الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

(البناء الوطني)

في ما يتعلق

بقلم: مشاعر عبد الكريم
الوطنية وعاء كبير، يمكنك وضع كثير من المقادير فيه، وتخرج مناسبة. لهذا لا يمكن تسمية (المتمرد) غير وطني لأنه من منظور هو وطني أكثر ممن يتهمه بعدمها.
بعد كل حلقة من حلقات برنامج (حوار البناء الوطني) الذي يبثه التلفزيون القومي ويقدمه الأستاذ (لقمان أحمد) والذي يصادف إنه مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون كذلك!، بعد كل حلقة تشعر أنت كمشاهد ومستمع للحوار، إن السودان سينهض (مارداً) من هذا الحطام وينتهي كل هذا الدمار في ظرف ساعة كحدٍ أقصى. لأن الحوار ببساطة يطرح أسئلة لا علاقة لها بما يحسه المواطن، والإجابة على تلك الأسئلة بطبيعة الحال ستكون مهوّمة في فضاء الأمنيات الغزيرة الهطول على لسان المسئولين.
متسولين على نوافذ أصدقاء السياسة، يمتطي المسئولين في الحكومة الانتقالية، دواب الكذب على الشعب، يخادعوننا بأن (كلو تمام) و بأرقام مليونية و دولارية، فنشعر نحنُ عامة الشعب بذلك الشعور حين تمر نسمة في حر الصيف، وتهمهم(يا سلاااام) لكن سرعان ما تعود موجة الحر لصهر جلدنا تحت نيرانها الحارقة. وها نحنُ ذا نتدحرجُ بين صفوف طويلة درجات حرارتها مرتفعة جداً ودرجاتُ إستوائنا عليها لا يمكن أن تقل عن الساعتين في أفضل الأحوال. إذن كيف نبني الوطن والساعات مُهدرة في انتظار الوقود و الخبز و الدواء؟ كيف يُمكن أن ننتقل إلى الحقبة الديموقراطية وما زالت ممارسات القمع والقهر ضد المواطن بائنة بشكل مباشر في إستمرار إساءة استخدام القوة و السلطة.. وبشكل غير مباشر في التجاهل التام للشعب ومدى حاجته لمعرفة ما الذي يحدث؟
يحدثني الشاب المستقر في صف صيدلية الإمدادات الطبية عن حاله الثابت منذ شهور لاستجلاب حقن معينة لزوجته الشابة الحامل والتي تحتاجها شهرياً بمعدل حقنة كل إسبوع وعن سعر الحقنة الواحدة.. وعن وعن..ليصفعني بالسؤال ( ليه يا أستاذة ما بتجيبوا الكلام ده في القناة؟) وما حيلتي أنا التي أقف بجواره أنتظر صرف روشتة دواء مسكن للآلام.. التي لا تسكنُ أبداً. أوافقه الرأي بأن الإعلام أقل بكثير من المرجو منه، خاصةً في هذه الفترة التي كان التصور عنها إنها وبتعاوننا جميعاً (سنعبر) لضفة الديمقراطية بشكل جيد و سنؤسس لسلوك صحيح في ما يتعلق بتطبيق مفهوم العدالة والحرية. لكن كما يرى الجميع( الأمنيات جميلة إذا لم تنزل حيز التطبيق.)
التضليل الآن لا علاقة له بتكميم الأفواه الذي كان يمارس في السابق. التضليل الآن يُمارس ممن كانوا يصرخون في وقت الظلم والظلام، بحقوق الإنسان السوداني.. وأيُّ مأساة هذه! أن يُظلم بريق السُلطة قلوب المسئولين فيمارسوا ذات الظلم القديم بطريقة جديدة فقط. والشاهد على ذلك نموذج برنامج (حوار البناء الوطني) الذي أختار أن يكون (بوق) السُلطة لا صوت الشعب الذي يمتلك القناة الفضائية القومية اقتداراً واستحقاقاً.
الشعب الذي ما زال عليه أن يدفع لكي يتنعم (الأفندية) بمميزات ومخصصات كثيرة لا حصر لها، فقط لأنهم أفندية، ونحنُ عامة الشعب.
التعب لا يبدو في وجوه البنائين حينما تراهم يقفون تحت هجير الشمس لأنهم بعد ساعات سيرون نتيجة صنع أيديهم ويبدو البناء بائنٌ على الأرض. فيجلسون يتسامرون حول (صحن فتة الفول) و ينتقدون بعضهم (البنّا والبناول الطوب)، التعب سيبدو على الجالسين في المكاتب الفخمة ذات الهواء المُكيف و أطباق الطعام غير الصحي، والشراب غير المقنن و.. و. لأنهم مرهقون من دعوات من تخاذلوا عن جلب حقوقهم بفشلهم المُريع والمتغطي ببدلات الثرثرة الاستعلائية ذات المصطلحات الأجنبية.
نجني الشوك بسبب زرعهم الفاشل، لكننا لن نصفكم بأنكم ليسوا بوطنيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *