(آسيا).. فتاة تكسر حاجز الصمت وتمتهن التكييف والتبريد
الخرطوم: عازة أبو عوف
(آسيا) مثلها مثل الكثير من البنات في السودان اللائي حرمن من التعليم باعتبار نوعهن كنساء، لكنها لم تستكن للمنع وآمنت بحلمها في التعلم وقدرتها على امتلاك مهنة وحرفة بدلاً عن (غسل وكي الملابس).
ظلت تحاول وتحاور والدها سنيناً عديدة ليسمح لها بالدراسة، إلا أنه كان يعتقد أنها لو أكملت تعليمها ستخرج عن سيطرته ولن تنصاع لأوامره، في الوقت الذي يكد في العمل من أجل تعليم أبنائه الذكور.
تركت آسيا التعليم الأكاديمي ولكن لم تترك حلمها في التدريب والتعلم، وأظنها اختبرت قوتها بإقناع والدها لكي يسمح لها بالتدريب في كورس أقامته المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (شبكة صيحة) لتمليك البنات مهنة عبر شراكة مع إدارة التدريب المهني، ووافق والدها بشرط أن تترك التدريب حال قررت أسرتها السفر خارج ولاية الخرطوم، وحسب حديثها فإنها كانت متأكدة من أنه لا ينوي السفر وإنما هو نوع من الضغط عليها لإلغاء فكرة التدريب، ولذلك قررت الموافقة على ما وصفته بالشرط التعجيزي. وبدأت (آسيا) حياة أخرى حين اختارت التدريب على التكييف والتبريد وحملت شهادتها إلى والدها الذي كتم فرحته غير أنها قالت إنها شعرت بها رغم أنه لم يعلنها، وأرجعت ذلك لكونها أنثى.
ثم واصلت (آسيا) في إفاداتها لـ (مدنية نيوز) اليوم، بأنها تلقت تدريباً عملياً في إحدى الورش الصناعية في الشجرة مع تقاطع (شارع جبرة الرئيس)، وأخضعت نفسها لاختبارات وتحديات أخرى لكنها ليست في مواجهة والدها وإنما في مواجهة المجتمع ككل، حيث تعرضت لتساؤلات حول كيف لفتاة أن تعمل وسط الرجال في ورشة لصيانة الثلاجات؟، لكنها كما قالت (الزول بجيب احترامو براه)، وأبدت فخرها بأنها جديرة بهذه المهنة التي وضعت فيها أحلامها ورأت أنها تمثل فرصتها في تحقيق ذاتها.
استطاعت (آسيا) حسب حديثها أن تغير مفهوم والدها وأسرتها والمجتمع حولها بأن هناك نساء قادرات على طرق الأبواب التي أغلقت بفعل المجتمع، وأن هناك إمكانية لارتياد النساء عوالم المهن المحصورة في أذهان غالبية المجتمع للرجال، وأنه ليس هناك ما يحول دون امتهانهن مهناً تقيهن الفقر طالما امتلكن مهاراتها وأثبتن جدارتهن العملية في الورش وغيرها من أماكن العمل.
(آسيا) احتفظت لـ (صيحة) وللمدافعة عن حقوق النساء جليلة خميس، بكل ما وصلت له اليوم، وتعهدت بأن تكون كما يتمنين لها، وألا تخذلهن وأن تكون قدوة لغيرها من البنات الراغبات في الكسب الحلال والقادرات على تحقيق أحلامهن من صاحبات الإرادة.
وقالت (آسيا) إن جليلة خميس، علمتها أن تكتشف نفسها وأن تحلم وتضع تصوراً لمستقبلها (من ستكون وماذا تريد؟)، وأضافت وهي تذرف دموعاً: (رد الجميل صعب وما أنا عليه الآن بفضلهن).
فتحت (آسيا) الباب واسعاً حول قدرة البنات على العمل في مجالات نُمِّطت للرجال ومنعت عنها الفتيات، فآسيا أصبحت المفضلة لكثير من (زبائن الورشة) لجودة عملها وتميزها على زملائها، طبقاً لمتابعات (مدنية نيوز).
(آسيا) كسرت حاجز الصمت وحلمت وصممت ولا زالت تحلم بأن تكون لها ورشتها الخاصة، بعد أن أصبح والدها يفخر أمام الجميع بأنها ابنته، وتابعت: (أبوي عرف كل ما إتعلم وأفهم احترامو لي بزيد)، ومضت للقول إن ثقته فيها أصبحت عالية جداً، حيث سمح لها بالسفر للخارج بعد وساطة الناشطة في مجال حقوق النساء جليلة خميس.
وأصبحت (آسيا) في اليوم العالمي للبنات إضافة في رصيد النساء السودانيات، وأضافت نموذجاً يدرّس في التحدي والإصرار وامتلاك الإرادة والعمل الدؤوب لتحقيق الأحلام، ولاشك أنها ستصل يوماً ما لما تريد، هذا ما تراه عدد من الناشطات اللائي علمن بتجربتها.
جانب آخر كشفت عنه تجربة (آسيا) هو التعليم الأكاديمي وقصر النجاح فيه وفقاً لما يُصوّر في الذاكرة الجماعية، متجاوزين فكرة أن الرغبة هي أساس النجاح في أي مجال من مجالات التعليم.
واليوم العالمي للفتاة حسب موسوعة (ويكيبيديا) هو الاحتفال الدولي الذي أعلنته الأمم المتحدة في (11) من شهر أكتوبر من كل عام، لدعم الأولويات الأساسية من أجل حماية حقوق الفتيات والمزيد من الفرص لحياة أفضل، وزيادة الوعي من عدم المساواة التي تواجهها الفتيات في جميع أنحاء العالم على أساس جنسهن.
ويشمل ذلك التفاوت مجالات مثل الحق في التعليم، والتغذية، والحقوق القانونية، والرعاية الصحية والطبية، والحماية من التمييز والعنف والحق في العمل، والحق في الزواج بعد القبول والقضاء على زواج الأطفال والزواج المبكر.
ويعكس الاحتفال باليوم أيضاً نجاح الفتيات والنساء الشابات كمجموعة متميزة في سياسة التنمية والبرمجة والبحث.