الجمعة, نوفمبر 22, 2024
تحقيقات

أطفال السودان.. على خط الفقر والحروب

قضية تطرحها من: بورتسودان- الحصاحيصا- النيل الأزرق: صفية الصديق

تظل قضية العدالة الاجتماعية وتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، وخاصة الأطفال من القضايا المهمة ذات الارتباط بالتحول الديمقراطي، ووفقاً لرؤى المهتمين بقضايا حقوق الغنسان فإن عدم توفير سبل الحياة وفرص التعليم المجاني للأطفال في كل مناطق السودان يمكن أن يغذي الحرب ويدعم استمرارها، باستخدام الأطفال في الحروب بما يهدد حياتهم والتحول الديمقراطي نفسه.

(مدنية نيوز) فتحت ملف معاناة الأطفال في عدة مناطق بولايات (البحر الأحمر، الجزيرة، والنيل الأزرق)، ووقفت على معاناتهم من الظلم الاجتماعي والتمييز السالب وعدم توفر فرص عادلة في التعليم.

فقر وحرمان

(اشتري الكبرّت.. الما بشتري الكبرّت بتورط) مقولة شهيرة لطفل أسمر اللون باسم القسمات يتواجد باستمرار في موقف مواصلات قرى غرب الحصاحيصا بولاية الجزيرة جنوب العاصمة يبيع ما يحمله من (بطاريات، كبريت، أكياس) بإصرار لزبائنه ويرغم بعضهم على أن يشتروا منه (ياخ كان ما اشتريتو نحنا ناكل شنو؟)، جملته تلك تجعل الكثيرين يشترون منه وهم غير محتاجين.

يجتمع ذلك الطفل الأسمر مع مجموعة كبيرة من الأطفال ماسحي الأحذية يحكون همومهم ويضحكون على هذه الدنيا.

وقال عيسى لـ(مدنية نيوز) أمس الأول، إنه يأتي على قدميه قاطعاً ما يقارب (3) كيلو مترات يومياً من (كنابي) غرب الحصاحيصا حتى يوفر لأسرته لقمة عيش في ظل قلة المساحات المزروعة والاستغناء عن العمالة، لا يحلم بشيء سوى أن يشترى علاج أمه ويوفر قيمة مواصلات اليوم التالي.

وأضاف إنه يحب التعليم كثيراً لكن لا مجال لذلك (وييين يا؟!، أقرب مدرسة في ود سلفاب بوصلا ماشي بعد ساعتين عشان ما عندنا مواصلات).

أصدقاء عيسى، كلهم من قرى العمال الزراعيين (الكنابي) بمشروع الجزيرة يسكنون في قرى معزولة لا تتوفر فيها خدمات الصحة والتعليم ولا المواصلات، يضطرون للسير على الأقدام لأكثر من ساعتين حتى يصلوا لأقرب قرية لتلقي التعليم والخدمات وقد يحرمهم تعقيد استخراج الأوراق الثبوتية من ذلك، وتقعِدهم العنصرية وعدم الاعتراف بهم إذ أشارت سعدية علي، من قرية ود بلول إلى أنها تركت الدراسة عندما علمت أنها أقل من بقية البنات، وأوضحت أن طالبات الكنابي مفروضٌ عليهن نظافة فناء المدرسة والصف كل يوم، وقالت: (كأنهم يريدون أن يقولون لنا أن هذه مهنتكم، وفعلاً قالتها إحدى المعلمات قبل اليوم وبعدها خرجت من فناء المدرسة ولم أعد له ثانية).

معاناة نفسية

يقفون بأجسادهم النحيلة، يطلبون الماء والخبز (عمو عمو جيب قرقوش، أديني موية)، يطلبون منك ما تبقى لك من خبز جاف وكل ما لديك من ماء، يقطنون في قرى تحت الجبال في (قطاطي) صغيرة لا تقيهم البرد ولا حر الصيف، تتقاسم معهم شركات التعدين وشركات أخرى موارد شحيحة، وقد تكون غير موجودة بالأساس.

إنهم أطفال شرق السودان، يعيشون في فقر مُدقِع وظلم اجتماعي كبير، لا يبالي بمصيرهم أحد، مشهدهم هذا وهم يطلبون من المسافرين الماء والخبز الجاف يتكرر كل يوم على طريق بورتسودان، يرسمون لك تصوراً غامقاً عن مستقبلهم فقراهم بعيدة كل البعد عن المدارس ووسائل كسب العيش؛ في أركويت بولاية البحر الأحمر تجد بيوتاً ومدارس تمّ تشييدها جيداً، لكن عدد الأطفال فيها قليل جداً نسبة لفقر الأسر حسب حديث أستاذة زينب أحمد معلمة محو الأمية بأركويت والتي أفادت (مدنية نيوز) بأن الفقر الشديد، وأن عدم وعي الأهل بأهمية التعليم والبيئة المدرسية غير الجاذبة يعتبر سبباً رئيسياً في ترك الأطفال للمدارس.

سألتها (مدنية نيوز) عن وجود ما لا يقل عن (20) طفلاً بشكل شبه يومي في المقهى الواقع خلف منتجع جبل الست بالمدينة، فقالت إن الأطفال هنا لا مُتنفس لهم يأتون للمقاهي ويشربون الشاي الأحمر والقهوة مثل الكبار ولأنني على علاقة بهم ودائمة الحوار معهم فإنني وبحسب خبرتي المتواضعة أصنفهم بأنهم يعانون من اكتئاب ومشاكل نفسية كثيرة لأنهم يعيشون حياة لا علاقة لها بالحياة، والأدهى وضع الطفلات فهنّ محرومات حتى من هذه المساحات الضيقة، ويشاركنّ الأمهات المعاناة في توفير الماء والطعام.

خوف من عودة الحرب

(حجر بطارية، أحمد، والصادق) ثلاثي ولاية النيل الأزرق جمعتهم الحرب، فلا أحد فيهم يسكن مع أهله ولا يعرفون أين هم، يذكر الصادق أنه سمِع أن أهله بالخرطوم، ليعود ويقول إنهم قد يكونون بالجنوب أو بالدمازين، ويتساءل: (من يعرف؟).

ثلاثتهم يسكنون في قرية (قنيص) شرق خزان الرصيرص بولاية النيل الأزرق، يبيعون بقايا الحديد وزجاجات الماء الفارغة، يأكلون من بقايا الناس؛ حلمهم الوحيد ألا تعود الحرب مرة أخرى، رأتهم (مدنية نيوز) يسيرون بحذر قرب مبنى الإدارة الأهلية لا يعرفون ما هذا لكن لديهم رهبة من كل المباني الكبيرة والفارهة، إذ لديهم وهم يصدقونه تماماً أن هذه الأماكن يختبئ فيها مسلحون وسيعودون ليشعلوا الحرب مرة أخرى.

وعندما سؤالهم ماذا يعرفون عن الحرب وهم صغار؟!، يقول حجر بطارية: (رغم أن عمري كان أقل من 4 سنوات لكنني لا زلت أذكر الرعب والخوف والموت يملؤون المكان، يجري الكبار والصغار النساء والأطفال نحو المخابئ، ونحن لا نعرف إلى أين نذهب، سمعنا حكاوٍ كثيرة في (قنيص) عن القتل والتخويف لا نتذكر ولا نتسامر بشيء غير قصص الحرب (نحنا عايشين في آكشن كل يوم).

التعليم البديل ومطالبة للوزارة

بعد عام من الحرب في دارفور مباشرة توجهنا مجموعة من المنظمات الوطنية والعالمية لتنفيذ ورش عمل متعلقة بتعليم وحماية الأطفال أثناء الحروب، من خلال ورش العمل والبحث اتضح لنا أن الأطفال في مناطق الحروب والأطفال الذين يعيشون في أوضاع صعبة يدخلون في حالات رعب شديدة، وعندما يبلغون من العمر (10) سنوات فما فوق يقررون ترك الدراسة وحمل السلاح للانتقام ممن قتلوا أهلهم، هذا ما ذكره المحامي والناشط الحقوقي عبد الخالق النويري.

وواصل النويري حديثه لـ (مدنية نيوز) أمس، بقوله: حتى نساهم في تغيير أفكارهم هذه ابتدرنا برنامج التعليم البديل الذي يقوم على دراسة أوضاع الأطفال النفسية والاجتماعية وتحديد التحاقهم بالتعليم، ويرافق التعليم الأكاديمي برنامج ثقافي وحقوقي متعلق بحماية الأطفال ليعيد توازنهم النفسي؛ هذه التجربة نجحت بشكل كبير ويمكن لها أن تنجح أكثر إذا تبنتها وزارة التربية والتعليم ووضعتها ضمن برامجها في الفترة الانتقالية لتحسين وصول الأطفال للتعليم ولتقليل تصدير أطفال للحرب.

وتابع: أيضاً من المهم في هذه المرحلة الترسيخ لتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، ووضع برنامج واضح للبرامج التعليمية البديلة للأطفال في المعسكرات والأطفال الذين يعيشون تحت الظروف الصعبة، حتى لا يصبح الأطفال وقوداً لحروب ومهددين للفترات الديمقراطية بدون وعيهم.

One thought on “أطفال السودان.. على خط الفقر والحروب

  • Amr Adel Mohamed

    مقال رائع

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *