لم ينجح أحد
بقلم: لمياء الجيلي
الفشل و(السقوط) هو النتيجة الحتمية والمنطقية لمحاولات يائسة وبائسة لسرقة دماء الشهداء وعرق الثوار وتحويل مسار ثورة ديسمبر المجيدة لمصلحتها ولمصلحة قوى خارجية اعتادت أن ترضع من ثدي ثروات الشعب السوداني وتنهبها دون وجه حق.. فمن لم يدفع الثمن من نضال وسجون واعتقال لا يدرك قيمة ما حققه الشعب السوداني من ثورة سلمية عظيمة، ومن لم يشارك في تفاصيلها اليومية من تلبية لنداء الوطن انتظاراً للساعة الصفر.. من لم ينتظر الساعة الواحدة بتوقيت الثورة بشوق وترقب وتوجس وخوف على الثوار من يد تبطش أو من رصاصة تغدر.. ومن لم يشارك ولو بجرعة ماء أو بإيواء الثوار في داره الى أن تختفي عربات (الكجر)، أو سحب دخان (البمبان)، أو تشجيعهم تلويحاً أن لم يكن هتافاً وتصفيقاً من لم يساهم بذلك ولو بقلبه (أضعف الإيمان) لا يدري معنى الثورة ولا قيمتها التي جسدتها في اعتصاماتها أمام بوابات القيادة العامة في كل أرجاء الوطن والتي كانت تجربة لن تتكرر في تاريخ البشرية قريباً.. حيث تنادى الثوار من كل حدب وصوب يتقاسمون الهم وجرعة الماء ولقمة العيش في محبة خالصة دون رياء أو تكلف.. تجربة تلاشت فيها كل الفروقات الوهمية والمصنوعة والتي هدف صانعيها لبناء حواجز نفسية واجتماعية لا وجد لها في نقاء وصفاء النفس السودانية والنضالية.. من لم يشارك بقلب سليم وبنفس آبية راضية وراغبة في كل هذا الوعي الثوري التراكمي لا يدري معنى (حرية.. سلام.. وعدالة) التي هنفت بها حناجر الثوار في عز الهجير في أحلك الأيام وأصعبها. ما يدفع الثوار وما يبقى جذوة الثورة مشتعلة في داخلهم عهد صادق بينهم وبين رفاق ورفيقات درب صعدت أرواحهم الطاهرة الي السماء وهي تلبى نداء الوطن وواجب الثورة والتي حتماً ستنتصر ولو بعد حين.
ونحن نحتفل بمرور عامين كاملين من انطلاق صافرة الثورة وزغاريدها نحتاج لمراجعة وتقييم وتقويم لمسار ثورة ديسمبر المجيدة لضمان أن تصل لغاياتها المنشودة وتحقق أهدافها الواضحة والتي لا لبس فيها ولا مجال في مشروعها الإنساني والتحرري الوطني لأي مزايدات أو تراجعات. أو انحرافات. هذه الفترة وما تم فيها من إنجازات وما صاحبها من تعثرات و(كبوات) ونكبات كشفت النوايا والسرائر وأبانت بلا لبس أو تدليس الأصدقاء وكشفت الأعداء، وميزت الصفوف.
لتحقيق غايات هذه الثورة العزيزة نحتاج بشدة لجرد حساب دقيق وبشفافية وصدر رحب.. هذا الجرد ليس لتوزيع أو نزع صكوك الوطنية من أحد ولكنه جرد واجب ومستحق من أجل تصحيح المسار.. و(إستعدال) الدرب.. واعادة ترتيب الأولويات وتنظيمها.. كما أن هذه المراجعة مهمة لتنبيه الغافلين وردع الحالمين بالعودة الي عهد بائد أو فرض عهد أكثر ظلماً وظلاماً، أن الثورة لازالت مستمرة ولن يتوقف قطارها إلا عند محطة الوطن الذي يحلم به الشعب السوداني (يوماتى). تحمل الشعب المشقة والعسف وضيق ذات اليد وشظف العيش وذل الصفوف وتعثر الوصول من والى داره وحزن الآباء وانكسار الأبناء.. تحمل كل ذلك ليس خوفاً أو تقديسا ً لأحد ولكنه الصبر الجميل والصمت النبيل الذي يحمل في طياته ترقب وطول أمل لتحقيق ما يستحقه من حقوق كاملة غير منقوصة وما تشرئب له نفسه ومن حرية ومن سلام ومن عدالة ومن انصاف وقصاص للشهداء ولكل من انتهك له حق (عام) او (خاص) خلال ثلاثة عقود من الزمان. الشعب الصابر الصامد يريد بناء دولة القانون والمؤسسات التي تحترمه وتقدره وتعزه وتصون كرامته.. يبحث عن مؤسسات وقوانين تعيد له ثرواته المنهوبة وأمواله المسروقة وتاريخه المسلوب …فهل نحن في الطريق السليم الذي سيوصلنا الى مطالبنا الشرعية والمشروعة؟ أم ضللنا الطريق و(راح لينا الدرب). لماذا تأخرنا وتعثرنا في بناء تلك المؤسسات؟ ولماذا لم ننجز إصلاح مؤسسي حقيقي الى الآن؟ ولماذا لم نحترم أو ننجز ما تواثقنا عليه سواءً اتفاق سيأسى أو وثيقة دستورية (على علاتها).
كثير من التساؤلات تدور في أذهان الشعب السوداني تحتاج لإجابات واضحة وصادقة وشفافة من كل من ساهم في تفاصيلها بدءً بالمجموعات التي تشكلت إبان الحراك الثوري من أحزاب وقوى مدنية ومن جماعات تفاوضت (بتفويض أو دونه) باسم الشعب السوداني علي مصير الوطن مع المجلس العسكري الانتقالي آنذاك… وكذلك مسائلة المجموعات التي وضعت نصوص الاتفاق السياسي، والذي كان أول العثرات، وكذلك الأيادي التي خطت وثيقة دستورية بها ما بها من ثغرات وهفوات. كيف ولماذا ومن وراء ذلك؟ وتساؤلات حيرى حول مستحقات الفترة الانتقالية وعدم الالتزام بالمصفوفة المتوافق عليها مما أدى لعدم قيام المفوضيات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية الآن، وأدى كذلك لعدم تكوين المجلس التشريعي الانتقالي.. نتائج كل هذا أمامنا واضحة.. من واقع مأزوم وتخبط وتردى قد يٌودي بالبلاد والعباد الي صراعات وتجاذبات لن يحمد عقباها.
الاعتراف بالأخطاء وإدراكها وتداركها (قبل فوات الأوان) قد يعيد ثقة بدأت تهتز في ساسة وقادة ومؤسسات. وقد يساهم في فتح صفحة جديدة والعودة الى الطريق الصحيح الذي كانت تسير عليه الثورة لبناء سودان العزة والكرامة والحرية والنماء. وعلى الجميع القبول بنتائج التقييم و (جرد الحساب) حتى إذا لم ينجح أحد.