قضايا البيئة في السودان.. فقدان سبل كسب العيش واندلاع الصراعات
الخرطوم: أيمن سنجراب
أكد خبراء ومختصون وجود جملة من الآثار لقضايا البيئة في السودان من بينها فقدان سبل كسب العيش والنزاعات، وطالبوا بالنظر في عمق الصراعات باعتبار أن أساسها شح الموارد تمهيداً لوضع معالجات جذرية.
ونظم المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، ورشة تنويرية للصحفيات والصحفيين لتعزيز قدراتهم حول تناول قضايا البيئة في السودان، وخاصة اتفاقيات ريو: (تغير المناخ، التنوع الحيوي والتصحر)، وذلك ضمن مشروع تعزيز القدرات الوطنية لتحسين عملية صنع القرار وتعميم الالتزامات البيئية.
تعريف
وأشار الخبير في مجال تغير المناخ د. إسماعيل الجزولي،في الورشة التي أقيمت بمركز طيبة برس بالخرطوم أمس، أن مفهوم تغير المناخ يتمثل في احتباس ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروجين ومركبات الكربون والكلور والفلور داخل الغلاف الجوي وعدم تسربها، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض أو ما يعرف بالاحتباس الحراري أو تأثير ظاهرة الدفيئة.
ولفت الجزولي، إلى الآثار المتوقعة من تغير المناخ (ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي والأرض، ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة في معدل حدوث وشدة الظواهر الجوية الشاذة مثل الجفاف والفيضانات، ونبه إلى أن ذلك ينعكس سلباً على الأمن الغذائي، وفرة المياه العذبة الصحة والمستوطنات البشرية.
السودان والتأثر بتغير المناخ
وأبان الخبير الجزولي، أن السودان يتأثر بتغير المناخ وذلك بارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع نسبة الفاقد من المياه والأثر السالب على المحاصيل الشتوية، انتشار الحشائش والآفات والأمراض مثل الذبابة البيضاء وتعفن الجذور، مخاطر ارتفاع حالات الملاريا والامراض الأخرى المرتبطة بالمناخ.
ومن ضمن آثار تغير المناخ في السودان التباين في معدلات الأمطار، النقص في موارد المياه تدهور وتدني الانتاج الزراعي، فقدان المراعي والثروة الحيوانية، زيادة مساحات التصحر، نقص الغذاء وحدوث المجاعات، فقدان مصادر وسبل كسب العيش، التنافس والصراع حول الموارد، ازدياد معدلات الفقر ونزوح ومعاناة السكان، بجانب الفيضانات وتدمير نظم انتاج المحاصيل، تدمير المناطق السكنية وممتلكات السكان، تفاقم تحديات إدارة المياه ونقص التوليد الكهربائي ونقص الانتاج الزراعي في القطاع المروي.
كما تشمل الآثار على ساحل البحر الأحمر وفقاً للخبير الجزولي، تدمير الجرف الساحلي والشعب المرجانية، فقدان غابات المانجروف، تدني انتاج الأسماك وغمر البنيات العمرانية الساحلية.
خطط وحلول
وأكد الجزولي، وجود خطط ومشروعات للتصدي للتغيرات المناخية على المستوى الوطني، وشدد في الوقت ذاته على ضرورة العمل لمنع المزيد من التغيرات المناخية، باعتبار أن التكاليف الاقتصادية –دون التطرق للتكاليف البشرية والبيئية- ستتجاوز كثيراً تكاليف تقليل آثار التغيرات المناخية، وقال (كلما تأخر العمل أصبح باهظ التكلفة، ولذلك يجب أن نبدأ اليوم قبل الغد).
وذكر الخبير إسماعيل الجزولي: يوجد حلان لتغير المناخ حددهما في (التكيف والتخفيف)، وأوضح أن التكيف يعني التغيرات التي تحدث في النظم الحيوية أو الاجتماعية كاستجابة لآثار التغير المناخي لتقليل الضرر أو الاستفادة من ظروف مواتية، ودفع بجملة من الأمثلة لذلك منها الاستفادة القصوى من المياه واستخدام تقنيات لتقليل الفاقد كحصاد المياه، وتنويع التركيبة المحصولية واستنباط أنواع تقاوم آثار تغير المناخ، وتحسين وتطوير المراعي وإدارتها، وتحسين وتطوير قطاع الثروة الحيوانية وإدارتها، وإحياء وتجديد وترميم الأراضي المتدهورة.
وتابع أن التخفيض يكون بعدة طرق منها ترشيد واستعمال الطاقات الجديدة والمتجددة، وتقليل إزالة الغابات.
وقال الجزولي إن هناك مسؤولية لكل العالم لوقف تغير المناخ، وأن الدول المتقدمة عليها التزامات التخفيض الكامل للانبعاثات ومد الدول النامية بالتكنلوجيا والتدريب للتعامل مع تغير المناخ.
التصحر
ومن جانبها أوضحت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية د. منى عبد الحفيظ أحمد، في ورقتها حول الاتفاقية أن التصحر يعني تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، نتيجة لعوامل مختلفة من بينها التغيرات المناخية والأنشطة البشرية.
وأشارت منسقة الاتفاقية إلى أن مصطلح مكافحة التصحر يتضمن الأنشطة التي تشكل جزءاً من التنمية المتكاملة للأراضي في السابق ذكرها، وأن الأنشطة ترمي لمنع أو خفض تردي الأراضي، وإعادة تأهيل الأراضي التي تردت جزئياً، واستصلاح الأراضي التي تصحرت.
وتابعت أن مصطلح الجفاف يعني الظاهرة التي تحدث طبيعياً وتوجد عندما ينخفض هطول الأمطار انخفاضاً ملحوظاً فيصبح دون المستويات الطبيعية المسجلة، ووصفت الاختلال الناتج بالخطير، ونوهت إلى أنه يؤثر تأثيراً سيئاً على نظم الانتاج لموارد الأراضي، وأن مصطلح تخفيف آثار الجفاف يعني الأنشطة المتصلة بالتنبؤ بالجفاف والتي تهدف لتقليل ضعف المجتمع والنظم الطبيعية إزاء الجفاف.
وكشف منسقة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، عن تنفيذهم زيارة قبل أسبوعين لمحلية أم كدادة بولاية شمال دارفور، التي كانت تعاني من التصحر الشديد في التسعينيات مما أدى لوجود اتجاه لنقل المحلية وسكانها لعدم صلاحيتها للعيش.
وضع السودان.. الحالة بالأرقام
وأبانت منى، أنهم لاحظوا خلال الزيارة عدم وجود قيزان رملية، ووجود كمية من المراعي، وقالت: لكن عند زيارة الحقل وجدنا الحشائش غازية وغير مستساقة وبعضها سام يقتل الأبقار، وإن عدداً من الرعاة تركوا الأبقار وتوجهوا لرعاية الضأن والماعز.
وحول حالة التصحر بالسودان أكدت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، التدهور المريع لأراضي السودان الرطبة خاصة في المحميات الطبيعية التي أصبحت مكاناً للاستثمار الزراعي غير المشروع، ومثلت لذلك بحظيرة الدندر، أو مرتعاً لنشاط شركات تعدين الذهب، واستدلت على ذلك بجظيرة الردوم.
كما نبهت منى، للانحسار الهائل في المراعي، وبرهنت على ذلك بأن مساحة المراعي في ولاية سنار لا تزيد في الوقت الراهن عن (2.7%) من جملة مساحة الولاية (9.700) فدان، وأن مساحة الغابات والمراعي في ولاية القضارف انخفضت من (78.5%) من جملة المساحة في عام 1942م إلى (18.6%) في العام 2002م، وذكرت: (يقيناً أنها أقل من ذلك بكثير الآن).
وبشأن الغابات أكدت منسقة الاتفاقية، وجود تدهور وصفته بالمريع والمخيف للغابات حيث انخفضت نسبة غطاء الغابات في السودان بعد انفصال الجنوب من (29.4%) إلى (11.6%)، وأن تصنيف السودان تحول عالمياً إلى الأقطار ذات الغطاء الغابي الشحيح، بجانب ارتفاع نسبة الإزالة السنوية من (0.74%) إلى (2.46%) تقريباً.
ونبهت د. منى، إلى تآكل إنتاجية الأرض في الرأراضي المطرية (المصدر الرئيسي للأمن الغذائي القومي) من حوالي (600-700) كلجم للفدان في ستينيات القرن الماضي إلى (100-120) كلجم للفدان في الوقت الراهن.
جهود المكافحة وتحدي التمويل
وزادت أن معظم الأراضي في السودان تعاني من التصحر بدرجات مختلفة ولأسباب متعددة، مما أدى لتداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية نعتتها بالخطيرة على السكان، وأشارت إلى جهود مكافحة التصحر وأن السودان من أوائل الدول التي وقعت وصادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، حيث وضعت الخطة الوطنية لمكافحة التصحر في العام 2006م وتحديثها في 2018م، وأن السودان له إرث في المكافحة وخبراء وعلاقات خارجية ومعارف وبحوث ودراسات، وقالت: (لكن أمامنا تحديات تمويل المشروعات للمجتمعات المحلية).
