تعيين النائب العام ورئيس القضاء.. تعقيدات تُهدِّد التحول الديمقراطي
الخرطوم: أم سلمة العشا
إجراءات معقدة جعلت القائمين على أمر تعيين رئيس القضاء والنائب العام، يبطئون في حسم مسألة الاختيار التي باتت أمراً يصعب تحقيقه، وهناك عوامل عديدة قد تكون سبباً في ذلك، على رأسها تداخل الاختصاصات وسخط الشارع تجاه أداء المؤسسات العدلية خلال العامين الماضيين، والشروط المسبقة للتعيين المرتبطة بالمعايير التي تؤسس للعدالة وتطبيق صحيح القانون، وذلك بعد فشل واضح استمر زهاء العامين عقب ثورة رويت بالدماء عقدت عليها الآمال في تحقيق العدالة خلال فترة الانتقال الديمقراطي. في المقابل سيطرت مسألة اختيار النائب العام ورئيس القضاء على اهتمامات الرأي العام وسط مطالب مشددة بضرورة الابتعاد عن أي عناصر مشكوك فيها، وحصر الترشيحات على شخصيات تمثل الثورة وقادرة على وضع الملف في مساره الصحيح، فضلاً عن تمسك وكلاء النيابة بأن يكون تعيين النائب العام من داخل النيابة.
استقلال وحياد
وأكد المحامي والقيادي بقوى الحرية والتغيير الطيب العباسي، أن مسألة اختيار النائب العام ورئيس القضاء لم تُحسم بعد، وكشف عن عقد اجتماع لرفع الأسماء التي دفعت بها اللجنة إلى مجلس السيادة الانتقالي. وبحسب العباسي، فإن المعايير التي تنطبق على تعيين النائب العام ورئيس القضاء لتولي المنصبين تشمل الحيادية والاستقلالية التامة للنيابة العامة والقضاء، بجانب الذخيرة العلمية، التي بموجبها يستطيع الشخص إدارة دفة الأجهزة سواء كانت نيابة أو سلطة قضائية. وقال العباسي في حديث لـ(مدنية نيوز)، إن المسألة تحتاج إلى تعاون مشترك وشخصيات تتمتع بالكفاءة والقدرة على العمل، لأنها من ضمن أهم شعارات الثورة وهي العدالة، بجانب أنها العمود الفقري لتحقيق السلام، واكتمال المؤسسات العدلية التي تصب في خانة العدالة سواء كانت المحكمة الدستورية أو الأجهزة الأخرى المتعلقة بقومية المؤسسات المرتبطة بمكافحة الفساد، والمنظومة العدلية والحقوقية ومجلسي النيابة والقضاء، ورأى أن تكوين مجلسي النائب العام والقضاء من ضمن الاستحقاقات الواجب إعمالها لتأسيس دولة القانون والعدالة، وأضاف أن اختيار الشخصيات يحتاج إلى سرعة من قبل الأجهزة المعنية، مشدداً على تكوين مجلسي القضاء والنيابة العامة لاكتمال العدالة.
بطء وتأخير
وأوضح العباسي أن هناك عقبات تعترض ملف العدالة تتمثل في عدم استكمال المؤسسات العدلية، وعلى رأسها المحكمة الدستورية ومفوضية العدالة الانتقالية، وغيرها من الجوانب الأخرى. وعزا العباسي البطء في تعيين النائب العام ورئيس القضاء إلى ارتباطه بتكوين المجلس الأعلى للقضاء والنيابة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية. وبحسب العباسي، فإن الفقرة الأساسية هي سبب في بطء التعيين.
ضعف العدالة
وكانت اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير انخرطت في اجتماعات متواصلة بالتنسيق مع قوى الحرية والتغيير لبحث الترشيحات للمنصبين الشاغرين بعد إعلان مجلس السيادة الانتقالي قبول استقالة النائب العام السابق تاج السر الحبر، وإقالة رئيسة القضاء نعمات عبد الله الشهر الماضي، ووجد القرار الصادر من مجلس السيادة ترحيباً واسعاً وسط الشارع السوداني وأسر الشهداء بعد أن اتهمت الأجهزة العدلية بالفشل دون الوصول إلى تحقيق العدالة خلال الفترة الانتقالية وتحقيق شعار الثورة بكلياته (حرية سلام وعدالة). في المقابل، وصف قانونيون ومراقبون موقف العدالة بأنه الأضعف منذ الإطاحة بنظام المخلوع البشير في أبريل 2019. ويتفق كثيرون بحسب رؤية قانونية، على أن الأداء في ملف العدالة كان ضعيفاً خلال العامين الماضيين.
وعزا مصدر نيابي – فضل حجب اسمه – لـ(مدنية نيوز) ضعف العدالة إلى ضعف أداء النائب العام ورئيسة القضاء، وقصور الإجراءات اللازمة لحسم القضايا المتعلقة بحالات الفساد والقتل خارج القانون وغيرها من الجرائم الكبيرة التي ارتكبت منذ مجيء نظام الجبهة الإسلامية في 1989.
فوضى قانونية
من جهته أكد الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن لـ(مدنية نيوز)، أن جوهر المشكلة يكمن في أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية هي وثيقة معيبة كرست لأخطاء عديدة كما أجهزت على العدالة، ويضيف قائلاً: “بموجب أحكام الوثيقة الدستورية الحالية يتم تعيين رئيس القضاء بواسطة مجلس القضاء العالي، كما يتم تعيين النائب العام بواسطة مجلس النيابة العامة، إلا أن المجلسين لم يتم تشكيلهما”، مبيناً أن واحداً من الأخطاء يتمثل في عدم مباشرة التأسيس الدستوري السليم باستعادة دستور السودان المؤقت المعطل بعد انقلاب البشير في يونيو 1989، مما أدى إلى بقاء الحال على ما هو عليه، حيث ذهب البشير وقياداته العليا وما زالت قوانينه سارية المفعول حتى قانون الأحزاب الذي تم سنه في عهد البشير هو القانون ساري المفعول وينظم الحياة السياسية.
ولفت حسن إلى أن منصبي رئيس القضاء والنائب العام شاغران حالياً، مما يشكل سابقة خطيرة تضاف للفراغ الحاصل بعدم وجود المحكمة الدستورية. ويحذر حسن من أن البلاد تخطو نحو “فوضى قانونية” خطيرة. واعتبر أن الوثيقة الدستورية حددت كيفية تعيين رئيس القضاء والنائب العام، كما أن رئيس القضاء وفقاً لأحكام الوثيقة الدستورية يتم تعيينه بواسطة مجلس القضاء العالي والنائب العام عن طريق مجلس النيابة الأعلى. وقد حددت الوثيقة الدستورية كيفية تشكيل المجلسين، ولم يتم تشكيلهما، أيضاً حددت الوثيقة الدستورية فترة تسعين يوماً لتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي على أن يمارس مجلسا السيادة والوزراء خلال فترة ٩٠ يوماً التشريع، ولم يتم تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي خلال الفترة المنصوص عليها بصورة قاطعة، مما يعني بطلان كل التشريعات الصادرة عقب التسعين يوماً من سريان أحكام الوثيقة الدستورية من مجلسي السيادة والوزراء بموجب ذات أحكام الوثيقة الدستورية.
عبث قانوني
وقال الأمين العام لهيئة محامي دارفور، إن ما يحدث الآن عبارة عن خروقات وخرمجة وعبث بالقانون، وأصدرت اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير ما سمته توضيحاً حول اختيار رئيس القضاء، ومن ضمن ما جاء في بيانه أنه التقى بناءً على طلبه بأربعة من قضاة المحكمة العليا تم ترشيحهم من قبلها وأنها التقت بهم للتعرف على خططهم في الإصلاح القضائي ومدى التزامهم بما تراه اللجنة المذكورة إذا تم اختيار أحدهم، مبيناً أن ما حدث فيه بخلاف المساس بمنصب رئيس القضاء واستقلاليته، انحراف بمهام السلطة القضائية، وهناك ضرورة لأن يعلن عن أسماء أعضاء اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير لتمارس قوى الثورة رقابتها على الذين وصلوا بالبلاد إلى هذا المستوى في التدني والعبث السياسي.
وخلال الأشهر الماضية انتظمت الشارع السوداني حملة واسعة متهمة النيابة العامة والسلطة القضائية بالتقاعس وتعطيل الملف العدلي والتماهي مع النظام السابق وعدم الجدية في محاسبة عناصر النظام السابق المتورطة في عمليات قتل واسعة وفساد مالي وإداري تقدر خسائره بنحو تريليون دولار. واشتكت لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ مراراً من عدم تعاون الأجهزة العدلية معها مما أدى إلى تعطيل سير العدالة.