قنابل لم تنفجر… لكنها تقتل النساء ببطء؟
رصد: هانم آدم
كارثة إنسانية وصحية مضاعفة تعيشها النساء والأطفال في السودان في ظل حرب دخلت عامها الثالث، تتقاتل فيها القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، فيما ينهار معها كل ما تبقى من مقومات الحياة الأساسية، وعلى رأسها النظام الصحي.
وبحسب تقارير نقابة الأطباء، فإن 90% من المؤسسات الصحية خرجت عن الخدمة، ما فاقم أوضاع النساء الحوامل والأطفال، خصوصاً في مناطق النزاعات والنزوح، وسط بيئة ملوثة ومرافق طبية منهارة، ومخاطر متزايدة تتربص بالأمهات وأجنتهن.
واقع مأساوي
تسببت الحرب وما رافقها من تلوث بيئي في ارتفاع كبير لحالات الإجهاض والوفيات بين النساء الحوامل وأطفالهن، حيث يعيش الكثير من النازحين ظروفًا غير إنسانية أدت إلى تفاقم معدلات الموت أثناء التنقل والهرب من مناطق النزاع.
ناقوس خطر
ويصف خبراء صحة في ندوة نظمتها لجنة العمل الطوعي والإنساني بالتنسيقية النسوية الموحدة لوقف الحرب مساء السبت الماضي هذا الوضع بأنه ناقوس خطر حقيقي لأجيال قادمة، إذ يتوقعون ما أسموه بـ”الكوارث الصامتة والبلاوي” مثل التشوهات الخلقية، التخلف العقلي، العقم، والإجهاضات المتكررة، خاصة في المناطق المتأثرة بالنفط ومخلفات الحروب السابقة، وشدد الخبراء على ضرورة تفعيل قوانين حماية البيئة ووقف استخدام الأسلحة التي تترك أثراً مدمراً على البيئة والسكان، بجانب استمرار الطرق علي هذه القضايا الحساسة باعتبارها قضايا تتعلق بمستقبل الامة.
قنبلة مؤقوتة..
د. منال جنبلان، عضو لجنة الإعلام بالتنسيقية، حذّرت من أن التلوث الناتج عن تفجير مصانع كيميائية وتخزين مواد قابلة للاشتعال في مناطق سكنية، يهدد بكارثة بيئية. وأشارت إلى ما تم تداوله مؤخراً عن احتمال استخدام أسلحة كيميائية، بجانب تراكم الجثث والنفايات ومخلفات القصف، مما جعل الواقع أشبه بـ”قنبلة موقوتة”، خاصة في ظل تدمير البنية التحتية وخلط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، ما أدى إلى ظهور الكوليرا كما حدث في أم درمان.
تحذيرات علمية..
من جانبه كشف د. عثمان الطيب، استشاري الصحة العامة ومستشار بمنظمة الصحة العالمية، عن مخاطر التلوث الهوائي والكيميائي والضوضائي. وبيّن أن الجزيئات العالقة في الهواء تؤثر سلبًا على الرئة والمشيمة، مسببة ضيقًا في الشرايين، ونقصًا في تغذية الطفل، مما يؤدي إلى انخفاض الوزن أو الوفاة.
وأشار إلى أن “الكربون الأسود” الناتج عن الحرق والأسلحة يسبب تلفًا في الدماغ، مما يؤدي إلى التخلف العقلي أو التوحد أو فرط الحركة. كما حذّر من “الأوزون الضار” الناتج عن عوادم السيارات والمولدات، والذي يؤدي إلى الإجهاض، والولادة المبكرة، وتشوّهات في الأجنة، وسرطان الجلد.
أما التلوث الكيميائي، فذكر أن مواد مثل الرصاص يمكن أن تعبر المشيمة وتؤدي إلى وفاة الجنين أو الإجهاض، بينما الزئبق يضر بالجهاز العصبي، واليورانيوم المستخدم في بعض القنابل يؤدي إلى تشوهات خلقية ويتراكم في العظام. وأضاف أن تلوث المياه يؤدي إلى أمراض وبائية كالكوليرا.
وفيما يتعلق بالتلوث الضوضائي، نبه إلى أن الأصوات العالية – التي تتجاوز 150 ديسيبل – قد تسبب الصمم للجنين، مطالبًا بوضع استراتيجيات لحماية البيئة وتقنين استخدام المواد الكيمائية، واستخدام فلاتر هوائية، ووقف الحرب التي دمرت حاضر ومستقبل النساء الحوامل وأطفالهن.
أمراض ومجاعة..
وفي ذات السياق شدد بروفيسور عمران فضل، أستاذ علم الأحياء الجزيئية والوراثة، على أن التلوث الناتج عن الحروب يصيب الجهاز التنفسي والقلب، وقد يتسبب في إصابة الكائنات الدقيقة التي تؤدي لأمراض مثل الكوليرا. ولفت إلى أن التلوث البيئي يؤثر على التغيرات المناخية ويؤدي لخسائر اقتصادية ومجاعات.
وأكد أهمية المعالجة السليمة للنفايات، وخاصة البلاستيكية والإلكترونية، وأهمية إشراك المجتمع في اتخاذ القرارات البيئية..
تكتّم رسمي وتجاهل مؤسسي
وفي ذات المنحي انتقدت بشدة هويدا عبد الرحمن من منظمة “مزنة الخيرية” ما أسمته بـ”التكتّم” عن تأثيرات التلوث على الحمل في مناطق النفط، مشيرة إلى تشوهات خلقية وإجهاضات تصل إلى ست مرات لبعض النساء في بعض المناطق المتضررة. وأضافت أن ولايات مثل دارفور تعاني من حالات عقم دون اهتمام حقيقي من الجهات الرسمية.
وضع مخيف..
من جهتها وصفت مسؤولة الإنتاج في طوارئ الحمل بوزارة الصحة الاتحادية أفنان عبد الحليم، ، وصفت الوضع بـ”المخيف”، مشيرة إلى أن الوزارة كانت تتلقى حالات إجهاض وتسمم من بعض الولايات قبل الحرب دون أن تعرف الأسباب، وألقت باللوم على الوزارات والجهات الأكاديمية لغياب الاهتمام.
تحرك عاجل..
وفي المقابل أكد أستاذ علم الاجتماع الطبي د. عبد الناصر علي الفكي أن تأثير التلوث على الأمهات والأطفال يمثل “أزمة ” تستدعي تدخلاً عاجلاً. وكشف عن وفاة ما بين 12 إلى 13 طفلًا في كمبالا خلال ثلاثة أشهر فقط، ما بين ولادة متوفين أو وفاتهم بعد الولادة بفترة وجيزة. وطالب بتقديم رعاية صحية وتغذية خاصة للحوامل، وسن قانون رادع للتلوث البيئي.
وفي ذات السياق نبهت رئيسة اتحاد النساء الديمقراطي، بروفيسور شادية لازم إلى مناطق في غرب كردفان “ممنوع الحديث عنها”، حيث توجد حالات وفاة وإجهاض، بل وتشوهات حتى في الحيوانات، محذرة من أن هناك دراسات أُجريت حول الموضوع لكنها لا تزال “حبيسة الادراج”.