وفي وقت كشف الخبير إسماعيل الجزولي، عن عدم وجود تمويل خارجي لاتفاقية التصحر، لأن الدول المتقدمة ليس بها تصحر، أكدت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية د. منى عبد الحفيظ، أهمية الضغط لتوجيه صرف الدولة على قضايا البيئة، ووصفت الصرف بالضعيف، وقالت (نحتاج جهوداً مالية وإعلامية ومجتمعية).
السودان وفقدان التنوع الحيوي
ومن جهتها شرحت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الحيوي في السودان د. الختمة العوض محمد أحمد، أن التنوع الحيوي يعني تباين الكائنات الحية في جميع مصادرها، وشددت على أهمية تخطيط التنوع الحيوي (الصيانة والاستخدام المستدام وتقاسم المنافع) وتحديد أولوياته لاتخاذ قرارات أفضل، مع الأخذ في الاعتبار فوائد التنوع الحيوي كمصدر للغذاء والصحة وتوفير العلاج، مواد البناء والطاقة وغيرها.
وأكدت منسقة الاتفاقية أن السودان يفقد كثيراً من التنوع الحيوي نتيجة الضغوط البشرية والاستغلال المفرط للموارد والعوامل الطبيعية كالتغيرات المناخية، ونبهت أن التنوع الحيوي هو أساس الحياة الأمر الذي يستلزم التخطيط الجيد للمحافظة على حقوق الأجيال القادمة.
وتابعت أن السودان يزخر بالتنوع الحيوي الزراعي النباتي (محاصيل الحبوب، كالقمح والذرة والدخن والبقوليات (لوبيا، عدس، فول وترمس)، بجانب التنوع الحيوي في الغابات والثروة الحيوانية والحياة البرية والبحري والساحلي وفي المياه الداخلية وفي الحشرات.
وأردفت أن التنوع الحيوي في الغابات حيث يوجد (535) نوعاً من الأشجار (184) نوعاً من الشجيرات، وأكدت أهمية الغابات كمصدر للغذاء، الأخشاب، حطب الوقود والمنتجات غير الخشبية، الأعلاف، وتوفير موائل وحماية الموارد الوراثية النباتية والحيوانية، ولفتت إلى اختفاء أنواع من الشجيرات نتيجة لقطع الأشجار.
وأكدت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الحيوي في السودان، فقدان كثير من نباتات المراعي، وأنه لا توجد بيانات أو تقديرات للأنواع المهددة بالانقراض، كما نبهت إلى اختفاء أنواع من الحياة البرية خاصة بعد انفصال الجنوب، مع الحاجة للتقييم لمعرفة الأنواع والأرقام.
وفي التنوع الحيوي البحري والساحلي أشارت إلى طول الساحل الذي يبلغ (750) كلم، وأن ذلك التنوع يشمل غابات المانجروف على طول الساحل، الأعشاب البحرية النادرة، الشعب المرجانية، الأسماك، السلاحف والثديات البحرية، بالإضافة إلى مجموعات متنوعة من الطيور، ونبهت إلى أن السلاحف البحرية النادرة مهددة بالانقراض وأدرجت في الاتفاقية التي تمنع الاتجار بالأنواع المهددة بالانقراض.
وأكدت منسقة الاتفاقية في السودان وجود أكثر من (5) آلاف من الحشرات ضمنها الملقحات مثل (النحل والفراش)، وأوضحت أن بعض تلك الأنواع معدد بالانقراض نتيجة لاستخدام المبيدات.
ونوهت منسقة اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الحيوي في السودان إلى وجود جملة من المهددات للتنوع الحيوي كالتدهور البيئي والظواهر المناخية ومن ضمنها الجفاف والتصحر، والعوامل السياسية والاجتماعية مثل ملكية الأرض والانتقال من محاصيل كالقمح إلى محاصيل أقل تكلفة، بجانب التوسع في الأنشطة العمرانية والاقتصادية (التعدين الأهلي)، والأنشطة الزراعية والعوامل الحيوية (الأمراض والآفات).
وقطعت د. الختمة، بأهمية التثقيف والتوعية الجماهيرية بالتنوع الحيوي، وحذرت من عدم الوعي بقضايا البيئة واعتبرته أكبر معوق، وشددت على ضرورة استخدام التنوع الحيوي بطريقة تضمن استدامته، ونوهت إلى معواجهة المحميات بمشاكل التعدين وقطع الأشجار، وطالبت بإنشاء محميات جديدة ووضع خطط إدارية.
وأمن المشاركون في الورشة على ضرورة زيادة الاهتمام بقضايا البيئة لتجد مساحتها المستحقة في وسائل الإعلام المختلفة، لتصل الرسائل للسكان المعنيين وصانعي القرار لاتخاذ القرارات السليمة ومعالجة القضايا من الجذور.