطابقة النازحين واللاجئين و الحركات المسلحة هو ما سار عليه إتفاق سلام السودان 2020″ اتفاق جوبا”، وهو خلط بين مفهوم أصحاب المصلحة و الحركات المسلحة وهذا يشرح أحد أسباب فشل اتفاقات السلام السابقة سواء إتفاق أبوجا 2006ثم وثيقة الدوحة2011، لم يتخلف إتفاق جوبا حتى الآن سابقيه، أن لم يكن شابه كثيرا إتفاق أبوجا 2006 في سياقات أحداث العنف اللاحقة، من نقاط الاشتراك بين ( أبوجا، الدوحة و جوبا) أنها لم تسطع أن تغير إيجابا في عدد المعسكرات في أرض الواقع والتي تبلغ 155معسكرا،رغم انه يمكن القول بتفوق أتفاق جوبا على سابقيه في تعددت حالات النزوح لبعض المجموعات بما بلغت ثلاث جولات منذ2003 إلى 2019، أضف إلى ذلك إرتفاع عدد النازحين واللاجئين و لاسيما بعد أحداث” جبل مون وكرينك” التي شهدت أكثر من موجة عنف خلال 2021- 2022.
خطل الإعتقاد بتمثيل أصحاب المصلحة عبر الحركات المسلحة و ليس أجسامهم المدنية هو ما قاد إلى تحول فكرة صناعة السلام إلى تسويات سياسية يقتصر فيها توزيع المناصب الوزارية على القادة، بما ظل يتجاوز النساء من عضوية ذات الحركات، ولعل إتفاق جوبا كان أكثر تسليطا للضوء على العلاقة بين أصحاب المصلحة وقادة الحركات حيث يمكن كسب الرهان بأنه تزال وسائل الإعلام المحلية والعالمية في انتظار التقاط خبر زيارة احد قادة الحركات إلى أي من معسكرات النزوح، المفارقة أنه خلال الفترة الإنتقالية رحب فيها النازحين/ات بالدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق، والسيدة فاتو بن سودة المدعية السابقة للمحكمة الجنائية الدولية من قبل نازحي معسكري السلام “ابوشوك” وكلمه بكل من شمال وجنوب دارفور على التوالي.
سياسيا خلال الفترة الإنتقالية تراجعت الحالة الأمنية للنازحين من جراء إكتمال انسحاب بعثة حفظ السلام المختلطة ” اليونامد” دون أن يكون هنالك بديل أو بشكل آخر أنه كان غاب ما يعزز بذل الجهد و إستغلال اللحظة التاريخية التي خلقتها الثورة السودانية في حمل مجلس الأمن على التمديد لبعثة اليونامد لأبعد 31 ديسمبر2020 إلى حين إنجلاء مؤشر الفترة الإنتقالية، وهذا يدفع إلى الإشارة إلى أن سلسلة الأحداث الواسعة التي إستهدفت النازحين بدأت في توقيت زمني متزامن من إكتمال انسحاب البعثة من بعض المناطق، حيث فصلت تسعة أيام بين الانسحاب النهائي لليونامد و بين بداية الأحداث والتي يمكن أن نؤرخ لها بأحداث كريندق-1 في 20 يسمبر2020، وما بعدها حتى كرينك أبريل2022،أليس هذا يعزز من أن طبيعة ما ظل يحدث سياسي و مرتبط بصراعات السلطة في الفترة الإنتقالية.
تطبيق سياسة العقاب الجماعي في مواجهة المدنيين العزل من قبل النظام السابق وحلفاءه هو ما جعل النزوح خيار حتمي لكن لا يمكن ترجمته كتفويض للتعبير نيابة عنهم او تمثيلهم مع عدم اغفال حقيقة وجود التأييد الطوعي من البعض للحركات لكن سياسيا لا يمثل ذلك المطابقة أو إحلال حينما يرتبط الأمر بالبحث عن حلول جذرية، فالحركات التي ظلت تنشطر الى درجة وصولها للتفاوض عبر المسارات تقابله منسقية لم تنحي لذلك.
أخيرا: ثورة ديسمبر 2018 لا بد لها من تجاوز المحاور الجغرافية لإدارة الازمات السياسية والنظر للقضايا بمنهج الشمول الذي يمكن من مشاركة الأجسام المدنية السلمية، لأنه بالنظر إلى قوام الحركات فهم في الأصل مدنيين دفعتهم أسباب محددة إلى صفوف العسكرة، وهو ما يبقي الاستمرار في ذلك طوعي في نهاية المطاف عند الرغبة في العودة إلى الحياة المدنية، أذن الإنتباه إلى أصحاب المصلحة وأجسامهم المدنية في مختلف مناطق الصراعات بالسودان امر يجدر الدفع نحوه لأنه سيمهد الطريق إلى تماسك الحلول مستقبلا عبر مساهمتها المتوقعة في التحول الديمقراطي و ثقافة التداول السلمي للسلطة “الانتخابات” بدلا عن السلاح.