رفع الدعم عن الوقود.. الضائقة الاقتصادية تُهدد الانتقال الديمقراطي
الخرطوم: هانم آدم
موجة من الانتقادات والاحتجاجات شهدها الشارع السوداني منذ مساء الثلاثاء الماضي، عقب إنهاء الحكومة لدعمها للوقود، في إطار ما تصفها بالإصلاحات الاقتصادية القاسية، والتي يدعمها صندوق النقد الدولي، الأمر الذي فاقم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتحديات التي تواجة الفترة الانتقالية المتمثلة في التدهور المتواصل لسعر صرف العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ومضاعفة الأسعار.
زيادة الضغوط
طبقت الحكومة بالامس، رسمياً القرار الخاص بتعديل أسعار الوقود وتركها لسعر التكلفة، وارتفعت بموجب ذلك أسعار الوقود ليصل سعر لتر البنزين إلى (٢٩٠) جنيهاً، فيما ارتفع سعر لتر الجازولين إلى (٢٨٠) جنيهاً. وقد وجد القرار الذي اتخذته الحكومة رفضاً من داخل المؤتمر الصحفي الذي أعلن وزير المالية التعديلات الجديدة، حيث تعالت الأصوات المطالبة بإسقاط الحكومة.
واعتبر عدد من المواطنين أن القرار يمثل إجحافاً في حقهم وزيادة ضغوط عليهم، وذلك بعد أن تفاءلوا خيراً عقب سقوط النظام السابق، بتحسن الأوضاع لا سيما المعيشية منها، غير أن الصعوبات التي واجهتهم جعلتهم يفقدون الثقة في تحسن الحال، الأمر الذي يهدد الفترة الانتقالية حسب مراقبين ويصعبها.
وقد خذر خبراء اقتصاديون ومراقبون سياسيون من الآثار السيئة لمثل هذه القرارات دون وضع معالجات مسبقة لتداعياتها المحتملة، فما أن أعلن عن القرار الا وشهدت العاصمة الخرطوم احتجاجات غاضبة، وأغلق المواطنون المحتجون الشوارع رفضاً للقرار، وأحرقوا إطارات السيارات، وشهدت العاصمة تتريساً للشوارع، ما جعل الكثير من المواطنين يصلون لمنازلهم راجلين بعد توقف جزئي للمواصلات العامة.
توحيد الجهود
وفي الأثناء اعتبر تجمع المهنيين السودانيين، قرار رفع الدعم عن الوقود بأنه تأكيد بأن السلطة لا تعبأ بالمواطن ومعاناته، وأن سياساتها نسخة من نظام المخلوع عمر حسن البشير، ودعا التجمع في بيان أمس، للخروج لمقاومة القرارات وإسقاطها وتوحيد الجهود لإعادة الثورة ممن أسماهم بالانتهازيين.
ظلال سالبة
وبحسب التاجر بسوق ام درمان حسب الرسول محمد، فإن رفع الدعم عن الوقود سيلقي بظلال سالبة على السوق، وذلك من خلال تأثيراته المباشرة، لجهة أنه يدخل في الصناعة وفي الترحيل وغيره، وقال محمد لـ(مدنية نيوز) إن السوق عامة سوف يتأثر بهذا القرار، وأشار إلى أن ذلك قد بدأ فعلياً وقبل التطبيق الفعلي للقرار، حيث بدأت الشركات تتوقف لإعادة تسعير المنتجات مثلما كانت تفعل في السابق، أو أن يتم ربط تلك البضائع مع أصناف أخرى غير مرغوبة في السوق، وأضاف: (بالتالي أنت كتاجر لن تستفيد، وحالياُ الإقبال على البضائع ضعيف)، وأضاف أن أصحاب الشركات هذه الأيام لا يرغبون في البيع، أو العمل، ويرى أن الزيادة الحقيقة للأسعار قد تظهر بالفعل مطلع الأسبوع من قبل الشركات، حيث لم يحدث أن تمت زيادة للوقود دون حدوث زيادة في الأسعار عموماً.
قرار عشوائي
أما المواطن عبد القادر دفع الله، الذي يعمل سائقاً بإحدى خطوط المواصلات عقب عودته من الاغتراب، فيقول إنه يفكر جدياً في العودة لبلاد الغربة التي كان يعمل بها أستاذاً، ووصف القرار بأنه عشوائي وغير مدروس، وأضاف أن المواطنين لا يقبلون هذه الزيادات خاصة في المواصلات، ويصبون جل غضبهم على سائقي المركبات وكأنهم هم السبب، وأضاف: (حالياً سعر تذكرة الراكب من منطقة الجبل وحتى سوق ليبيا بمبلغ (٥٠٠) جنيه، ومع هذه الزيادات سوف تتضاعف قيمة التذكرة إلى (١٤٠٠) و(١٠٠٠) لكل خط، ونحن نستحي أن نقول للمواطن ذلك ومن أين له بها يومياً).
