شبكة صيحة تطالب الحكومة الانتقالية بموقف واضح من العنف الممنهج
الخرطوم: مدنية نيوز
انتظمت خلال شهر يوليو الجاري عدد من الاعتصامات المطلبية بالمناطق المتأثرة بالصراعات والحروب في السودان، أبرزها اعتصامات: نيرتتي، وكتم، وكبكابية، ومستري، وأبو مطارق بإقليم دارفور. بجانب عدد من الاعتصامات الاخري بولايات جنوب كردفان وكسلا والخرطوم. هذه الاعتصامات هي بداية لحراك شعبي واسع، لأصحاب المصلحة من النساء و الشباب و والنازحين\ات والمتأثرين\ات بالنزاعات، مطالبة بتحقيق أبرز شعارات ثورة ديسمبر، السلام.
بدأت شرارة هذا الحراك المدني من ولاية وسط دارفور بمحلية نيرتتي، على مسافة 65 كيلومتر شرق زالنجي حاضرة الولاية، بتاريخ 27 يونيو، حيث اشتهرت عبارة المعتصمين (وينو السلام وينو – جيبوا السلام جيبوا)، لتتوالى بعدها الاعتصامات و الحراك المطلبي ليشمل عدة محليات من معظم ولايات الإقليم. ابتدأ هذا الحراك على خلفية انتشار الميليشيات القبلية وأعمال السلب والنهب، بالإضافة لهيمنة مطلقة لمنسوبي النظام البائد على مفاصل السلطات المحلية والإدارات التنفيذية بتلك المناطق. فعلى الرغم من مرور عام ونصف على سقوط نظام المؤتمر الوطني، نجد أن محلية نيرتتي مثلا، وعدد من محليات الجبل بولاية وسط دارفور خلال شهري مايو ويونيو، قد شهدت أعمال عنف وسلب ونهب بواسطة الميليشيات مما أسفر عن سقوط 50 قتيلاً، الذي ساهم بشكل مباشر في تهديد الموسم الزراعي. وهو ما ينطبق عليه الحال تماماًً في محليات كتم و مستري و كبكابية وصولاً إلى كادوقلي بجنوب كردفان.
هذا الحراك المدني السلمي الواسع يحمل في طياته موجة ثورية جديدة، تضع اصحاب المصلحة من الشباب و النساء و النازحين المتأثرين من الحروب في سدة المطالبة بالحقوق، و يجعل الحركات المطلبية و منظمات المجتمع المدني والمجموعات الفئوية و القاعدية في رأس الرمح في الحراك و المشهد السياسي، الذي لطالما تصدرته النخب والمجموعات السياسية التقليدية والحركات المسلحة. كما أن الحراك المدني يشهد مشاركة نسائية فاعلة جداً. وبذور وعي لتحقيق المساواة و العدالة للنساء من مناطق النزاعات اللاتي كن الحلقة الأضعف طوال العقود الماضية، فمن خلال المطالب التي جرى تقديمها بواسطة لجان الاعتصامات، نجد تناولها لضرورة توفير مراكز رعاية صحية بهذه المناطق، وضرورة توفير مشاريع تنموية للنساء، وأيضاً الاهتمام بالقطاع الزراعي الذي تشكل النساء معظم الأيدي العاملة به بتلك المناطق وضرورة توفير حماية للمزارعات والموسم الزراعي ككل. لأن النساء هن الأكثر تأثرا بحالة عدم الاستقرار الأمني، ويتعرضن للعديد من حوادث السلب والنهب والاعتداءات الجسدية والجنسية، مع صعوبة الوصول للعدالة.
لقد عانى الأهالي بهذه المناطق من ويلات الحرب و التشريد و التهجير والتنكيل طوال عهد النظام السابق واندلاع النزاع المسلح بإقليم دارفور في العام 2003. وقد استمرت مظاهر التهميش وعدم الاستقرار الأمني أيضاً عقب ثورة ديسمبر، التي كانت بمثابة طوق النجاة الذي دفع هذه الشعوب في تلك المناطق الاستبشار بالثورة والانخراط في المقاومة السلمية.
واليوم، بعد مرور ما يقارب العام ونصف، لم تشهد تلك المناطق أي تغييرات تذكر، بل ازدادت معاناتهم مع استمرار القمع وتطاول المليشيات وانتشار العسكرة وغياب حكم القانون، وانعدام رؤية واضحة للعدالة الانتقالية وايجاد حلول جذرية. بينما تستمر نفس المعالجات القديمة التي أثبتت فشلها فى التوصل إلي صياغة عملية سلام جذرية تتسم بجهد متصل وانخراط جاد مع نساء وشيب وشباب دارفور بتنوعهم واختلافاتهم القبلية والثقافية، أصحاب المصلحة الحقيقية فى التغيير.
كما نشيد ونوكد علي أهمية منح انسان دارفور حق التجمع السلمي والتعبير عن رأيه بحرية. و بفض اعتصام كتم يوم 12يوليو/2020 من قبل الشرطة، نشهد مأساة جديدة يسيطر فيها عنف غير مبرر ضد المواطنين العزل السلميين الذين لا تتجاوز مطالبهم حد المعقول والمستطاع تنفيذه من السلطات. وما تلاه من فض وقتل وتنكيل لاعتصام فتابرنو بتاريخ 13 يوليو بواسطة الملشيات المسلحة وما نتج عنه 9 قتلى و 14 جريحاً وحرق سوق فتابرنو. كلها ظواهر تؤكد أن مطالب أهالي دارفور بالأمن و السلام لاتزال بعيدة عن الواقع المعاش.
نحن في المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (شبكة صيحة)، نترحم على شهداء أحداث فض الاعتصامين ونتمنى عاجل الشفاء للجرحى، ونندد بأحداث العنف غير المبرر ضد المتظاهرين\ات السلميين\ات، ونؤكد على مواصلة دعمنا للنساء والفتيات والحراك المدني عامة بكافة أنحاء السودان ومناطق النزاعات ودارفور تحديداً، كما نواصل التزامنا بدعم مجهودات الفترة الإنتقالية ومساندة الحكومة الإنتقالية في مهامها المتعلقة بحقوق النساء والإنسان ، خصوصا بعد إجازة الخطة الوطنية لقرار مجلس الأمن 1325 المختصة بالمرأة والأمن والسلام. ولكن، هذه المساندة مشروطة بتوفر الشفافية والجدية من كافة مكونات الحكومة وهياكلها وإشراك حقيقي لأصحاب المصالح وانتهاج المشاركة المجتمعية في صنع القرار.
ونطالب الحكومة الإنتقالية التي أتت علي خلفية نضالات وتضحيات السودانيين/ات المتواصلة من أجل الحرية والسلام والعدالة بـ:
أن تتخذ مواقف جذرية ومخططات إستراتيجية تناهض العنف الممنهج في إقليم دارفور وإقليم شمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن تضع مخططها بالتشاور مع أصحاب المصلحة من المجتمع المدني والنساء داخل مناطق النزاعات بالسودان المستفيدين من تحقيق مطالب السلام والمتضررين من العنف وانعدام الامن.
أن تعمل بجدية علي إعادة النظر فى القوانين التمييزية والسياسات التي تكفل عدم محاسبة القوات العسكرية والأمنية، تلك القوانين السارية حتي تاريخة والتي تتيح ممارسة العنف والارهاب ضد النساء دون محاسبية والتي ستظل عائق امام أي جهود مبذولة لتحقيق السلام والعدالة.
نحث الحكومة الانتقالية على التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وقطاعات النساء والمؤسسات الأهلية بمختلف خلفيلتها وإتباع منهج الشفافية فى طرح قضايا السلام بما في ذلك المعيقات والمهددات.
على الحكومة الإنتقالية الإسراع فى استكمال هياكل الحكم المدني بما فى ذلك مفوضية السلام. ونظل نؤكد على أن الوجود القوي للميليشيات المسلحة وإنتشار العسكرة وسيطرتها على الحيز المدني سيظل العامل الأساسي الذي يهدد أمن النساء، والعامل الحاسم الذي يعيق فرصة البلاد في الانتقال السلمي. كما سيشكل وجود الملشيات عقبة حقيقية فى الوصول إلى سلام مستدام ومتفق علية و بالتالي، يجب أن تحظى الترتيبات الأمنية بالأولوية التى تتضمن إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية.