ثوار المنشية تعظيم سلام .
بقلم: لمياء الجيلي
التحية لثوار شرق النيل الذين يتمسكون بتعجيل العدالة ومحاسبة الجناة والمسؤولين عن مقتل الشهيد محمد عبد المجيد، له الرحمة والمغفرة والصبر وحسن العزاء لأسرته ولأهله وللشعب السوداني الذي خرج من أجله ومن أجل استكمال هياكل السلطة الانتقالية وتحقيق مطالب الثورة.
ترجم الثوار مطالبهم وغضبهم في اعتصام سلمي جديد يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من مجزرة أخرى قد تحدث من جهات ما في محاولة لفض اعتصام المنشية شبيهة بتجارب سابقة مريرة، الأمر الذي يتطلب يقظة وحذر الجميع، ويتطلب دعم الثوار وحمايتهم.. كما يتطلب إسراع حكومة الفترة الانتقالية في تحقيق مطالب الثوار الشرعية والعادلة، والتي تتمثل في إقالة مدير شرطة شرق النيل في فترة زمنية أقصاها 24 ساعة، والكشف عن القوى التي أطلقت الرصاص على الشهيد وعلى المصابين وقائد القوى ووكيل النيابة المرافق للقوى والجنود حاملي السلاح الناري، كما طالبوا بإعلان تنفيذ المطالب أعلاه عبر بيان رسمي لوالي الخرطوم في مدى زمني لا يتعدى 48 ساعة. ونتمنى أن يتم تحقيقها بأسرع ما يمكن ودون تردد إحقاقاً للحق، وإكراماً للثورة والثوار.
ما حدث خلال الفترة الانتقالية من انتهاكات لحقوق الإنسان ومن استمرار لنزيف الدم في مناطق مختلفة في البلاد، ومن استهداف واضح وممنهج للثوار ممثلين في لجان المقاومة وللمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، والقائمة تطول؛ “لا يشبه ثورة ديسمبر المجيدة “، وعلى حسب تعبير الثوار “لا يشبه المدنية”، ولا الثمن الغالي الذي قُدم لتحقيقها، فإسقاط دكتاتورية الإنقاذ البغيضة والتغيير السياسي الكبير الذي حدث بالبلاد يجب أن يجني ثماره الشعب السوداني أمناً وأماناً واحتراماً وإعزازاً لكرامتهم.، فالطريق لم يكن مفروشاً بالورود ولا معبداً بالتبريكات والزغاريد، بل دُفع فيه ثمنٌ غالٍ جداً من خيرة شباب وشابات هذا الوطن، وبسببه اعتقل من اعتقل وعُذب من عُذب، وشُرد من شُرد، فليس من العدل ولا الإنصاف أن تظل ردود الفعل الأمنية تجاه الثوار كما هي دون تغيير، وأن يتواصل نهج القمع والانتهاكات المتكررة لحق التعبير دون أن يغمض للقائمين على أمر الحكم والمسؤولين عن أرواح المواطنين وأمنهم وأمانهم في الفترة الانتقالية جفن. وآخر هذه الخروقات والجرائم، ونتمنى أن تكون الأخيرة؛ ما تم من انتهاكات لمواكب (21) أكتوبر من استخدام مفرط للقوة واستهداف ومضايقات للصحفيين واعتراضهم أثناء تأدية عملهم، كما حدث لصحفيي قناتي الحدث وسكاي نيوز أثناء تغطية المواكب.
استوقفني بيان لجان مقاومة كررى الغاضب والحزين على فقد فلذات أكبادنا في المواكب السلمية واستمرار نهج لا يلوح في الأفق بريق أمل لنهاية قريبة له. فقد جاء في البيان الصادر في 21 أكتوبر للجان مقاومة كرري:” لا بد من المحاسبة العاجلة من دون تكوين لجان التحقيق التي لا تؤتي بأي ثمار كما عهدناكم سابقاً، فالدم السوداني أغلى وأعظم من أن يضيع هباءً في ظل وجود “حكومة مدنية””. واضح من البيان مدى غضب وإحباط ويأس الثوار من لجان التحقيق ودورها في كشف الحقائق وصولاً للجناة ومحاسبتهم. وهذا اليأس لم يأت من فراغ؛ بل نتاج طبيعي لتأخر نتائج التحقيق في عديد من اللجان، وتأجيل العدالة نتيجة لتكوين هذه اللجان. وفي السابق كان النهج السائد هو تكوين اللجان لامتصاص الغضب فقط ولكسب الوقت حيث كان يتم تداول مقولة “إذا أردت أن تقتل قضية شكل لها لجنة”. وللأسف لم يشعر الشارع السوداني بأي تغيير كبير في هذا النهج بدليل تكوين أكثر من أربعين لجنة تحقيق في قضايا جنائية، خلال الفترة الانتقالية، بهدف كشف الحقائق عن تلك الجرائم وتحقيق العدالة، لم يتم نشر نتائجها حتى الآن، كما لم يتم إعلام الرأي العام بخطوات اتخذت لتحقيق العدالة بناءً على توصيات أيٍ منها.
ومن اللجان المهمة وأهمها بالنسبة للثوار وللشعب السوداني لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة، والتي مضى على تكوينها أكثر من عام ولم تظهر حتى الآن نتائج التحقيقات التي أجرتها مما يزيد من خوف تأثير ذلك على الأدلة وعلى الشهود وحمايتهم، كما يُعظم الإحساس باليأس من تحقيق العدالة لدى الضحايا وأسرهم ويريح الجناة ويعظم ثقتهم بإمكانية إفلاتهم من العقاب.
ليس من العدالة أن نُلقي اللوم كله على لجان التحقيق في تأخر تحقيق العدالة وتمهيد الطريق لمحاسبة الجناة؛ فتلك اللجان أغلبها تم تكوينه بتفويض محدود ومقيد بالمادة (47) من قانون الإجراءات الجنائية، وبعضها به خلل في الطريقة التي تم بها التشكيل وفي عضويتها، بالإضافة إلى التقصير في توفير المعينات والمساعدات اللوجستية والفنية من الجهات المنوط بها ذلك.
عدم تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة وإفلاتهم من العقاب في قضايا قتل المتظاهرين خلال الفترة الماضية شجع المعتدين والمنتهكين أياً كان مسماهم أو رتبهم على التمادي في إزهاق الأرواح واستمرار نهج القمع والقتل وإذلال كل من خرج بسلمية تامة للتعبير عن مطالبه، ومواصلة للنضال من أجل غد أفضل. وهذا الأمر لن يتغير ما لم يرو العدالة تتحقق أمام أعينهم، ويُحاسب الجناة على جُرمهم مهما كانت رتبتهم العسكرية، أو وظيفتهم السياسية.