إشراقة مصطفى.. سودانية تتوشح بجائزة التميز الذهبية بالنمسا
الخرطوم: آيات مبارك
لم تسع الفرحة (إشراقة مصطفى حامد، وحكومتها تشاركها نيل جائزة التميز الذهبية بالنمسا)، ذلك بعد وقوفها على مبعدة من الحكومة السودانية لسنوات طويلة عقب هجرتها إلى (فينا)، وقالت في لحظة منحها الجائزة: (سعدت بما قيل عني من الجهة المانحة وكانت أمي على كرسيها المتحرك كشجرة نخيل مثمرة من ضفاف النيل برقت عيونها بالفخر وبرقت عيوني بالدمع)، وأضافت: (ما أبكاني أيضاً هو أني حالياً أعيش احتفاء بلادي معي بعد أن تركتها قبل سنوات جورٍ وظلمٍ، وسوف أواصل المسيرة على دروب الإنسانية ما حييت.
وكانت وزارة الثقافة السودانية قد هنأتها قائلة: (تابعنا رحلتك في المهجر والتي تحولت بفضل إصرارك لملحمة نضال نثرت عطرها حضوراً أدبياً وأكاديمياً وسياسياً وإنسانياً).
ولم تكن الكاتبة إشراقة مصطفى، تضع احتمالاً في دروب العودة بعد أن حملت أمتعتها واتجهت صوب أوروبا باحثة عن حقوق النساء في السودان بسبب الظلم الذي حاق بالمرأة في أوائل التسعينيات وطالتها سياطه، لكن في الوقت ذاته كانت تمضي نحو ذاك الطريق بشهية مفتوحة ولسان حالها يقول: (شهيتي للحياة تظل أكبر كلما مشيت خطوة في طريق أعرف أني لن أعيد كرَّته، فليس لي نعل يحتمل دورب العودة)، لتسير على رسلها تارة وبسرعة مرات متتالية وهي تمضي باندفاع منذ العام 1983م، فحينها كانت تستعد لامتحان الشهادة السودانية من مدرسة كوستي الثانوية المختلطة. وفي أحد نهارات شهر مارس من العام1983م كتبت إشراقة على صحيفة المدرسة الحائطية مقالاً بعنوان :(الشرف: ماذا يعني لجيلي؟) استنكرت من خلاله ربط قيمته ببقعات دم، وتساءلت في مقالها (إذا كان الشرف يرتبط بغشاء البكارة عند المرأة فكيف نقيمه عند الرجل)، مؤكدة أن الشرف قيمة أخلاقية في الأساس تتحدد من سلوك الإنسان ونفعه في مجتمعه.
وذكرت إشراقة من خلال فضفضتها حسب مقالها (سؤال البكارة والثمن الفادح لمسيرة الوعي): (اعترف أن المقال كان جريئاً وخاصة خاتمة المقال التي قلت فيها: إذا كان الشرف يعني البكارة فأنا بلا شرف ..بلاشرف…بلاشرف).
وتابعت: (لنا أن نتصور ردة الفعل، ليس فقط في المدرسة، إنما في مجالس المدينة .. سمعت ما سمعت ومُزّقت الصحيفة الحائطية في المدرسة، وعرفت يومها أن هناك طريقين لا ثالث لهما: إما أن أمضي في طريقٍ يحمل معنى اسمي أو أندفن بالحياة، واخترت الأول.
ودفعت إشراقة، أثماناً في طريق محفوف بقضايا بنات جنسها أصبحت ملامحه واضحة، وقضت مراحلها الدراسية بمدينة كوستي في العام 1984، وذهبت ميممة شطر الخرطوم لتنال بكالريوس الشرف في الإعلام من جامعة أمدرمان الإسلامية، ثم الدبلوم العالي في علوم الاتصال من جامعة الخرطوم وبعدها هاجرت إلى النمسا واستقرت (فينا) وحصلت على درجة الماجستير في الإعلام ثم درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة (فينا). وعملت إشراقة، محاضرة غير متفرغة بكلية العلوم السياسية بذات الجامعة وقامت بتدريس عدد من الفصول الدراسية عن النساء في أوضاع الحروب والصراعات المسلحة بالتركيز على النساء في (العراق، أفغانستان، القرن الأفريقي)، وقضايا الصحة الإنجابية. ولإشراقة عدد من المشروعات مثل استراتيجيات الاندماج بالنسبة للمرأة الإفريقية المهاجرة والمرأة المسلمة ما بين الواقع والتنميط، ثم قامت بإعداد دراسة تحليلية لأوضاع المرأة النازحة على أطراف الخرطوم باسم (نساء على قارعة الحياة)، ثم العمل على تعزيز المجتمع الريفي ضد الختان وتزويج البنات صغيرات السن، استفادت منه (6) قرى في منطقة الجزيرة.
أنثى المزامير
لدى إشراقة، عدد (4) مجموعات شعرية، منها (أحزان شاهقة) و(مع ذلك أغني)، باللغة الألمانية، و(أنثى المزامير)، و(وجوه الدانوب)، شعر ونثر بالإلمانية، صادرة عن دار لوكر النمساوية 2014، بجانب كتاب (أنثى الأنهار).. من سيرة الجرح والملح والعزيمة، بالإضافة إلى ترجمة رواية (مخيلة الخندريس) للروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن والعديد من الأعمال.
الجائزة الذهبية
وفي أكتوبر من العام 2020م حصلت الكاتبة والمترجمة إشراقة مصطفى حامد، على الميدالية الذهبية، وهي أعلى جائزة تمنحها الحكومة النمساوية لأصحاب الجهود الإبداعية في دعم القضايا الإنسانية والانحياز لقضايا المهاجرين، تقديراً لدورها في بناء جسور التواصل الثقافي بين النمسا والدول العربية والإفريقية، وتقديم الصورة الحقيقة لهذه الدول عبر الأدب والترجمة.
وإشراقة، هي ممثلة للأدب العربي في منظمة القلم النمساوي (PEN)، حاملة صورة الكادحات في مآقيها وهمومهن في حقائب أسفارها لتحط عند ضفاف الدانوب، ولم تكن تلك الجائزة الأولى التي تحصلت عليها فقد كانت من نصيبها جائزة الإنجاز العلمي مقدمة من وزارة الثقافة والتعليم والفنون، لإنجازها درجة الدكتوراة الخاصة بقضايا التعزيز والهويات بالنسبة للنساء الإفريقيات، وجائزة الحركة النسائية الكاثوليكية للمرأة الناشطة، وتم منحها لقب سفيرة النوايا الحسنة فوق العادة للثقافة بالمجان من مؤسسة ناجي نعمان الأدبية للثقافة بالمجان.
وفي السياق قالت القاصة نجاة إدريس إسماعيل، عن إشراقة، إنها من الأديبات السودانيات اللائي نحتن في الصخر من أجل أن يكون لهن اسماً من ذهب.
وأضافت في إفادة لـ (مدنية نيوز) اليوم، أن أشراقة شاعرة وكاتبة وأكاديمية من العيار الثقيل، وأن كتبها (أنثي الأنهار) و(الدانوب يعرفني)، إضافة إلى دواوينها الشعرية نالت متابعة جيدة من القراء ليس هنا في السودان فحسب، بل على مستوى العالم أيضاً، واعتبرت أن جود إشراقة، في النمسا جعل لها أرضية جيدة للانطلاق والتعريف بالثقافة السودانية، وما تعانيه المرأة السودانية من مصاعب قلّ أن تتعرض لها المرأة في أية منطقة أخرى من العالم.
وتابعت أن إشراقة، تعد من المناصرات لقضايا المرأة، كما لها كتابات مقارنة حتى عن العنف الذي يحدث للمرأة في دول العالم الأول، والذي يحدث للّاجئات والمهاجرات.
وأوضحت القاصة نجاة أن أهم ما يميز كتابة إشراقة، هو الصدق النفسي والعبارة الصادقة والسلاسة في الانتقال، ورأت أن إشراقة، باجتهادها ومثابرتها استحقت عن جدارة الجائزة الذهبية التي نالتها، وقالت: (هو فوز مستحق شرّفت به المرأة السودانية).