الأربعاء, نوفمبر 20, 2024
مقالات

النار من مستصغر الشرر

بقلم: لمياء الجيلي

كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظر.. ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ
(الشاعر أبو الطيب المتنبى)

النار من ستصغر الشرر وكما يقول المثل السودانى (النار تولع من شريرة).. (الشريرة للتصغير).. فكل ما تشهده الساحة السياسية من تظاهرات واحتجاجات في مناطق متفرقة تعبر عن معاناة حقيقية يعيشها المواطن/ة في (مشوار الحياة اليوماتى)، وما يتم من نزاعات وصراعات في مناطق مختلفة من البلاد، وما تشهده العديد من المناطق من انفلات أمنى وحوادث هنا وهناك تتطلب الانتباه والحذر.. والتعامل بمسئولية، حتى لا تتمدد (الشريرة) وتزيد إلتهابا فتشتعل النيران، وتحرق الأخضر واليابس فيعٌض الجميع اصابع الندم على وطن يتسرب من بين أيدنا بسبب التشاكس والتناحر والفتن كتسرب الماء من بين شقوق الأرض.. فانتبهوا فالوطن على حافة الهاوية، والأرض لا تحتمل مزيداً من الدماء والضحايا.. فلابد أن ننتبه للمخاطر التى تٌحدق بالوطن من كل حدب وصوب، وأن نحميه بالحكمة والتجرد من المطامع والمصالح الحزبية الضيقة، وبالشفافية والصراحة والوضوح.
لابد من التعامل الجاد مع ما يدور من أزمات وصراعات ومحاولات بائسة ويائسة من فلول النظام البائد ومن يحميهم أو يتعاطف معهم.، لخنق حكومة الفترة الانتقالية بالأزمات الاقتصادية المٌتفاقمة والتي فشلت العديد من المحاولات لحلها أو التقليل من تأثيرها، ولا اعتقد أن ما يدور من مؤامرات ودسائس، ووضع المتاريس أمام الانتقال الديمقراطي بعيد عن حسابات حكومة الفترة الانتقالية أو قوى الحرية والتغيير وغيرها من المؤسسات والتنظيمات السياسية والمدنية. الكل يعلم أن هنالك قوى اقتصادية وطبقات طٌفيلية نمت وترعرعت في ظل النظام البائد.. ورضعت من ثدي الفوضى والفساد.. وغرقت الى (عٌنقها) في لُج النهب والسَلب للمُمُتلكات ولموارد وثروات البلاد. فذهب نظام المخلوع البشير، غير مأسوف عليه، وبقيت هذه الجماعات تُصارع وتُقاوم أي تغيير وإصلاح، وتبذل الغالى والنفيس في سبيل تحقيق ذلك. مستفيدة مما بنته من ثروات وقوة ونفوذ، ومُستغلة ضعاف النفوس وبائعي الوطن وفاقدى الضمير في المؤسسات المختلفة لوضع العراقيل وتعطيل أي اصلاح اقتصادى يعود علي البلاد والعباد بالخير والنماء. التعامل الحازم والحاسم مع تلك الفئة الباغية، ومحاسبتها علي أي (مليم) أخذته أو بالأصح ( نهبته) دون وجه حق، يمثل الضمانة الحقيقية لعبور الوطن هذه المرحلة الحساسة والحاسمة في تاريخه بسلام الى رحاب الديمقراطية ودولة المواطنة. وهذا يتطلب سيادة حكم القانون وأجهزة مهنية ونزيهة لإنفاذه يحميها حرصُها على مصلحة الوطن وبنائه وتقدمه. كما يتطلب اصلاح المنظومة الأمنية والشرطية والقضاء والنيابة، باعتبارهم خط الدفاع الأول عن الثورة ، ولذا يجب الإسراع في تنفيذها في حزمة كاملة، ومحاسبة كل من يقف في وجه هذا الإصلاح.. وهذا كله يتطلب إرادة سياسية صادقة وقوية في كل مؤسسات الفترة الانتقالية تعمل وفق مبادئ وقيم حقوق الإنسان وتحترم إرادة الشعب واحتياجاته.
