انتبهوا أيها الثوار
بقلم : لمياء الجيلي
ما حدث من تخريب وإحراق للأسواق في عدد من مدن السودان، خلال الأسابيع الماضية مؤشر واضح لخيانة عظمى تتم من جهات تتدعى حرصها على حماية ثورة ديسمبر المجيدة ومبادئها السامية والسامقة من احترام لحقوق الإنسان والحرية والسلام والعدالة. وهذه المحاولة وما سبقتها من محاولات (فاشلة) بقيادة ظاهرُها فلول النظام البائد وباطنُها قوى أقرب ما تكون للثورة من (حبل الوريد). هذه القوى أفشلت عليها انطلاقة الثورة في ديسمبر 2019 مُخططها للسيطرة على المشهد السياسي آنذاك، فلم تجد سوى الانصياع للأمر الواقع و (ركوب موجة الثورة)، بل التقدم خطوات وخطوات لتصبح طرفاً أصيلاً في المشهد السياسي، فارتضت مُرغمة بالمشاركة (ثلثه ولا كتلته). هذه القوى أخطر على الثورة من فلول النظام البائد وما حولهم من منتفعين وفاسدين و (جنناً تعرفه ولا جننا ما تعرفه). هذه القوى الثعلبية (ترتدى ثياب الواعظين) وتتدثر بلباس الشهداء وقميص الجرحى، وعطر التضحية والنضال. فالمحاولات المتكررة الفاشلة التي تشهدها البلاد بين الحين والآخر، ليس من فلول النظام فقط، بل من جهات تخطط للسيطرة على المشهد السياسي منفردة خوفاً من أن تطالها يد العدالة إذا سارت خُطي القوى الثورية الحُرة نحو اصلاح كل مؤسسات الدولة.. يحركها الخوف على مصالحها، والخوف من أن يجعلها التغيير الحقيقي خارج الفعل السياسي المؤثر. كل ما تم كشفه عن المُخطط التخريبي الأخير يؤكد أن هذا الأمر أكبر من إمكانات ما تبقى لفلول النظام البائد من مال تم نهبه من ثروات الشعب السوداني.. فهنالك أموالاً طائلة صرفت في التخطيط والتنفيذ والتنسيق.. إذ تم تأجير أماكن لتخزين السلع، وطباعة العملات المزيفة وشراء العملات الصعبة لتتضاءل قيمتنا المحلية، وينهار الاقتصاد، وترتفع الأسعار لتصبح سلعاً أساسية في غير متناول يد المواطن، أو يحصل على القليل منها بمشقة وعنت شديدين. بل تم دفع مبالغ طائلة لضعاف النفوس، (خمسة ألف جنيه) لمن يحرق لستك، ومبالغ أكبر لمن يبيع (حنجرته) وأضعاف مضاعفة لمن يوثق ويصور ويهلل ويكبر في الوسائط المختلفة.. وفي أماكن التجمعات والمناسبات. فهل تستطيع فلول النظام البائد تمويل ذلك؟ وهنا اقصد النظام البائد كمؤسسة وتنظيم، وليس كأفراد.. فهم (كأفراد) لن يضحوا ولو بالقليل فهم (يحبون المال حباً جماً) و (يكنزون الذهب والفضة).. فلن ينفقوا بعض منها حتى ولو من أجل (عيون تنظيمهم) أو تقديراً لفكرتهم. فهم لا يستطيعون حالياً تمويل أو تخطيط أو تنفيذه محاولة (تخريبية انقلابية) دون سند وعضد ومساعدة من تلك القوى التي توفر لهم الحماية والدعم المالي والمعلوماتي واللوجستي. وستكشف الأيام القادمة الى أي منقلب سينقلبون.
