الصراع الاقتصادي والمعركة القادمة
الركيزة
بقلم: أيمن سنجراب
ذهبت كثير من القراءات إلى أن إقالة وزير الصحة د. أكرم علي التوم، ترجع للصراع مع أصحاب المصلحة في السيطرة على القطاع الصحي ومنه عالم الدواء والتحكم فيه وإخراج الدولة منه ووقف الدعم الحكومي وخصخصة الصحة وتسليع العلاج وإضعاف المستشفيات الحكومية لصالح الخاصة وبالتالي الحفاظ على مصالح الطبقة المسيطرة على حساب البسطاء.
وإذا كان الوضع كذلك فإن المعركة في القطاع الصحي والمتمظهرة في الشقين (مستشفيات ودواء) ورغم أهميتها وكبرها ستكون هي المعركة التمهيدية لمعركة أكبر أو بالأصح المعركة الكبرى وهي معركة السياسة الاقتصادية للدولة ما بين التحرير الاقتصادي الكامل من جانب والحفاظ على القطاع العام ودعم الخدمات والسلع الأساسية من جانب آخر.
ومن تحليل الواقع ستكون ﻹقالة وزير الصحة تداعيات متواصلة وهي بمثابة مؤشر لاستمرار الصراع حول السياسة الاقتصادية للحكومة خلال الفترة الانتقالية، والقوى المساندة للسياسات الصحية المنحازة للمواطنين لن تقف متفرجة وستدافع عن ذلك التوجه لأن الصراع ليس صراع أشخاص بقدر ما هو صراع جوهري حول سياسة دولة، حيث يوجد تنازع في التوجه الاقتصادي، وبالمقابل فإن القوى المتصارعة مع الوزير وبالطبع مع سياساته ستستمر في محاولة فرض رؤيتها على الوضع الاقتصادي متخذة من المعركة مع د. أكرم علي التوم ونتيجتها المتمثلة في الإقالة زادا ومحفزا للمعركة الكبرى وهي معركة المصير الاقتصادي لتحافظ على امتيازاتها السابقة لتضمن استمرارها.
المحك الرئيسي والعامل الحاسم في هذا الصراع يتمثل في مدى وعي الجماهير التي كان يصارع وزير الصحة المقال من أجلها، ومعرفتها بمسببات الصراع وخطورة مآلاته، وبالتالي حجم مساندتها له وللسياسات التي كان يرغب في جعلها واقعا معاشا لإحكام سيطرة الدولة على القطاع الصحي ودعم الخدمات للبسطاء، ومواصلة الضغط على الحكومة لإعادته أو تعيين من يعمل على ذات السياسات، لا استباق انعقاد المؤتمر الاقتصادي وفرض سياسات الأمر الواقع بما يؤدي للارتهان لمؤسسات الهيمنة العالمية وملاحقة سراب وعودها!.
أما قبول استقالة وزير المالية د. إبراهيم البدوي فيمكن قراءته في اتجاهين هما جعل الاستقالة وقبولها غطاء لخطوة الانحياز للسياسات الاقتصادية العالمية بتفادي السخط الشعبي، أو فهي نتيجة صراع مع طرف مقرب من رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، كما يتردد ذلك.
الصراع ليس سهلا وهو صراع من أجل الاستقلال بالقرار الاقصادي والتخلص من التبعية والانعتاق من قيود الاستغلال، فهل نفلح في امتلاك أرادتنا وانتزاع قرارنا، أم تنجح القوى المتربصة بنا في الهيمنة على قرارنا ومواردنا وحريتنا فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا؟!، وحينها نكون تراجعنا عن أحد أهداف الثورة وهو التحرر من القيود والقرار المستقل وتبعا لذلك تضيع المكاسب التي من الممكن أن تتحقق في الانطلاق نحو آفاق التنمية وإدارة الموارد الذاتية بقوة الإرادة وبالتالي تحقيق الهدف الأسمى وهو العدالة الاجتماعية.