(ود مجوك).. الناسك المبذول حُباً (للرسول)
بقلم: محمد بدوي
الخامسة عصرا ,الشمس حانية جدا , أشعتها في انتماء لذلك البهاء الصوفي الذى يسير بتمهل جائلاً الشوارع الرئيسية للمدينة من نقطة انطلاقها عند دار الطريقة القادرية العركية بحي (مكركا) المجاور لسوق (شباب النيل), انطلق المريدون شرقا(صباح) بعد أن اجتازوا (لفة) المدرسة التجانية الابتدائية (أ) خرج الجميع لمعانقتهم , و اياديهم ترتفع في حميمية مع أيادي ضاربي (النوبات ) فيما سرى صوت الزغاريد (البكر) من الصبيات ليضيف حرفا موسيقيا آخر يسكن حميما عصب إيقاع (مديح) قائد الاوركسترا الصوفي الوله (ودمجوك) , لم يكتفين بذلك بل سرت زخات الماء التي رشتها النسوة بأغصان أشجار الجهنمية فهي في سياقها مرحبة بمداح المصطفى و ب(ود مجوك).
النسوة اللائي تركن على عجل (حلل) صناعة حلاوة المولد في (المناقد) حرصن الأ يغبن عن ذلك الوصل, فلم يتمهلن ليضعن شيئا اخر غير (السفنجات) على أرجلهن فيما ظلت الثياب نصفها على الاجساد و ما تبقى على الارض فانه كرنفال حب يتكرر مرة كل عام في اليوم السابق لذكرى ميلاد الرسول الحبيب (أبو فاطمة ) الأعين تترقب (ود مجوك) في حالته الخاصة حين يلهج لسانه بالمديح فيخرج عن محيط الحال وإن ظلت قداماه تلامس الأرض, يظل رأسه يهتز ميمنة وميسرة في حفظ لإيقاع (الدعاء) ,أما عيناه فمنهما يترقرق الوجد بائنا، فالحال هنا (مولاي أنا غارق في بهائك ) يرتقى صوت ود مجوك منافحا كمال السحر مع دقات النوبة (تهنئة لمحمد (ص) بعيد ميلاده ) حين يسكب المصطفون على جانبي الشارع طلاوة الصلاة عليه كلما ذكر أسمه مدحا أو رجاءً وتهنئة مباركة.
ف( ود مجوك) الناسك (حفر) في قاموس الوجد الصوفي أن الانفعال حد التماهي بتلك الذكرى ليست بدعه إنما هو وصل روحي يبدأ هنا و يمر بقبر (ابن عبدالله) وصلاً وصلاة عليه راحة واطمئنان . أصبح في ذهن الكثيرين اسم (ودمجوك) مرادفا أو مختزلا للطريقة القادرية العركية فسار الحال في سيرة المدينة وتاريخها (طريقة ود مجوك) فنصبته ذاكرتها (ملكاً لِلنوبة) كيف لا وهو من اخترق ذلك الحياء غير المبرر وبرع في أن يفصح عن حبه كيفما راق له التعبير في حالة جذبه الوفية.
تحفظ ذاكرة الحب ل(ود مجوك) أنه من أخرج الاحتفال بميلاد (المصطفى) من تقليدية (الليلة الأخيرة ) الى حيوية متصلة, ذهبت بعيداً الى عمق الوجدان فحرضت الصبايا والصبيات على الاصطفاف و أعلان انحيازهم الأنيق علناً (حيراناً) مجددين و مريدين ليس بحثا عن الحور العين بل (وجدا في هوى) محمداً (ص).
كلما سما (ود مجوك) في جذبه ارتفع الى سلم (الوله) فأصبح معها لفظة (الأنا) التي كانت في عادة تجلس على مقاعد (الأنانية) عند أهل اللغة الى (أنا) واثقة (تتحكر) في مراتب التواضع , فيصير الامر (أنا الولهان في حبك سيدى ….فأكرم مقامي بالقبول) في الوصل الشفيف و (سُكر) النقاء و الصفح صاح (ود مجوك) بلهجة الواثق حد الجزم بأنه قادر على الطيران نحو ذلك المنادى من العلياء ,لم تفلح أياد امتدت و أصوات ارتفعت أن تعيده الى (واقع الأرض والبشر)، وهو يكرر محاولات التحليق في هزم ,حتى سقط لكنه كان سقوط (للجسد) حين طار (القلب) ولهًا سعيدا الى المنادى، فنهض مبتسما بألآمه ليدرك بأن (الله) في كل الامكنة وأن (الحج )اليه بالروح أقرب طالما ظل حبل الوصل (عشما في المغفرة) و (حبا في رسوله ) واحتراما (لشيوخ الطريقة وخلصائها). فدون أسمه : (ود مجوك) الناسك المبذول حبا (للرسول) والورع العاقد العزم بالتوكل (والفعل).