في خضم تلك الأحداث، ومحاولات زج الوطن الى حالة من الفوضى والانهيار الاقتصادي والأمني، يُطالب البعض بمصالحة الإسلاميين وإشراكهم في الفعل السياسي. هذه الدعوة التي تصدر بين الحين والآخر و(بمناسبة) وبلا (مناسبة) للتصالح مع الإسلاميين وعدم قصائهم دعوة فيها (استفزاز) واضح للثوار و(خيانة) لشهداء الثورة السودانية ومحاولات تنقصها البراءة وحسن النية، ومصلحة البلاد والعباد. بل في تقديري هذه الدعوات تغريد خارج السرب، وبها مجافاة للحكمة والمنطق، بل ستحسب سلباً على من يطلقونها، وستسود صفحات نضالهم ومسيرة تاريخهم، مهما كانت ثرة بالبطولات وناصعة بالمواقف التاريخية تجاه الوطن… فكيف التصالح والتسامح ولازالت هنالك جثث مُلقاة في المشارح.. وجثث قبرت في مدافن جماعية، وما زالت هنالك دماء لم تجف، كيف التسامح والتصالح وقلوب أسر الشهداء لازالت(تنزف) دماً وتخفق حسرةً على فلذات أكبادها. ولازال الشعب يترقب نتائج لجان تحقيق طال أمدها.. ولم تأته بالحقيقة ولم ترسل الجناة الي العدالة… كيف التسامح والتصالح وكل أنظار الشعب السوداني تتجه للسماء في انتظار أن تنقل الطائرات مرتكبي جرائم القتل والسحل والاغتصاب الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.. كيف التسامح والتصالح ولازال أسر المفقودين تنتظر في صمت وترقب أوبة من خرج ليلة العيد ولم يعد حتى الآن. فكيف تريدون أن تضعوا أيديكم ناصعة بيضاء في أيدي مُلطخة بدماء خيرة أبناء وبنات وشباب الوطن.. كيف تسامحون ومن لازالوا يدبرون ويكيدون ويتبعون كل السبل (ما ظهر منها وما بطن) لإيقاف مسيرة الثورة، وللحيلولة دون تحقيق العدالة، يعملون بكل ما أوتوا من مكر وحيلة ودهاء لحماية قادتهم الذين علموهم السحر، ورصفوا لهم طرق الفساد والاستبداد.
فعندما اندلعت ثورة ديسمبر المجيدة تصدى لها الإسلاميين وعصبتهم بكل قوة وقهر ولم تأخذهم بالثوار رحمة ولا رأفة. وعندما نجحت الثورة في إزالة رأس النظام البائد لم تُنصب المشانق للإسلاميين ولم يزج بهم في بيوت الأشباح ليسوموا سوء العذاب وسياط الجلادين.. بل طالبوا بالقصاص للشهداء وتحقيق العدالة ومحاربة الفاسدين والمجرمين.. لم تتخذ الثورة نهج نظام الإنقاذ (سيئ الذكر) عندما أتى (عنوة واقتدرا) منقلباً على الديمقراطية وإرادة الشعب. ولم تتم الى ألان محاسبة لذلك النظام الذي نصب المشانق وقتل بدم بارد الشيب والشباب، نساء وأطفال، حرق القرى والبلدان، وأغتصب ونهب وارتكب العيد من المجازر والانتهاكات لحقوق الشعب السوداني. وعندما نجحت الثورة في إزاحة الرئيس المخلوع وزمرته لم يطالب (الشفاتة والكنداكات) بقتل أو سجن عناصر النظام الفاسد (من طرف)، أو دون دليل أو زريعة.. ولم تطالب أسر شهداء الثورة السودانية طوال الثلاثة قرون الفائتة، بحفر المقابر الجماعية لعناصر النظام البائد ولا طالبوا بربط أرجلهم وتقييد أيديهم ورميهم في النيل غذاءً للتماسيح والأسماك … لم يطالبوا بكل ذلك… ولم يطلقوا لأنفسهم العنان للانتقام من قتلة أبنائهم وبناتهم، في كل بقاع الوطن، ولو فعلوا لما استطاع أن يلومهم أحد. ولكنهم اختاروا طريق العدالة واحترام القانون.. تساموا فوق جراحهم الخاصة من أجل الوطن واستقراره وسلامه. فهم من يقرر مصير (الإسلاميين)، وهم من يمتلك حق (العفو) أو (المصالحة) مع من تبرئه المحاكم العادلة والقضاء المستقل والنزيه.