السودان والمحكمة الجنائية الدولية.. مخاوف من ضياع فرص العدالة
الخرطوم: أم سلمة العشا
اتفقت الحكومة السودانية والمحكمة الجنائية الدولية على توقيع مذكرة تفاهم مستقبلاً، وذلك في إطار تمكين المحكمة الجنائية الدولية من القيام بمهامها على الوجه الأكمل، بغرض توضيح شكل التعاون وتسهيل مهام الوفود وتذليل كافة الصعوبات التي يمكن أن تواجه المحكمة في تسليمها المطلوبين وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، كما تمثل الخطوة وفقاً لمراقبين دعماً لجانب التغيير والإصلاح كأحد متطلبات الانتقال الديمقراطي في السودان.
وكان وفد من مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية قد وصل الخرطوم يوم الأحد الماضي، في زيارة ثانية وانخرط الوفد الذي يضم (12) فرداً من منسوبي مكتب المدعي العام، في عدة لقاءات رسمية وذلك تأكيداً لأهمية التعاون بين الطرفين، وشمل تشكيل الوفد محققين ومختصين في قضايا انتهاك حقوق المرأة والطفل، ومختصين في حماية شهود واختصاصي صحة للترتيب للزيارات القادمة.
بداية تعاون
وتأتي الزيارة التي تمت مؤخراً امتداداً لزيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية في أكتوبر الماضي، في المقابل رحبت الحكومة السودانية ووزارة العدل بالزيارة الأولى والتي تأتي في إطار انفتاح السودان وتعاونه مع المحكمة وهو تحدي شروط منبر اتفاق سلام السودان الموقع في جوبا في (3) أكتوبر الماضي الذي نص على أن يتم تسليم كافة المطلوبين للمحكمة.
ورأى مراقبون أن تلك الخطوة تمثل تجاوزاً لحالة الإنكار التي ظل يمارسها النظام المخلوع بعدم تسليم أي مطلوب للمحكمة وعدم التعاون معها عدم الاعتراف بها.
وفي أول زيارة للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بحثت مع المسؤولين في الحكومة السودانية سبل التعاون بين الجانبين من أجل مثول الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من مساعديه أمام المحكمة الدولية، لمحاكمتهم في الجرائم التي وقعت في دارفور قبل أكثر من 15 عاماً.
كما أن المدعية العامة قدمت خلال زيارتها الخرطوم في أكتوبر المنصرم توضيحاً للسلطات السودانية حول التقدم الذي أحرزته في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظرها المحكمة.
وأصدرت المحكمة، ومقرها لاهاي مذكرتي اعتقال بحق البشير في عامي 2009 و2010 واتهمته بأنه العقل المدبر لفظائع ارتكبت خلال حملته لسحق معارضين مسلحين في منطقة دارفور.
مباحثات مكثفة
واستقبل وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، أمس وفد المحكمة الجنائية الدولية برئاسة فاكيسو موشوشوكو، ونقل الوفد تحايا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، وأكد تقديره للتعاون مع حكومة الفترة الانتقالية لتحقيق العدالة لضحايا الحرب في دارفور.
وبحسب (سونا) فإنه وفي إطار سعي المحكمة للقيام بمهامها على الوجه الأكمل، تم الاتفاق على توقيع مذكرة تفاهم مستقبلاً بين السودان والمحكمة بغرض توضيح شكل التعاون وتسهيل مهام الوفود وتذليل كافة الصعوبات التي يمكن أن تواجهها، وأشار وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، إلى جهود وفد المحكمة الجنائية، وأكد استعداد وزارة الخارجية للعمل على تسهيل مهام الوفد وفقاً لبنود مذكرة التفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة.
كما بحث وزير العدل نصر الدين عبد الباري، أوجه التفاكر بين أجهزة الدولة حول أفضل صور التعاون بين السودان ومكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية، ولفت عبد الباري، إلى أهمية التعاون بين السودان ووفد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية، والتوقيع على مذكرة تفاهم، والتأم اجتماع أمس عقب وصول وفد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ووفقاً لتعميمٍ صحفي فإنّ الاجتماع تضمّن أهمية التعاون بين الطرفين والتوقيع على مذكرة تفاهم بين حكومة السودان ومكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية.
وأكد نائب المدعي العام باكيسو، تقديرهم لوزير العدل لدعم وتنسيق الوزارة لزيارات مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية إلى السودان، وعكس ضرورة دعم المحققين لجمع الأدّلة المطلوبة في القضايا الحالية المطروحة أمام المحكمة الجنائية عن طريق تسهيل جمع الأدلة والاستماع إلى الشهود.
تأجيل ومخاوف
وذكر الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، أن الأهم هو الجوانب العملية في الإجراءات، من خلال متابعة قضية علي كوشيب، فإن الادعاء الجنائي بمحكمة الجنايات الدولية لا يثق في قضيته وما يشير لذلك أنه طلب عدة مرات من المحكمة تأجيل محاكمة كوشيب، وذلك ما دفع بدفاع كوشيب لطلب الإفراج عنه بضمان مثوله أمام المحاكمة، وأضاف الصادق: إذا تكرر طلب التأجيل من الادعاء سيتكرر طلب الدفاع بالإفراج، وبدلاً عن سماع البلاغ ينصرف الأطراف في الطلبات الإجرائية.
وتابع: من ناحية أخرى عقب البيان الأخير للمدعية فاتو بنسودا، أمام مجلس الأمن ذكرت أن بيانها لمجلس الأمن في يونيو القادم قد يكون الأخير، وأخشى أن تلجأ المدعية لتأجيل جلسات محاكمة كوشيب حتى تنتهي فترتها كمدعية للمحكمة وتذهب وتترك ملفات الدعاوى لمساعديها، وبذلك تنتقل الملفات من مدعي لمدعي كما حدث بواسطة سلفها لويس مورينو أوكامبو، ويأتي كل مدعٍ بتنظيراته مما قد يؤثر، لأن بينة الاتهام بطول الأجل تحتاج إلى تعضيد.
وأفاد الأمين العام لهيئة محامي دارفور أنه من المؤكد أن بعض شهود الاتهام قد انتقلوا إلى الدار الآخرة، كما أن عامل السن يؤثر أيضاً في شهادة الشهود وفي البينة المنتجة، وزاد: (ما لم يتم التحقق من بينة الاتهام لتقدم بصورة قوية ومتماسكة فإن الشك يفسر لصالح المتهمين).
إجراءات بطيئة
وقال الصادق علي حسن، إن إجراءات الإدعاء بمحكمة الجنايات الدولية بطيئة جداً، وما يصدر عنها من تصريحات غير مطمئنة، ومصدر المخاوف بعد انتظار أسر ضحايا انتهاكات دارفور بعد عدة سنوات أن يفشل الادعاء في تقديم قضايا قوية للمحكمة الجنائية الدولية، فيتم شطب القضايا لعدم كفاية البينة، كما حدث في عدة دعاوى كانت أمام ذات المحكمة، وفي حالة شطب القضايا تكون أمام المتهمين أو المتهم مثل كوشيب، فرصة لطلب اللجوء بهولندا، حيث مقر محكمة الجنايات الدولية ذاتها، وفي هذه الحالة ينطبق المثل على ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة (ميتة وخراب ديار).