الإعلام والانتقال الديمقراطي.. التحديات المحيطة بالسودان والدور المنتظر
الخرطوم: محمد إبراهيم
منذ أن سقط النظام المخلوع برئاسة المشير عمر البشير في أبريل 2019، ارتفعت الأصوات المطالبة بالإصلاح عالياً، خاصة قطاع الإعلام الرسمي والخاص، باعتباره المدخل الأوّلي لنجاح الفترة الانتقالية والمساهمة في معالجة المظالم التاريخية والشروع في بناء دولة المواطنة وتحقيق السلام الشامل، ولا سيما أنه كان للإعلام دور كبير في فشل التجربة الديمقراطية الثالثة.
مياه كثيرة مرت تحت الجسر فيما يتعلق بالإعلام منذ سقوط النظام حتى الوقت الراهن، تحديات (الوضع الاقتصادي، بطء الإصلاحات القانونية، اتساع رقعة الأحداث القبلية، وضعف وهشاشة بنية الإعلام وغيرها).
تحديات الإعلام
في ورشة قضايا التحول الديمقراطي (السلام، الهوية وحساسية النوع) التي أقامها موقع (مدنية نيوز) بفندق (بردايس) يوم الأحد الماضي، قدم رئيس تحرير (مدنية نيوز) حسين سعد ورقة بعنوان (الإعلام والانتقال الديمقراطي)، استعرض فيها الإشكاليات الراهنة التي تواجه قطاع الإعلام، وطرح عدداً من الحلول والتوصيات اللازمة حتى يسهم الإعلام بشكل فعّال في تحقيق الانتقال الديمقراطي ودعم وتعزيز التعايش السلمي والسلام ومكافحة خطاب الكراهية والتطرف.
محن الصحافة
تناولت الورقة أوضاع الإعلام المسموع والمقروء والمرئي تاريخياً في السودان، وأكدت أن السودان ظل يعاني من تضييق وكبت للحريات طوال فترات الحكم العسكري الشمولي، ونسمات متقطعة إبّان فترة الحكم الديمقراطي التي لا تتجاوز (10) سنوات من تاريخ استقلال السودان.
وقال حسين في ورقته: (الانقلاب يضع الصحافة في خانة العدو الأول، هذه الوضعية بجانب الأوضاع الاقتصادية الحرجة أدت إلى ممارسات لحقت بالصحافة أقل ما توصف بالقمعية والتسلطية لأنها في كثير من حالاتها تتجاوز القانون، وهي أوضاع متقلبة وخفيّة، غير أن أبرز تحدٍ يواجه الإعلام ظل مُركّزاً في مصادر تمويله، ومدى قدرة تلك المصادر على تحقيق مشاريع إعلامية مستدامة، والغالبية العظمى من المؤسسات الإعلامية غير قادرة حتى على تغطية تكاليف تشغيلها).
الإعلام والانتقال
جوهر الورقة يتناول كيفية أداء الإعلام دوراً فعالاً في الانتقال الديمقراطي. ويشير مقدم الورقة للنظر لفقدان الثقة بين الجماهير والإعلام والنظر للتحولات التي طرأت على الإعلام لا سيما المملوك للدولة، وتراجع تأثيره وضعف مصداقيته وانتشار وسائل الإعلام البديل، بجانب ظهور صحافة المواطنين الصحافيين الذين فرضت عليهم الثورة كتابة الأخبار، وتصوير الأحداث من دون دراسة أو تأهيل، إضافة لبروز إعلام التجهيل والدغمسة (الجداد الإلكتروني) الذي ينشر الكذب والتضليل وخطاب الكراهية.
وأضافت الورقة: (يلعب الإعلام المنخرط في عملية التغيير دوراً أساسياً في استمرارية العمل السياسي الإصلاحي والتوعوي، الذي تناط به مسؤوليات حماية مكاسب التغيير الديمقراطي وتطويرها، وكشف جميع المعوقات والصعوبات التي تحول دون نجاحها، لذلك يقتضي بناء الرسالة الإعلامية المرافقة لعملية الانتقال الديمقراطي، عملاً إعلامياً محترفاً يعيد صياغة وإعداد وتقديم مواقف المواطنين، والاتجاهات العامة للرأي العام).