وانتقد عبد القادر ما يحدث في البلاد، وأكد أنه لا يمكن أن تكون الزيادات بنسبة (١٠٠٪)، مبيناً أن البلد تسير نحو هاوية لا يعلمها إلا الله. في الوقت الذي اعتبر فيه زميله في نفس الخط محمد خليل، أن ما حدث جراحة لابد منها لأجل إصلاح الاقتصاد، وإيقاف تهريب الوقود والالتزام بشروط البنك الدولي، غير أنه لم يُخفي أن القرار له آثار جانبية على المواطن وعليهم كسائقين، وأشار إلى أن سعر جركانة البنزين ارتفع إلى (٨) آلاف جنيه، مع العلم أن الوقود الحكومي غير متوفر في الطلمبات وقد تنتظر في الصف ثلاثة أو أربعة أيام حتى تحصل عليه.
ركود وتراجع
بدوره يرجع المحلل والباحث الاقتصادي د.هيثم فتحي، القرار إلى وجود خطة متفق عليها بين الحكومة وصندوق النقد الدولي لتحرير أسعار الوقود كاملة وتركها للعرض والطلب، وبالتالي إلغاء الدعم كاملاً، وقال إن المواطن بات على موعد مستمر مع زيادات الأسعار، التي لا يقتصر تأثيرها السلبي فقط عليه، بل تمتد إلى الأسواق التي تصاب بحالة كساد، وربما ركود مزمن وتراجع في الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى موجات من زيادات الأسعار.
معيشة المستهلكين
وعدد د.هيثم أسباب رفع أسعار البنزين في السودان بنسبة 100%، وحصرها في ارتفاع أسعار البترول ومشتقاته عالمياً، وارتفاع أسعار صرف الدولار، ومحاولة زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة، وتوقع أن تكون الزيادات بنسبة كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النقل والترحيل بعد رفع أسعار الوقود، وأوضح بقوله: (في تقديري الفترة القادمة ستشهد موجة تضخمية لن تعكسها أرقام جهاز الإحصاء، لأن طريقة حساب مؤشر التضخم تتضمن عوامل فنية لا تركز على الأثر المباشر على معيشة المستهلكين، بقدر ما تقارن معدل الزيادة في العام الحالي بنظيره في نفس الفترة من العام السابق)، وتابع: (يمكن للحكومة التغلب على تقلبات أسعار النفط بمضاعفة التحوط ضد الأسعار من خلال عقود خاصة بالتأمين ضد مخاطر ارتفاع أسعار النفط مع بنوك عالمية، لتأمين الموازنة ضد مخاطر تذبذب أسعار البترول العالمية).
وقال فتحي إنه الآن تم ربط زيادة الوقود بسعر التكلفة، والتي تتحدد من خلال سعري صرف النقد الأجنبي وبرميل خام برنت عالمياً، مبيناً أن ما يصعب الأمور هو أن الزيادات تزامنت مع ارتفاع أسعار الكهرباء قبل فترة، ثم الوقود، حيث ستزداد تكلفة النقل ومواد البناء من حديد وأسمنت ومطاعم ومواد غذائية وخضروات.
التمويل بالعجز
واعتبر المحلل الاقتصادي، أن كل ما يحدث الآن نتيجة لفقد الجنيه لقيمته الشرائية، بسبب سياسات التمويل بالعجز، وكان يجب تطبيق هذه الزيادات في أسعار المحروقات تدريجياً وتماشياً مع القيمة الحقيقية للجنيه التي لم يبقى منها شيء الآن، مشيراً إلى أن هذا ليس رفع دعم، وإنما سعر مناسب لهذه المحروقات، في مقابل قيمة الجنيه وما حدث له، وارتفاع قيمة التضخم والارتفاع لمستوى العام للأسعار.
ويؤكد مراقبون أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد حالياً؛ تعيد إلى الأذهان سبب اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، لتأتي بعد ذلك الحكومة الانتقالية التي التزمت منذ عامين بإصلاح اقتصاد البلاد، والذي يقوضه النقص المستمر في النقد الأجنبي والتضخم الذي تجاوز (٣٦٠%) في أبريل الماضي.