الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

علمانية الدولة ضرورة واقعية

بقلم: خالد فضل

سؤال بدهي يتبادر للذهن، ويمكن لكل سوداني/ة أن يسأله لنفسه قبل طرحه في الفضاء العام، هو هل كان غالب السودانيين/ ات غير مسلمين منذ بداية تأسيس الدولة الحديثة بنهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين؟ وهل انسلخ المسلمون /ات منهم من إسلامه /ها، عندما كانت الدولة علمانية؟.

الإجابة الطبعية لأي شخص سوي ذهنيا، غير متلجلج فكريا وغير مشوه نفسيا، هي (لا) بالبنط العريض، تلك حقائق واقعية لا يغالطها إلاّ من به مسحة من خبل، فالسودانيون في أغلبيتهم كانوا من المسلمين منذ آماد بعيدة، ولم تنسلخ منهم الملايين وتترك الإسلام لأن دولتهم كانت علمانية تفصل بين الدين والدولة عدييييل، فما الذي جدّ على السودانيين حتى بات موضوع العلمانية هاجسهم، وصار من يدري ولا يدري يلوك في كلمات يابسة فارغة المضمون عن (رفضه لعلمانية الدولة) في الواقع وليس الأوهام المجانية، نشأت الدولة الحديثة كمؤسسات وقوانين ولوائح على يدي المستعمر الإنجليزي إبّان فترة الحكم الثنائي، عقب إعادة احتلال السودان تحت التاج المصري، أها هل هناك من يغالط ويقول لا بل نشأت الدولة السودانية سنة (إعلان نميري للشريعة)! نعم نشأ نظام التعليم الحديث وقتذاك؛ أيام جيمس كري مدير المعارف، وكلية غردون التذكارية حتى مرحلة بخت الرضا ومستر غريفيث، نشأت مؤسسة النقل والخطوط البرية والبحرية والميناء وسكة الحديد وعطبرة (العمال القماري قوقن ) في كنف الدولة العلمانية الإستعمارية، ونشأ مشروع الجزيرة بإعجازه الهندسي البديع يومها، والإدارة والدولة علمانية، وسفلتت شوارع الخرطوم وكانت تنظّف بالصابون وتطهر بالديتول يوميا، والدولة علمانية، وشيّد الجامع الكبير بل الجوامع الكبيرة في كل المدن وعواصم المديريات، وفي وسط الأسواق والمواقع الإستراتيجية، ومن شادها وهندسها وخطط مواقعها، كان إداريون في الدولة العلمانية . انتشرت خلاوى تحفيظ القرآن، وحلقات الذكر، وجمعيات التلاوة، وأعياد المولد، ورجب، وصام الناس رمضان والستوت وأيام التشريق والإثنين والخميس ويوم عرفة، ومدت الموائد في كل القرى والفرقان والأحياء، وغشاها أبناء السبيل وفقرا الخلاوى، وأدى الصائمون صلاة التراويح، وتهجدوا، واعتكفوا في العشر الأواخر في المساجد، واخرجوا زكاة الفطر، وصلوا العيدين، وحّجوا واعتمروا بالجمل والقطر والبحر ولاحقا بسودانير، والدولة علمانية، فما مسّ الجنون الذي أصاب العقول؟.

حتى العام 1912م كانت ميزانية حكومة السودان تأتي من مصر، ولكن اعتبارا من 1913م استقلت حكومة السودان عن الميزانية المصرية، صارت الدولة تصرّف شؤون وارداتها وصادراتها، دخلها ومنصرفها، بمنأى عن عطية الخزانة المصرية تأتي أو لا تأتي تشح أو تفيض! هذه نقطة تحول اقتصادية عظمى، والدولة علمانية، تدخل صادرات السودان إلى السوق العالمي، تؤثر فيه ويؤثر عليها، تتمتع  البلاد بالرخاء والوفرة في سنوات الخصب، وتضيق قليلا وتلهث عند أعوام الكرب، ولكن لم تحدث مجاعة البتة، ولم ينزح أهل الأقاليم قسريا تحت ضغط المسغبة والجوع وهلاك الضرع والنسل، والدولة كانت إدارتها في كل الوقت علمانية !! وإذا كان د. حمدوك وبعض طاقم حكومته المخلصين/ات للوطن والشعب، وليس للحزب أو التنظيم (اللئيم) يكابدون ويصارعون، ويلهثون ليعود السودان إلى دورة الإقتصاد العالمي، وتبادل المنافع والمصالح، والبرهان يكوسا في أحضان نتنياهو، ويمد يده مصافحا رئيس وزراء دولة الإحتلال إسرائيل، فإنّ تاريخ الدولة العلمانية في السودان لم يحوجنا في أي وقت لتلك المذلة أبدا، مذلة أن ينؤ كاهل أجيالنا المتتالية بعبء 60 مليار دولار من الديون وفوائد القروض التي ذهبت هباء، والسودان منذ العام 1983م تحكمه دولة الشريعة كما يزعمون !!والتي عنها يزود الزائدون المزايدون الآن، ولكن انظر لمن يزاود، لنعرف عمّا يزود، إنّهم مكتب التجار الذي ابتلع التنظيم ؛ بحسب ما كتبه أحد عناصر الإخوان المسلمين في السودان د. التجاني عبد القادر، وهو يصف كيف تغوّل أعضاء حزبه على البنك الإسلامي فحصلوا على التمويلات ليس بإعتبارهم تجار سوق عاديين، بل بعباءة التنظيم، الذي يتمركز حول فكرة رئيسة مفادها أنّ الفلوس هي عنصر بناء التنظيم القوي، أمّا كيف تأتي الفلوس، فطريق دعاة الشريعة واضح وصريح، الحكم بما أنزل الله، وشريعة قوية قبل القوت، ولترق كل الدماء، وربط الأرض بقيم السماء، ثم تحت تلك الشعارات يتم التمكين بأي كيفية جاء، فكلو لله والجكّة دي لله !!ومما كشفته لجنة إزالة التمكين، يستبين لكل من في رأسه ذرة عقل، مغبة استخدام الدين كشعار سياسي، ولهذا تكتسب العلمانية واقعيتها ومصداقيتها من كونها أداة في الحكم تجعله غير قابل للتلاعب الديني، والدولة الراشدة هي التي تنصرف لمهام دنيا شعبها، وتتركهم يواجهون شؤون عباداتهم لربهم كيفما يشاءون.

الآن تجرى مفاوضات في جوبا بين وفدي الحكومة الإنتقالية ووفد الحركة الشعبية شمال قيادة الحلو، وإعلان المبادئ الموقع بين الأخير والسيد البرهان، حدد طبيعة الدولة، وبموضوعية شديدة إنها دولة علمانية، عليه لا أرى أي داع للف والدوران حول هذه النقطة، بل يجب أن تكون من النقاط المحسومة سلفا، فقد ظل المسلم السوداني مسلما منذ اعتناقه، لم تبدله الدولة العلمانية، ولكن ضعضعت اسلامه في الواقع مزايدات الدولة الإسلامية دولة الشريعة المزعومة، وإذ أذكر هنا العبارة الدقيقة التي قالها د. حسين سكاري؛ أحد معدي معيار إسلامية الدول رفقة زميله د. عبد الرحمن زاده، قال سكاري لإذاعة الـ(بي بي سي)، هناك دول تزعم باسلاميتها ولكن لا يمكن وصفها بتلك الصفة مهما توسعنا في الخيال)!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *