مناع و البرهان والحبر كسبان
بقلم: خالد فضل
ثلاثة الرجال يتولون مناصب عامة في دست السلطة الانتقالية الحالية في السودان، اثنان منهما نصت على مواقعهما الوثيقة الدستورية الحاكمة، و ثالثهما من أبجديات الحكم المدني، لهذا يمكن النظر إلى مسألة فتح بلاغ من جانب البرهان بشخصه و صفته، ضد السيد صلاح مناع بشخصه و صفته كذلك، و لدى النائب العام تاج السر الحبر بصفته؛ كنوع من التمرين الإيجابي لتثبيت و تقوية نظام الحكم الديمقراطي الذي يقوم على الفصل بين السلطات، و سيادة حكم القانون، و المساواة في حق التقاضي لكل شخص بصفته الطبيعية أو الاعتبارية. لذا فإنني أود في هذا المقال مناقشة الأمر من زاويته الإيجابية، غض النظر عن الإشارات السياسية السالبة وراء تلك الخطوة.
رأى السيد البرهان (بصفته العسكرية) بأن السيد مناع(بصفته الدستورية) في لجنة إزالة التمكين و محاربة الفساد، قد تعدى على حقوق مؤسسة القوات المسلحة، هذا أمر معقول، ففتح بلاغ لدى النائب العام لحكومة السودان، هذا إجراء صحيح، حرك النائب العام الإجراءات فوراً، و تم القبض على المتهم ليتم التحقيق معه في النيابة، هذه خطوة عملية و مهنية مطلوبة و مرغوبة، لأن ما يترتب عليها يعتبر مهماً لتثبيت مبدأ حكم القانون، و سيادته على الجميع، و تنفيذ الإجراءات العادية على كل شخص، أياً كانت الوظيفة التي يشغلها في الدولة،و هذا ما تنشده ثورة ديسمبر المجيدة، و بفضلها و شعاراتها العميقة (حرية سلام و عدالة) و بفضل أرواح الشهداء، و دماء الجرحى والمصابين، و و ويلات المفقودين و المشردين، بفضل كل ذلك و أكثر، و الثمن الباهظ الذي دفعه نفر عظيم من شباب و شابات بلادنا؛ ها هم السادة الثلاثة يتبوأون المناصب، و يتقدمون المواقع في حكم البلاد، كل في مضمار ما تخوله له الوثيقة الدستورية.
بمرجعية الثورة، و التضحيات الجثيمة التي بذلت من أجل إنجازها ننظر إلى الموضوع، و بخلفية نشداننا للتغيير الجذري في مفاهيم و أساليب إدارة الشأن العام في بلادنا، و في اتجاه تأسيس نظام ديمقراطي مستدام؛ فإن خطوة البرهان ضد مناع و تأدية مولانا الحبر لمهامه بكل جدية، و بسرعة و دون تردد، هذا يصب في صالحه، فها هو يقتاد الأستاذ مناع مخفورا بإجراءات النيابة العامة، و عليه من الآن و صاعداً أن يتخذ ذات الإجراءات، و بكل همة و نشاط، و بسرعة دون تردد، ضد كل متهم يقع في دائرة اختصاصه، و من ضمن هؤلاء أشخاص كان السيد مناع قد فتح بلاغات في مواجهتهم في إطار تأدية مهامه الدستورية في لجنة إزالة التمكين، بمعنى أوضح؛ إذا كان السيد مناع قد ارتكب ما إستحق أن يفتح في مواجهته بلاغ من السيد البرهان، فإنه قد أدى و يؤدي في المقابل عملا جليلاً و كبيراً ضمن آخرين لصالح تحقيق أهداف الثورة،من خلال منصبه في تلك اللجنة، التي كشفت مواطن الفساد و الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها آخرون في ظل النظام المباد، و توجهت بها اللجنة إلى مولانا الحبر، لم يبق أمام الحبر إذن سوى تحريك ذات الإجراءات التي اتخذها ضد صلاح مناع. أرأيتم كيف أن هذه الخطوة من جانب البرهان قد حررت مولانا الحبر من التردد، و جعلته الآن أكثر ثقة بالا كبير. على القانون، و بالمثل فإن أي شخص يمكنه الان ان يتجه مباشرة لفتح البلاغات في النيابة العامة ضد من يشكك في ارتكابهم لانتهاكات طالتهم، فنحن في إطار دولة القانون، الذي يعلو و لا يعلوه منصب.