محاربة القوى المٌضادة للثورة واعلامها، الذي يبث السموم ويعمل على زرع الفتن والكراهية بين مٌكونات الشعب السودانى المختلفة، ويصب الزيت على نيران الصراعات والنزاعات القبلية، فمحاربتهم تتطلب رؤى واضحة وخطط قوية ومحددة وبمسئولايات واضحة لكل من يشارك فيها، كما تتطلب مزيداً من الشفافية والوضوح مع الشعب السودانى الذي أصبح بين مطرقة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وبين سندان البحث عن العدالة والقصاص لشهداء الثورة السودانية، والتي لا تلوح في الأفق مؤشرات لتحقيقهما. تمتين وبناء جسور الثقة بين المواطنين وحكومة الفترة الانتقالية، وتوضيح الحقائق والاعتراف بالأخطاء وإشراكهم في إيجاد الحلول، اعمالاً لمبادئ الشفافية والمُحاسبية وإشراك من يدفعون فاتورة القرارات الحكومية في اتخاذ تلك القرارات هو ما يُكسب الحكومة احترام الشعب وثقته.. وليس الصمت والتجاهل أو التعامل باللامبالاة تجاه أي شكل من أشكال الاحتجاجات سواءً كان ذلك عبر التظاهرات أو المُذكرات المطلبية والاحتجاجية.
من المهم التوافق والتواثُق بين كل مكونات الشعب السوداني علي قيم ومبادئ الثورة السودانية المجيدة.. وعلى مواصلة درب النضال، الذى مهره الشهداء بدمائهم الغالية.. هذه القيم السامية والنبيلة من تضحية، ونكران ذات، وسمو، وتقبل الآخر بكل ما لديه من اختلافات، وتعظيم شعيرة المحبة والسلام والمساواة ونبذ العنصرية والقبلية والجهوية يجب أن تترجم في كل خطواتنا وسكناتنا.. وفي كل السياسات والبرامج، حتى نفوت الفرصة على المتربصين بالثورة، وبائعي الوطن في مزادات العمالة والخيانة، والمرتميين في أحضان الطامعين فيما بباطن أرض السودان من خيرات وثروات، من دول كثيرة، غرفت معاولها الكثير ولازالت تحلم بالمزيد
في مطلع هذا العام استبشرنا خيراً بخطاب الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية، والذي وعد فيه بتشكيل المفوضيات والمجلس التشريعي، وبالمُصادقة على االاتفاقية الدولية لمُناهضة التعذيب وغيره من ضروب المُعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية والاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري. وطال انتظارنا لذلك.. وفي مطلع هذا الأسبوع تم الإعلان عن تشكيل الآلية الوطنية لحقوق الإنسان وهي آلية وطنية كاملة الدسم، وليست بديلاً عن المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان المنشأة وفقاً لمبادئ باريس. هذه الآلية الوطنية معنية بتعامل الدولة وتقديم تقاريرها للمؤسسات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان ، ونتمنى أن تكون من أول ملفاتها التي تضعها أمام الحكومة وضع السياسات والبرامج التي تساهم في تعزيز وترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك اصلاح المنظومة العدلية ومحاربة الفساد ومحاسبة كل من يتسبب في خنق الاقتصاد السودانى ، ومن يهرب أو يساعد في تهريب ثرواته خارج البلاد ، ومحاسبة زارعى الفتن ومشعلى الحروب بين مكونات الشعب المختلفة، وكذلك تفعيل آليات المحاسبة على أي تراخى من الأجهزة الأمنية في حماية الأرواح والمُمتلكات في كل بقاع الوطن . ونتمنى أن تعلن الحكومة في القريب العاجل عن تشكيل المجلس التشريعى الانتقالي والمفوضيات وغيرها من هياكل الفترة الانتقالية وأن يتم اكمال ملف السلام بالعودة للتفاوض الجاد مع حركات الكفاح المُسلح والتي لم توقع على اتفاقية جوبا للسلام.

One thought on “النار من مستصغر الشرر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *