مدير دار النشر جامعة الخرطوم: (25) كتاباً هديتنا الأولى للثورة المجيدة
حاوره: نصر الدين عبد القادر حسن
دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، أعرق دور النشر السودانيّة منذ العام 1967م، تعنى بقضية نشر وتوزيع ما ينتجه الكُتاَب السودانيون، فطبعت أعمال أهم رواد الفكر والثقافة السودانيّة، خبا بريقها لفترة وهي تقصر اهتمامها على الكتب الأكاديميّة، عندما ألحق بها التعريب منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين.. لكنها انتفضت بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي انطلقت في 2018م، فجددت ثوبها إدارة ورؤية، فكان د. الأصم بشير التوم، ونائبه د. أسامة تاج السر، حيث قاما بثورة لترميم عظم الدار.. فكانت الناتج (25) عنواناً سودانيّاً في الأدب، والفكر، والتاريخ، وكتابين عن الثورة المجيدة.
جلس موقع (مدنية نيوز) إلى مدير دار النشر، د. أسامة تاج السر، الذي جاء للموقع خلفاً لدكتور الأصم، ومتمماً لمشاريع ابتدآها معاً.. فكان الحوار التالي:
أولاً د. أسامة تاج السر، ما هو المختلف في عهد دار النشر بعد الثورة؟
دار النشر جامعة الخرطوم من أعرق دور النشر السودانية، والأعرق بين دور النشر الجامعيّة على المحيطين العربي والإفريقي، وقدمت الكثير خلال تاريخها الممتد من 1967م وحتى يومنا هذا.
التحقتُ بدار النشر نائباً لمديرها بعد ثورة ديسمبر المجيدة، فأسسنا مشروعنا دعماً لحركة التحول الديمقراطي، حتى الوصول إلى الحياة المدنيّة التي يتطلع إليها الشعب السودانيّ، الذي ضرب أعظم الأمثال في التغيير، ولأن النشر هو الذاكرة الحيّة للأجيال، رأينا أن نحتفظ بهذه الذاكرة وهّاجة متّقدةً حتى لا يصيبها (الزهايمر)، فنفقد كلّ هذا الجمال.
جميل.. لكن ما الذي قدمتوه في سبيل دعم هذه الأهداف السامية والنبيلة؟
أولاً قررنا أن نكون أكثر انفتاحاً على الإنتاج الأدبيّ والفكريّ في السودان، فتحنا الباب أمام الشباب والروّاد معاً، من رحل منهم ومن هو على قيد الحياة، فكانت تجربة استثنائية، تسلمنا خلالها أكثر من (70) عنواناً في الأدب والفكر والثقافة، وهو مشروع كبير سيتواصل كل عام حتى نرفد المكتبة السودانية والعربية بالإنتاج السوداني، وفي هذا العام طبعنا (25) كتاباً هي هديتنا للثورة، وفي الأمس القريب دشّنا (4) دواوين شعرية للشاعر السوداني الكبير محمد عبد الباري، في حفل بهيج بقاعة وزارة التعليم العالي، في طبعة سودانيّة خاصّة دعماً من الشاعر لحركة الشعر في السودان، حيث تنازل عن نصيبه من عائدات الكتب لصالح مبادرة (كتابة) التي تعنى بإبراز الشاعر السوداني محليّاً وخارجيّاً، فكانت دار النشر بجامعة الخرطوم شريكاً أصيلاً في هذه المبادرة التي أطلقها الشاعر داخليّاً وخارجيّاً، مسهمة بنسبة من عائدات هذه الدواوين.
بالطبع هنالك تحديات، وصعوبات موجودة ومتوارثة، ما هي التحديات التي واجهتكم؟
من أصعب ما واجهناه في هذا الأمر، أنّ المطبعة قد بلغت مرحلة من الشيخوخة بسبب الإهمال الذي لازمها لفترات طويلة، وهجرة خيرة الكوادر الفنّيّة في الدار والمطبعة، إمّا بسبب التشريد المتعمّد لخيرة الكوادر، أو بعدم التقدير المناسب، فحدثت هجرة جماعيّة، أضرّت ضرراً بالغاً بصناعة الكتاب، ما أدى إلى غياب الدار عن الساحة لفترة طويلة.
ومن الأسباب المعيقة الوضع الاقتصادي الخانق الذي تأثرت به صناعة الكتاب. وصناعة الثقافة عموماً تتأثر بهذا العامل المزعج، خاصة ونحن دولة تقوم باستيراد الورق مع سعر الصرف المتذبذب.. والتكاليف التشغيليّة للمطبعة وغير ذلك.
على ذكر المطبعة.. صدر قرار مؤخراً بفصل المطبعة عن إدارتكم، وهو ربما ما تسبب في استقالة المدير السابق، خاصة وأن المطبعة منذ العام 2011م ظلت تتبع بقرار إداري للدار، ما مدى تأثير هذا القرار عليكم؟
بالضرورة له أثره، لأن عمليتي النشر والطباعة هما عمليتان متكاملتان، حيث تكتسب بذلك الدار سمعة راقية على المستوى الداخلي والخارجي، لكن رأت إدارة الجامعة أن تكون للمطبعة إدارة منفصلة عن الدار، وهو قرار يرجع لعمليّة الإصلاح الشامل لكلّ منهما على حدة، لكن ما يعنينا هو أن نحلق بالدار عالياً ونضعها موضع الريادة، وها نحن نخطو خطوات واثقة لنرسم طريقاً للذين سيأتون من بعدنا.
لقد عملت إدارة جامعة الخرطوم بقوة لدعم الدار ونهضتها، فهل ترى فصل المطبعة يتماشى مع هذا الدعم؟
كان لفض الاعتصام أثره الكبير على جامعة الخرطوم، والأكبر على دار النشر، إذ فقدنا ذاكرتنا تماماً، كما فقدنا كثيراً من الذين لم يتحملوا هول الصدمة، أمنياتنا لهم بالشفاء العاجل.
تم نهب الإرشيف كاملاً، ونهبت جميع الأجهزة الألكترونيّة التي تخص الدار، وأهمها أجهزة الحاسوب (الكمبيوترات)، التي تحوي جميع النسخ الإلكترونيّة.
عملت الجامعة جاهدة، من خلال أعلى هرمها بروفيسور فدوى عبد الرحمن مديرة الجامعة، على دعم الدار، فتمثل هذا الدعم في شقّين:
دعم بشري: إذ صدّقت الجامعة بعدد (٢٥) وظيفة لدار النشر، في التحرير، والتوزيع، والتسويق، والمخازن، والمكتبات.
دعم مادي: وذلك من خلال الدعم السخيّ بكل أجهزة الحاسوب (الكمبيوترات) وملحقاتها التي طلبناها. وقد قالت السيدة المديرة نصّاً: (من أولى أولوياتي أن تعود دار النشر سيرتها الأولى).
كان طموحنا في النشر أكبر من السعة التشغيليّة للمطبعة، ما أظهر عيوب أكثر الماكينات، فجاء قرار فصل المطبعة بغرض تأهيلها وصيانتها، ونثق أن اتحاد المطبعة ودار النشر سيعود قريباً، لأنه أشبه بالزواج الكاثوليكيّ، لا يجوز فيه الطلاق.
هل فكرتم بأن تكون للدار فروع خارج العاصمة لتكتسب صورة أكثر قوميّة؟
في يوم من الأيام كان يطلق على دار جامعة الخرطوم لقب (الكويت)، لقوتها الاقتصاديّة العالية، إذ كانت تدعم ميزانيّة الجامعة بـ (10%). يومها كانت تملك عدداً من العربات الكبيرة (٧ دفارات) تجوب ربوع السودان المختلفة، وتغذي كل مكتبات العاصمة والولايات.
لا تخفى على أحد الحرب التي شنها النظام المخلوع على جامعة الخرطوم، وهو ما أدى إلى استمراره كل هذه السنوات العجاف، فكان أن طال الدمار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم (كوسو) من ناحية، ودار جامعة للخرطوم من ناحية أخرى.
(25) كتاباً جديداً هذا العام، ما هي أبرز مضامين هذه الكتب؟
أولاً هنالك كتابان وثائقيّان عن الثورة السودانيّة، للكاتبين الشاعرين: عادل سعد يوسف، ومحمد الخير إكليل، وهنالك دواوين شعرية في مختلف مدارس الشعر وحساسياته.. سيجد القارئ فيها ما سيأخذه إلى ما وراء الدهشة وما بعد الإعجاب. وهنالك التاريخ، والدبلوماسيّة، وبعض الكتب المنهجية.
ما الذي يمكن أن تسهم به الدار في عملية التحول الديمقراطي وتثبيت ركيزة شعار الثورة (حرية سلام وعدالة)؟
يا صديقي، إن تحضر الأمة إنما يقاس بمدى اهتمامها بالثقافة، والفعل الثقافي في شمول معناه واتساعه.. وليس ثمة ما هو أفضل من الكتاب والقراءة في تركيز دعائم الثقافة.. من هذه الزاوية تسهم الدار إسهاماً كبيراً في عملية الاستنارة ورفع مستوى الوعي عبر الكتاب، فالكتابة والقراءة فعلان وجوديّان، لا يستقيم أمر التقدم لأمة ما بدونهما.