مطلوبات الانتقال
وأشار حسين سعد، في الورشة إلى أن المطلوبات والشروط التي يحتاجها الإعلام حتى يستطيع القيام بوظائفه هي (القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع، وأن تتوافر له القدرة على حماية مصالح المجتمع). ولفتت الورقة إلى (8) وظائف أساسية يقوم بها الإعلام الحر من أجل التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي، تشمل تلك الوظائف (الوفاء بحق الجماهير في المعرفة من خلال نقل الأنباء من مصادر متعددة، الإسهام في تحقيق ديمقراطية الاتصال من خلال تحولها لساحة للتعبير الحر عن جميع الآراء والاتجاهات، الإسهام في تحقيق المشاركة السياسية من خلال إتاحة المعلومات الكافية، إدارة النقاش الحر في المجتمع بين جميع القوى والتوجهات والأفكار للوصول إلى أفضل الحلول، الرقابة على مؤسسات المجتمع وحمايته من الانحراف والفساد، المساعدة في صنع القرارات، التأثير في اتجاهات الرأي العام ومراقبة الأحداث المعاصرة التي من المحتمل أن تؤثر بالإيجاب أو السلب على رفاهية المواطنين).
ما ينبغي أن يكون
مقدم الورقة دفع بعدد من التوصيات حتى يؤدي الإعلام دوره الأساسي في دعم الانتقال الديمقراطي في البلاد مثل (إتاحة الفرصة لجميع مكونات المجتمع بالتساوي في الإعلام القومي، نقل الإعلام إلى الهامش وأماكن الحروب وإتاحة الفرصة للمجتمعات في تلك المناطق للتواصل مع بقية أهل السودان وإيصال صوتها، التركيز على الإعلام التنموي المحفز للعمل وقيم التعايش، مراجعة العلاقة بين الدولة ومؤسسات التلفزيون المملوكة للقطاع الخاص وبين المؤسسات الصحفية التي كان يمتلكها المؤتمر الوطني المحلول، مراجعة شروط تأسيس الشركات التي تصدر عنها المؤسسات الإعلامية، وضع ميثاق صحفي ينظم علاقة الصحافة بالمواطن والمجتمع وقيم الثورة).
ولتمكين الإعلام من تحقيق رسالته وأهدافه، طالب مقدم الورقة بعدد من الشروط اعتبرها ممكنة مثل (إنهاء حالة التركيز الحالي على العاصمة بالنسبة لوسائل الإعلام المختلفة، والسعي لتعزيز القدرات الإعلامية في الولايات خاصة الأقل نمواً منها بتأهيل الإعلاميين ومدها بوسائل إعلامية متطورة، تهيئة المناخ القانوني المناسب لتطوير المهنة وحمايتها وضمان الجو المناسب لتأدية واجبها، وهذا يقتضي تعديلات جذرية في القوانين)، وذكر: (لا يمكن أن تتطور الصحافة ما لم تتوفر لها القاعدة الاقتصادية المتينة)، وشدد في الوقت ذاته على إتاحة الوصول للمعلومات وإتاحة المجال لكل الأجهزة الإعلامية.
مناقشات
شهدت الورشة مداولات ومناقشات كثيفة من قبل المشاركين، ورأى البعض أن دور الإعلام في عملية الانتقال المتعلقة بتأمين سلامة المواطنين يأتي بعد دور الدولة وأن الدور الأول يقع على السلطة التنفيذية ومثلوا لذلك بقضية الأحداث القبلية التي تشهدها مناطق السودان المختلفة والذي هو نتاج لضعف الحكومة وتراخيها في تطبيق القانون وحسم التفلتات وجمع السلاح.
وتمسك مشاركون ومشاركات بضرورة إشراك المجتمعات المحلية في صنع وتعزيز التعايش السلمي، ومعالجة قضية (الحواكير)، والإسراع في إجازة القوانين في الفترة الانتقالية بما فيها القوانين المنظمة للإعلام.