النيل الأزرق تتزين باحتفالات (جدع النار) و(القبائل والمناطق) تتفاعل مع (أعياد الحصاد)
النيل الأزرق: هويدا من الله
تعيش مناطق وقبائل مختلفة في ولاية النيل الأزرق في الأيام الحالية مهرجانات ثقافية انطلقت مع بداية فصل الخريف وتستمر لما بعد بداية موسم الزراعة مباشرة.
هذه الاحتفالات لها تفسيرات وتبريرات أصبحت جزءاً من معتقدات وعادات وتقاليد لا يمكن التخلي عنها على الإطلاق لقبائل منطقة جبل (الكيلي) والذي يعرف بجبل (الهمج) أو (تورناسي)، بالإضافة لقبائل (ودادو) و(بني شكو) وكذلك بطون (الرقاريق) في جبل (مياس) بمنطقة (بنقا وأبا بكور) و(همج البحر) بجبل (القرِّي) وبطون (الوطاويط) و(الدوالة) و(الأُدُك) و(الكوما) و(القنزا) و(الأنقسنا) وعموم بطون (البرتا) و(القمز) و(الكدالّو)، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.
وتتواصل الاحتفالات والرقصات حتى شهر أكتوبر، حيث يأتي الاحتفال الأكبر وهو طقس (مو طاغا) أو ما يعرف بـ (جدع النار) أو (أعياد الحصاد) وهو المهرجان الكبير الذي يتم الإعداد له بصورة كبيرة من حيث الملابس الجديدة وتوفير الطعام والشراب للمشاركين في الاحتفالات التي تستمر لشهرين أو (3) أشهر.
وفي الليلة الختامية يرقص المشاركون حتى الصباح وقبل الفجر بقليل يتجه الجميع إلى (رمي النار) في طرف القرية إيذاناً بنهاية المهرجانات بعد (رجم الأرواح الشريرة بالنار)، ويصاحب عملية جدع النار صياح الجميع و(زغاريد) النساء وهرولة شديدة كأنهم يطاردون شيئاً مخيفاً حتى أطراف القرية ورميه بالحجارة ليغادرهم، وفي اعتقادهم أنهم يطردون (الجوع والفقر والمرض وكل ماهو مضر بالقبيلة).
وقال الباحث في تراث السلطنة الزرقاء عبد الجليل محجوب لـ (مدنية نيوز) أمس، إن المعاني والدلالات من (جدع النار) له مقصد اجتماعي تكافلي، وفي هذه الفترة لا يقدم أحد على حصاد محصوله قبل نضوج محاصيل الآخرين، وهذا يعزز فكرة أن النفس البشرية واحدة، وكذلك له مدلول ثقافي يتم فيه التذكير بالقيم والموروثات والتعبير عنها بربط الأجيال الحالية بما مضى من الأسلاف.
وأضاف أن لجدع النار مقصد اجتماعي آخر، ويعتبر فرصة للشباب للخطبة والزواج وبناء أسرة، حيث يحرص الشباب على الحضور إلى مسقط رأسهم للاحتفال.
وأوضح الباحث في تراث السلطنة الزرقاء عبد الجليل محجوب أن في طقس جدع النار محافظة على الهوية من الطمس وللثقافة من التذويب وللغة من الاندثار، بجانب التعبير الديني والروحي الذي يتسم بالشكر للرب الرازق، واهب الخير والمطر والنماء، إضافة إلى تجديد العقد الاجتماعي بين القبائل، وفيه فرصة للعفو والتصافي والتسامح بين كل الخصوم وفتح صفحة جديدة تتسم بالتآخي والمناصرة.
ومن جانبه ذكر الباحث في تراث النيل الأزرق سيف محمود، لـ (مدنية نيوز) أن الرقصة الرسمية لـ (جدع النار) تسمى (إيرو)، وأنها رقصة لكبار السن من الرجال والنساء في إيقاع بطيء لأن طبيعة الأغاني تجدها تتحدث عن قيم اجتماعية وتوثيق للقبيلة.
وأردف: (أما الشباب من الجنسين فيجلسون خارج حلبة رقص الكبار ويعرف بـ (قَر القُوري) وبعد الانتهاء من الفاصل الخاص بالكبار تتحول الحلبة إلى النشاط والحيوية، وذلك بعد تغيير الإيقاع بأغانٍ خفيفة يشارك فيها الشباب من الجنسين وهو ما يعرف بـ (طاغيو) أو بمعنى (أرمِ فيه شيء يتحرك)، وبعدها يتحرك الشباب من الجنسين إلى الإيقاع الأسرع ويشارك فيه الجميع مع تماسك وتشابك الأيادي وضرب على الأرض وتحرك دائري سريع وهو شكل من أشكال الرقص الخاص بـ (جدع النار).
وحسب متابعات (مدنية نيوز) فإن أعياد الحصاد هذا العام تزداد ألقاً بتوقيع اتفاقية السلام، حيث يفرح الجميع بالعودة إلى مناطقهم التي دمرتها الحرب والتي ما تركت لهم غير جراحات يحاولون تجاوزها بالغناء والرقص.