و بقياس واقعة البرهان ضد مناع، يمكننا الان الاطمئنان إلى أن مولانا الحبر سيتحرك بذات السرعة و الجدية، و يحقق و يكمل ملفات كثيييير من القضايا بين يديه، و لن يكون في وسع احد بالغاً ما بلغ من منصب أو موقع بوأته له الثورة أن يقول له (تلت التلاتة كم)، فها هو السيد مناع بموقعه الدستوري الرفيع و مهامه الثورية العظيمة يخضع لحكم القانون، فما الذي يحول دون تطبيق ذات المبدأ، و بما ان الرجلين البرهان و الحبر حريصان كل الحرص على سيادة القانون و تقوية عمل مؤسسات العدالة، فهذه إشارة مرور خضراء لأهم اللجان العدلية المكونة الآن (لجنة فض الاعتصام) برئاسة الأستاذ نبيل أديب، التي تنظر و تحقق في وقائع تلك المجزرة، لفد انفتح الباب أمامها واسعاً الان لتتقدم بسرعة و شجاعة في تحقيقاتها حول المجزرة إذ لم يعد بعد الان كبير على التحقيق الجنائي، لم يعد هناك منصب دستوري يلوذ به صاحبه ليحميه من سريان سلطة القانون عليه، و بمثل ما قدم السيد البرهان النموذج المثالي لرجل الدولة، الحريص على الوفاء لقيم الثورة و أهدافها، و في قمة ذلك سيادة روح العدالة، بهذه الوضعية فإن البرهان و رفاقه الآخرين، و شركائه سيكونون دون شك أكثر استعداداً لتحمل ما يترتب على التزامهم بضرورة هيمنة سلطة القانون على ما سواه، و بمثل ما اقتادت النيابة الأستاذ مناع في البلاغات التي فتحها السيد البرهان، فإن الأخير لن يتردد دون شك في أن يحل محل الأول إذا اقتضت سلطة القانون، و مجريات التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، ذلك الإجراء، و بمثل ما نهض السيد البرهان للزود عن حمى مؤسسته، و يرد عنها ما أصابها من رشاش أطلقه السيد مناع، فإن آباء و أمهات و أخوة و اخوات و معارف و زملاء قد إصابتهم القروح الغارئرة في القلوب جراء فقد أو إصابة أحبابهم من شباب و شابات قضوا أو أصيبوا في تلك المجزرة البشعة، و في غيرها من فجائع سفكت فيها الدماء، فمن حق هؤلاء أن ينهضوا لدا النائب العام لإقرار العدالة و القصاص من المجرمين الذين ارتكبوا تلك المجزرة.
إن الشق الإيجابي في هذه القضية هو تكريس مبدأ العدالة، و سيادة القانون، و بطلان الحصانات، و تأكيد عدم الإفلات من العقاب، و التحدي الآن أمام مولانا الحبر هو تأكيد كفاءته و قدرته و مهنيته و ثوريتة كذلك، و لا ننسى أن تضحيات الثوار هي التي اوصلته لمنصبه، و من الواجب الإنتصاف للضحايا، خاصة و ان واقعة البرهان ضد مناع قد شكلت سابقة عملية في ضرورة سيادة حكم القانون، و لا يستنكفن احد على أي صاحب موقع أن يلجأ حال شعوره بالضيم إلى السلطة الأعلى دوماً (سلطة القانون).